الوقت - أعلنت جامعة الدول العربية عن موعد الدورة السادسة للمنتدى الروسي العربي في مدينة مراكش المغربية، وكانت هذه الدورة مقررة قبل عامين، وتم تأجيلها للعام الحالي بسبب أزمة كورونا، إلا أنها تأتي في سياق ظرف سياسي شديد الأهمية بالنسبة للرباط وموسكو في ظل التطورات السياسية الأخيرة.
وقد تم إطلاق المنتدى عام 2013، استنادا إلى مذكرة التعاون الموقعة بين وزير خارجية روسيا وأمين عام جامعة الدول العربية عام 2009، والذي حقق نتائج إيجابية ومثمرة خلال دورات المنتدى الخمس السابقة، إذ سيحل وزير الخارجية سيرغي لافروف بالمغرب لتمثيل موسكو في القمة الروسية العربية في مدينة مراكش، وذلك بتكليف من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يزور الإمارات العربية المتحدة ضمن جولة خليجية تنطلق، تزامنا مع وجود الملك محمد السادس في أبو ظبي.
وقال الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدولية في الجامعة العربية خالد منزلاوي إن المنتدى العربي الروسي يهدف بالأساس إلى تعميق أواصر الشراكة بين الدول العربية وروسيا.
المنتدى والعلاقة الروسية المغربية
لطالما كان الموقف من قضية الصحراء الغربية، هو البوصلة السياسية للمغرب، إذ إنه يحدد علاقة المغرب ببقية الدول، حيث يتواصل الاعتراف الدولي بحقوق المغرب في صحرائه، وكذلك العلاقة مع روسيا فقد بقيت في حدود الموقف من قضية الصحراء، بينما تتجه روسيا إلى تعزيز روابطها مع دول إفريقيا عموما في ظل أزمتها مع الغرب بسبب حرب أوكرانيا، إذ كانت المغرب أول دولة إفريقية ترسل مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، ونصبت نفسها أيضًا على أنها أكبر حليف للولايات المتحدة في المنطقة المغاربية.
وفي ظل التطورات التي تشهدها القارة الإفريقية، وما يرافقها من متغيرات، وتوسع أو انتقال الصراع من أوكرانيا في أوروبا إلى الدول الإفريقية، يطفو على السطح موضوع قضية الصحراء الغربية الذي يبقى بلا حل، رغم المساعي الدائمة لتسويته، بسبب جعله ورقة ضغط تابعة لمصالح الدول المعنية في هذا الموضوع.
ولا تعترف الأمم المتحدة بالمطالب المغربية؛ لأن الصحراء الغربية لا تزال مدرجة في قائمتها للأراضي غير المتمتعة بالحكم الذاتي منذ عام 1963، وقد دعا مجلس الأمن إلى إجراء مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، ووافقت على أكثر من 100 قرار يدعم حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، ومن هنا يتضح التوجه المغربي نحو موسكو، لإيجاد داعم دولي إضافي، إذ إن روسيا اتخذت في السنوات الأخيرة مواقف أكثر حيادية تجاه هذا الملف على عكس مواقفها السابقة.
حدد الاتحاد السوفيتي، بصفته القائد العسكري والسياسي للكتلة الاشتراكية، التوجه العام للسياسة الخارجية لجميع الدول الأعضاء في هذه الكتلة، التي لم تقدم أي دعم للصحراء الغربية، باستثناء يوغوسلافيا وكوبا، سوى التعبير عن التعاطف، وقد أصدر الاتحاد السوفيتي مرات عديدة تصريحات تفيد بضرورة منح شعب الصحراء الغربية الحق في تقرير المصير، ودعا إلى تسوية سلمية للنزاع من خلال المفاوضات، وأنه لا ينبغي أن يكون هناك تدخل غربي، لكن المغرب رغم ميله أكثر نحو الغرب، لم يتبع قط مسارًا مناهضًا للسوفيت في السياسة الخارجية، إذ سعى دائمًا إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الاتحاد السوفيتي.
وفي 29 أبريل/ نيسان 1991، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (690)، الذي ينص على إنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، وفقًا لمقترحات التسوية التي اعتمدها المغرب وجبهة البوليساريو، كما نصت خطة التسوية على فترة انتقالية للتحضير لاستفتاء يختار فيه شعب الصحراء الغربية بين الاستقلال أو الاندماج مع المغرب، وجُدِّدَ هذا التفويض في أبريل (نيسان) 2015، لمواصلة مراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو.
شهدت جلسة مجلس الأمن رفيعة المستوى مع الجامعة العربية لبحث التعاون بين الطرفين، “تحولا مثيرا” في الموقف الروسي من قضية الصحراء المغربية، إذ تأسف فاسيلي نيبينزيا، ممثل روسيا الدائم بمجلس الأمن في كلمته، لاستمرار ما وصفه بـ”الأوضاع المقلقة، وغير المستقرة” في منطقة الصحراء المغربية، ومناطق أخرى بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فاختلف موقف الاتحاد الروسي عن موقف الاتحاد السوفيتي وأصبحت روسيا تؤيد إجراء الاستفتاء، وهي أيضًا دولة عضو في بعثة مينورسو، ولا تعترف بالجمهورية الصحراوية دولةً مستقلة، لكنها لا تعتبر الصحراء الغربية جزءًا من المغرب، فمنذ هذه الفترة، أصبح وجود الروس في المنطقة حاضرًا بقوة في إطار قوات حفظ السلام، أو البعثة الأممية.
تطورت علاقات روسيا منذ فترة طويلة مع الجزائر بوصفها واحدة من أكبر مشتري الأسلحة، لكنها وسعت مؤخرًا شراكات تجارية ثنائية مع المغرب، وأعادت تنشيط العلاقات الدبلوماسية مع الرباط؛ ما أظهر أن لها مصالح في كلا البلدين، أي في القارة الإفريقية عموما.
كما تدرك موسكو أهمية المغرب في الخريطة الإقليمية لما يتمتع به من ثقل سياسي في شمال إفريقيا، وهو ما دفعها إلى تطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية معه وإيجاد مصالح مشتركة لكليهما، بهدف استعادة مكانتها وقوتها في المنطقة، حيث شهد الحضور الروسي في إفريقيا تراجعا كبيرا بعد الحرب الباردة، فهي تعد المغرب فاعلا إفريقيا حقيقيا يمكن التعويل عليه في الانفتاح على شركاء في شمال إفريقيا.
ومع تحديد مدينة مراكش لاحتضان الدورة السادسة للمنتدى الروسي العربي، يندفع المغرب لتحقيق مجموعة من المصالح والمكاسب، ولعل الطموح السياسي في قضية الصحراء هو أول تلك المكاسب، إذ يؤكد متابعون مغاربة أن هذا الملتقى، سيمثل فرصة مواتية لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين روسيا والمملكة المغربية، والمنطقة العربية بشكل عام، وخاصة أن موسكو كشفت عن نيتها في التعويل على المغرب كقطب إقليمي واعد لتعزيز الوجود الروسي بالقارة الإفريقية.
وقد تقدم المغرب خطوات عديدة باتجاه الروس في محاولة لكسب روسيا إلى صفه، إذ منح السفن البحرية الروسية ترخيصا للصيد في مياهه الإقليمية خلال السنوات الأخيرة، بالرغم من العقوبات الغربية على موسكو، وفتح مجاله الجوي أمام الطائرات الروسية بعد إغلاق أوروبا مجالها الجوي في وجهها.
ومن جهة أخرى يشكل احتضان مراكش للمنتدى الروسي العربي فرصة مهمة للصادرات المغربية لتجد طريقها نحو السوق الروسية الواعدة، والتي ازدادت أهميتها بعد العقوبات الغربية على خلفية الحرب في أوكرانيا، والابتعاد عن التعويل على أوروبا.
فالمغرب يسعى حالياً إلى تقديم حل معقول لقضية الصحراء برفقة الأمم المتحدة، رحمة بأشخاص يتم احتجازهم في مخيمات تندوف في ظروف قاسية جدا”، إذ إن اختيار مبادرة الحكم الذاتي هو الاختيار الوحيد المطروح في إطار الحلول السياسية، وقد تبدو روسيا مقتنعة جدا بهذه المبادرة، لكن ذلك ينبغي أن يظهر عن طريق مواقف عملية وتطبيقية”، فروسيا تعرف جيدا مواقف المغرب وسلوكه في ما يتعلق بالعلاقات الدولية، وليس لها مواقف مضادة لمبادرة الحكم الذاتي، والدليل على ذلك أنها طرف في مجلس الأمن ولم يسبق لها أن أصدرت موقفا غير ملائم أو عدائي ضد المغرب، فعلى المستوى العالمي إن الاعتراف بالمبادرة هي فقط مسألة وقت لا غير، وفق رأي الخبير في العلوم السياسية، عبد العزيز قراقي.
يسعى المغرب من خلال اعتماده السبل البراغماتية لجذب التأييد لقضاياه الرئيسة، كما ينظر بعين استراتيجية لتمتين الروابط مع دول سيتعاظم دورها مستقبلاً، وهذا حاله مع الروس القادمين بقوة إلى القارة السمراء.
