الوقت- بناءً على تقرير جديد نشره موقع "ذا فيرج" التقني، قام عدد من موظفي شركة أمازون بالتوقيع على خطاب داخلي تم إرساله إلى مؤسس الشركة جيف بيزوس والرئيس التنفيذي آندي جاسي، حيث طالبوا بإنهاء عقود العمل مع "إسرائيل" بسبب النزاع الأخير في قطاع غزة، وأكد الخطاب على ضرورة أن تعترف الشركة بـ "الاعتداء المستمر على حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين من قبل الاحتلال غير الشرعي"، حيث استند الموظفون إلى أعمال العنف التي تشمل القتل والتهجير وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، في الختام، طالبوا قيادة أمازون باتخاذ خطوات فورية لإنهاء التعاون المالي والتجاري مع "إسرائيل"كرد فعل على هذه الأحداث البشعة.
إنهاء التعاقد مع كيان الاحتلال
في إطار الطلبات التي قدمها موظفون في شركة أمازون، طالبوا بإنهاء العقود التجارية مع الشركات، المنظمات، أو الحكومات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، وأبرز هذه الحالات بشكل خاص مع "إسرائيل"، وفي هذا السياق، وقع حوالي 500 موظف على خطاب داخلي أرسل إلى مؤسس الشركة والرئيس التنفيذي، حيث دعوا إلى اعتراف الشركة بـ "الاعتداء المستمر على حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين" من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
أيضا، طالب موظفو الشركة بالمحافظة على حرية التعبير واتخاذ إجراءات إضافية، من بينها إنشاء صندوق إغاثة للفلسطينيين الذين تضرروا نتيجة للعنف الإسرائيلي، ويُشار إلى أن شركة أمازون، جنبًا إلى جنب مع غوغل، قد وقعتا عقدًا بقيمة مليار دولار مع "إسرائيل" في الشهر الماضي، لتقديم خدمات إلكترونية، وقد وُصِفَ هذا الاتفاق من قبل الموظفين بأنه "شكل من أشكال الدعم العسكري غير المباشر لإسرائيل"، وحتى اللحظة، لم يرد متحدث باسم شركة أمازون على طلبات التعليق، ويأتي هذا في سياق التوترات الأخيرة التي شهدتها المنطقة، حيث إن الصراع الذي نشب بين حماس و"إسرائيل" منذ أكثر شهر راح ضحيته عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى الفلسطينيين ومئات القتلى والأسرى الإسرائيليين.
وكلنا نعلم مدى ارتباط هذه الشركات بالكيان الإسرائيليّ، ففي الثالث والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت شركة غوغل عن إيقاف ميزة تتبع حركة المرور في الوقت الفعلي داخل الأراضي المحتلة وقطاع غزة، في تطبيق خرائط غوغل وتطبيق "ويز" (Waze) التابعين لها، تم هذا القرار بناءً على طلب خاص من جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل بدء عملية الغزو البري للقطاع، وتبعت شركة أبل أيضًا نفس السياسة وأوقفت تلك الميزة على تطبيق خرائط أبل المستخدم على هواتف آيفون، ويُشار إلى أن شركة غوغل اتخذت نهجًا مماثلاً في أوكرانيا العام الماضي بعد إعلان روسيا الحرب هناك، حيث قامت أيضًا بإيقاف بيانات حركة المركبات والأشخاص في الوقت الفعلي وفقًا لصحيفة بلومبيرغ، وتعمل هذه الميزة في خرائط غوغل من خلال دمج معلومات الموقع والسرعة التي تنقلها الهواتف الذكية في تطبيق الخرائط، ليظهر التطبيق مدى كثافة حركة المرور في الشوارع أو ازدحام الأماكن داخل المدينة بشكل حي وفي الوقت الفعلي.
وقبل بدء عملية الغزو البري للجيش الروسي في إحدى المدن الأوكرانية، اكتشف أحد خبراء الاستخبارات معلومات مفتوحة المصدر تشير إلى ازدحام مروري في إحدى مدن روسيا قرب الحدود مع أوكرانيا، وقد شاهد هذا الازدحام مباشرة على تطبيق خرائط غوغل، حيث قام بربط هذه المعلومات بين تحرك قوات الجيش الروسي واتجاهها نحو الغزو البري لأوكرانيا، وعلى الرغم من أن الجنود لم يستخدموا هواتفهم الذكية خلال التحرك، إلا أن المعلومات تأتي في الغالب من هواتف المدنيين الذين توقفوا عند الحواجز التي نصبها الجيش الروسي لتنقل قواته، وفي ضوء هذه الاكتشافات، أصدرت غوغل والسلطات الأوكرانية تحذيرًا حيال احتمال استخدام روسيا لبيانات حركة المرور في خرائط غوغل لمراقبة تحركات القوات الأوكرانية، استجابةً لهذا التحذير، قررت غوغل إيقاف تلك الخدمة في تطبيقها، تحسبًا لحماية أمان القوات البرية الأوكرانية، يُشدد على أن غوغل قد اتبعت نهجًا مشابهًا في الماضي، حيث قامت بإيقاف ميزة مماثلة في أوكرانيا بعد إعلان روسيا الحرب هناك.
التقنية في مقدمة المواجهة
توفر شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل وأمازون للجيش الإسرائيلي بيانات وخدمات تقنية ما يعد تدخلاً مباشراً في السياق الحالي للصراع في قطاع غزة، هذا التدخل يثير القلق والانتقادات، حيث يُعتبر غوغل شريكًا، على الأقل جزئيًا، في الأحداث الدموية الجارية في المنطقة، ليست هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها شركات التكنولوجيا العملاقة في أحداث صراع أو انتهاكات حقوق الإنسان، وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي، تظاهر العديد من موظفي غوغل وأمازون أمام مكتب غوغل في نيويورك للتعبير عن احتجاجهم ضد مشروع الحوسبة السحابية المعروف بـ "نيمبوس"، كما وقعت حكومة الاحتلال اتفاقًا مع غوغل وأمازون في أبريل/نيسان 2021 لبناء مراكز بيانات إقليمية داخل الأراضي المحتلة، وهي صفقة بلغت تكلفتها 1،2 مليار دولار، يشير هذا إلى تورط متزايد للشركات التكنولوجية في مشاريع تستخدم في سياق النزاعات والاحتلال، ما قد يؤدي إلى تساؤلات حول دورها ومسؤوليتها في دعم أنشطة تتناقض مع حقوق الإنسان والقانون الدولي.
ومشروع "نيمبوس"، على الرغم من أن الإعلانات الرسمية أشارت إلى إنشاء مراكز بيانات إقليمية، إلا أن تقريرًا من "The Intercept" في يوليو/تموز الماضي كشف عن تفاصيل إضافية، وفقًا للتقرير، كان المشروع يتضمن أكثر من مجرد مراكز بيانات، حيث كان يتضمن جزءًا أساسيًا يقدم لحكومة الاحتلال الإسرائيلي مجموعة كاملة من أدوات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، وذلك عبر منصة غوغل السحابية.
وتلك التفاصيل الإضافية أثارت مخاوف واحتجاجات من قبل موظفي غوغل وأمازون الذين نظموا احتجاجات أمام مكاتب غوغل في الولايات المتحدة، كان السبب الرئيسي وراء هذه الاحتجاجات هو القلق من استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لتلك التكنولوجيات كوسيلة للمراقبة وقمع الفلسطينيين ضمن سياق نظام الفصل العنصري الذي تمارسه "إسرائيل"، المعروف باسم "الأبرتهايد"، والأجهزة العسكرية والأمنية لدولة الاحتلال الإسرائيلي تعتمد بالفعل على أنظمة متقدمة للمراقبة الإلكترونية والرقمية، ومن بين هذه الأنظمة يشتهر نظام "الذئب الأزرق"، الذي يستخدمه جنود الاحتلال لتصوير الفلسطينيين وبطاقات الهوية باستخدام هواتف خاصة، بهدف إنشاء قاعدة بيانات رقمية حول مواطني الضفة الغربية المحتلة، ومع ذلك، يُظهر التقرير أن التقنيات المتقدمة التي تقدمها شركات مثل غوغل وأمازون في مجال تحليل البيانات قد تزيد من إمكانيات القمع لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث يعتمد بشكل متزايد على هذه البيانات خلال السنوات الأخيرة.
ورغم أن مشروع "نيمبوس" لم يُكشف علانية بشكل كامل، إلا أن مجموعة من الوثائق التدريبية ومقاطع الفيديو الخاصة بالشرح الداخلي للمشروع، والتي كانت موجهة لموظفي الحكومة الإسرائيلية، كشفت عن بعض مزايا منصة غوغل السحابية التي تُقَدِّمها لدولة الاحتلال من خلال المشروع، يُظهر ذلك كيف تساهم هذه التقنيات في تطوير وتعزيز إمكانيات الاستخبارات والمراقبة الإلكترونية للجيش الإسرائيلي، وتقدم غوغل مجموعة شاملة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، والتي من المتوقع أن تعزز قدرات الكيان المحتل في مجالات متنوعة، مثل التعرف على الوجوه، والتصنيف الآلي للصور، وتتبع حركة الأجسام، وحتى القدرة على تحليل المشاعر داخل الصور والكلام والكتابة، هذه الإمكانيات من المرجح أن تزيد من قدرات دولة الاحتلال على ممارسة رقابة فعّالة على المواطنين الفلسطينيين، وتمكينها من معالجة كميات كبيرة من البيانات.
وما أثار قلقًا بين موظفي الشركة هو نموذج "AutoML"، وهو أحد الأدوات التي تقدمها غوغل في إطار مشروع "نيمبوس"، يعتبر AutoML نموذجًا لتعلم الآلة، حيث يتم تدريب نموذج ذكاء اصطناعي للتعرف على الأنماط داخل مجموعة من البيانات، ما يمكنه فيما بعد من التنبؤ الدقيق عند رؤية بيانات مماثلة لتلك التي تم تدريبه عليها، يثير هذا النموذج قلقًا بشأن تطبيقاته العسكرية وتقنيات المراقبة، حيث يمكن استخدامه في مجالات مثل التعرف على الصور وإنتاج النصوص، وهي قدرات يمكن توظيفها في تكنولوجيا المراقبة والتحليل الاستخباري، والتحدُّث عن مشروع "نيمبوس" يكشف عن أهمية نموذج "AutoML" في تسهيل عملية تدريب النماذج الذكية، حيث يكون من الصعب تدريب نموذج من البداية نظرًا للموارد الكبيرة المطلوبة، سواء من حيث الأموال أو الأجهزة الحاسوبية القوية، وبالنسبة لشركات كبيرة مثل غوغل وأمازون، لا تشكل هذه المشكلة تحديًا أساسيًا، ولذلك يفضل استخدام الدول والشركات أنظمة الذكاء الاصطناعي الجاهزة والمُدربة مُسبقًا على مجموعة من البيانات، وهذا هو أساس المشروع.
وتُسهِّل فكرة نموذج "AutoML" عملية تدريب النماذج بشكل أكبر، حيث يمكن للعملاء استخدام بياناتهم الخاصة لتصميم نموذج من الصفر دون استهلاك موارد ضخمة أو الحاجة إلى بيانات أو خبرات الشركة المُطوَّرة من الأصل، وعلى عكس ذلك، قد تفرض النماذج الجاهزة التي تقدمها غوغل بعض القيود التقنية، مثل قدرتها المحدودة على التعرف على الوجوه دون القدرة على مطابقتها بالبيانات المتاحة، بينما يوفر نموذج "AutoML" إمكانية لدولة الاحتلال الإسرائيلي الاستفادة الكاملة من قوة الحوسبة لغوغل لتدريب نماذج جديدة باستخدام البيانات الحكومية الخاصة بها، مثل تلك التي تُجمَع من تطبيق "الذئب الأزرق"، وتُظهر هذه الاتفاقيات الطويلة الأمد بين مايكروسوفت وحكومة الاحتلال التزام الشركة بتقديم الدعم التقني لأغراض عسكرية، في السنوات الأخيرة، زادت الانتقادات والاحتجاجات ضد هذه الشركات الكبرى التي تزود الأجهزة الأمنية للدول بتقنيات تستخدم في القمع وانتهاكات حقوق الإنسان.
نهاية القول، تمثل هذه التطورات جزءًا من مشكلة أوسع تتعلق بأخلاقيات استخدام التكنولوجيا ومدى مسؤولية الشركات في التأكد من عدم توجيه تقنياتها لأغراض قد تكون مخالفة للقيم الأخلاقية أو تتسبب في إلحاق الضرر ما يعني أن التعاون مع الكيان مستمر، وتظهر هذه القضايا أهمية وجود إطار أخلاقي قوي يوجِّه استخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول ويحمي حقوق الأفراد والمجتمعات،وإنّ التورط المستمر لشركات التكنولوجيا الكبيرة في تطوير وتقديم تقنيات للقوات العسكرية والأنظمة الأمنية لدول تسبب قلقًا وانتقادات من قبل النشطاء والجماهير، ويظهر التحالف بين شركات التكنولوجيا والجيوش تأثيرًا كبيرًا على التوازن بين التطور التكنولوجي وحقوق الإنسان، الشفافية ووجود إطار أخلاقي قوي يمكن أن يكونا ضروريين لتوجيه استخدام التكنولوجيا بشكل أفضل وتجنب الانتهاكات الإنسانية.
وإنّ النقاش حول الأخلاقيات في مجال التكنولوجيا يزداد أهمية، والمجتمعات تتطلع إلى الشركات لتحديد مواقفها وتبني مبادئ قائمة على حقوق الإنسان وتجنب المشاركة في الأنشطة التي تسهم في القمع أو الانتهاكات، والتحالف بين شركات التكنولوجيا الكبيرة والجيوش أو أنظم الأمان ليس محل نقاش فقط فيما يتعلق بالكيان، بل يمتد إلى عدة نقاط حول العالم، يُظهر هذا التحالف التوازن الحساس بين الاستخدام الإيجابي للتكنولوجيا في خدمة المجتمع وحقوق الإنسان، وبين الاستخدام السلبي الذي يمكن أن يؤدي إلى انتهاكات وتداول غير أخلاقي للمعلومات.