الوقت - دخلت الهجمات الوحشية التي يشنها الکيان الصهيوني على قطاع غزة شهرها الثاني، وحتی الآن استشهد 10 آلاف وأصيب عشرات الآلاف، وقد ساهمت هذه القضية في تسريع التحركات الدبلوماسية للدول الإسلامية للتعامل مع هذه الإبادة الجماعية.
وفي هذا الصدد، وصل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الاثنين الماضي، إلى طهران لبحث التطورات في المنطقة وغزة مع كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية.
وشدد السوداني، في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، كما أكد الجانبان على إيصال المساعدات الإنسانية بشكل فوري إلى سكان غزة، ومنع انتشار الحرب في المنطقة.
وبعد رحلته إلى طهران، سيزور السوداني أيضًا عواصم العديد من الدول الخليجية، وقال رئيس الوزراء العراقي، السبت الماضي، إن الأحداث المأساوية في غزة تعيد ذكريات مؤلمة للشعب العراقي، وإن هناك حاجةً ملحةً للمساعدات الإنسانية لغزة.
وأضاف: "نعلن تضامننا مع الشعب الفلسطيني، ونؤكد أن بلادنا ملتزمة بتقديم مساعدات كبيرة لشعب غزة، ونحن نعمل مع شركائنا الدوليين لإنهاء هذه المأساة في أسرع وقت ممكن، وقد أكدنا خلال مؤتمر القاهرة للسلام على أن الدمار الذي تمارسه قوات الاحتلال يجب أن يتوقف، ومن المهم جدًا ألا تعود المنطقة إلى عدم الاستقرار والصراع".
وتأتي جولة السوداني الإقليمية في وضع عززت فيه إيران دبلوماسيتها في الأسابيع الأخيرة، حتى تتمكن بمساعدة الدول الإسلامية الأخرى من خلق إجماع دولي ضد الکيان الصهيوني ووضعه على قائمة "مجرمي الحرب".
وقام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بزيارات متكررة إلى دول المنطقة خلال الشهر الماضي، لتوحيد العالم الإسلامي في إدانة الهجوم على قطاع غزة.
إيران، التي تولت قيادة هذه الحملة ضد الکيان الإسرائيلي، اعتمدت على دول مثل العراق، ونظراً للمكانة المهمة للجامعة العربية والتطورات التي تشهدها المنطقة، يستطيع العراق أن يلعب دوراً مهماً في حشد جزء من الجبهة العربية المتحدة لدعم حقيقي وعملي لفلسطين.
والعراق الذي كان تاريخياً أحد الداعمين العرب لفلسطين وتحرير القدس، في الاجتماع الطارئ الأخير لرؤساء الجامعة العربية في القاهرة، والذي انعقد لبحث التطورات في غزة، على عكس بعض الدول العربية السلبية، اتخذ موقفاً حاسماً ضد تل أبيب وطالب العالم بکبح جماح الکيان الصهيوني لمنع حدوث مآسٍ جديدة في المنطقة.
وعلى هذا الأساس، بطبيعة الحال يحاول السوداني في هذه الجولة الإقليمية اتخاذ خطوة مهمة في دعم غزة بمساعدة إيران والمشيخات الخليجية، ليظهر بهذه الطريقة حراكاً دبلوماسياً مشرفاً، استجابةً للرأي العام الداخلي العراقي الذي أصبح شديد السخونة ضد الکيان الإسرائيلي إثر جرائم الصهاينة، وأيضاً للاستجابة إلى تطلعات الشعب الفلسطيني الذي يتوقع من رجال الدولة العراقيين أن يستمروا في لعب دور تاريخي في مناهضة الاحتلال.
خطر الوقوع في الفخ الأمريكي
رغم أن بيان وزارة الخارجية العراقية ذكر أن أهداف زيارة رئيس وزراء هذا البلد إلى إيران تتماشى مع حملة دعم غزة، لكن هناك حدث سياسي يؤثر علی خطة سفر السوداني إلى طهران، بحيث لا يمكن تجاهل آثاره.
في الواقع، تأتي زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى طهران بعد استضافته وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بغداد الأحد الماضي، وحسب مصادر عراقية، فإن الجانب الأمريكي طلب من الحكومة العراقية الحفاظ على الهدوء في البلاد، ومنع انتشار الحرب بسبب ثقلها الإقليمي.
كما أن مسألة استمرار استهداف المصالح والقواعد الأمريكية، كانت أيضاً في إطار مفاوضات بلينكن مع السلطات العراقية، حيث قال بلينكن إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تصعيد التوترات مع إيران وجماعات المقاومة، لكنها ستعمل على الدفاع عن مواطنيها وقواتها العسكرية.
في الأسابيع الماضية، وبالتوازي مع تصاعد الجرائم الإسرائيلية في غزة، وقيام الولايات المتحدة بإرسال سفنها الحربية إلى المنطقة لحماية أمن الأراضي المحتلة، أعلنت فصائل المقاومة في عموم المنطقة استعدادها لدخول الحرب، وفي الوقت نفسه كانت القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، أحد أهداف الهجمات الانتقامية التي تشنها جماعات المقاومة.
لكن يبدو أن السوداني، رغم دعمه لشعبي غزة وفلسطين، لا تزال لديه مخاوف من تصاعد التوتر بين فصائل المقاومة العراقية والولايات المتحدة.
وفي وقت سابق، قال يحيى رسول، المتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء العراقي، في بيان رداً على هجمات الجماعات العراقية على القواعد الأمريكية: "نرفض استهداف القواعد العراقية التي يتواجد بها مستشارو قوات التحالف، بناءً على دعوة رسمية من الحكومة العراقية لتدريب وإعداد قواتنا".
وأوضح رسول أن العناصر التي هاجمت القواعد المستهدفة ستتم ملاحقتها تنفيذاً لأوامر رئيس الوزراء العراقي، وأشار "لن نسمح بضرب الاستقرار في البلاد".
هذا النوع من المواقف الحكومية قوبل بردود فعل من فصائل الحشد الشعبي، التي تطالب الحكومة باتخاذ إجراءات جدية لطرد المحتلين الأمريكيين، وحتى قادة المقاومة العراقية هددوا بالتعامل بشدة مع بلينكن إذا جاء إلى بغداد.
ولذلك، فمن المرجح أن يطلب السوداني من السلطات الإيرانية استخدام نفوذها لمنع جماعات المقاومة العراقية من مهاجمة المواقع الأمريكية في العراق.
ورغم أن مثل هذه الأجندة في حد ذاتها ستقلل من الإنجازات السياسية لزيارة السوداني الإقليمية لاتخاذ خطوة نحو تخفيف معاناة أهل غزة، لكن على افتراض أن الحكومة العراقية تسعى إلى تحقيق مثل هذا الهدف لمنع توسيع نطاق الحرب وانطلاقاً من مصالح الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، فمن الضروري أن نقدم بعض النقاط المهمة جداً:
أولاً، وكما أُعلن مراراً وتكراراً، فإن فصائل المقاومة في المنطقة، رغم علاقاتها الاستراتيجية مع إيران، لا تتلقى أوامر من طهران في سياساتها الداخلية، وخلافاً لنوع العلاقات بين الولايات المتحدة وأتباعها الإقليميين، والتي تعتبرهم خاضعين لها، فإن أضلاع جبهة المقاومة، بما في ذلك الحشد الشعبي والشيعة العراقيين، تتمتع باستقلالية عملياتية كاملة.
کما أن الجرائم الفظيعة التي ارتكبها الصهاينة في غزة لم تؤذ المسلمين فحسب، بل ألحقت الأذى بقلوب كل إنسان حر، ولذلك، ليس من الحكمة أبداً أن نتوقع أن تلتزم فصائل المقاومة في المنطقة الصمت، والتي يتمحور وجودها حول هدف تحرير القدس.
حتى أن قصة المواجهة بين فصائل المقاومة العراقية والولايات المتحدة ترتبط بما هو أبعد من التطورات في غزة، وتعود إلى طبيعة كراهية الشعب العراقي للنتائج البائسة لعقدين من الاحتلال الأمريكي لهذا البلد.
كما أعلن الأمين العام لحرکة النجباء الأسبوع الماضي عن عملية ساعة الصفر لطرد القوات الأمريكية من العراق، وقال إن الآن هو الوقت المناسب لتلقين الأمريكيين درساً لا ينسى.
ويأتي اعتبار الحكومة السودانية 5000 جندي أمريكي كمستشارين في العراق، فيما وافق برلمان البلاد على خطة طرد الأمريكيين في يناير 2020، وعلى الحكومة أن تنفذ هذه الخطة، لكنها متقاعسة في هذا الشأن.
وتعتبر فصائل المقاومة العراقية وقطاع كبير من المجتمع، أن السبب الرئيسي للأزمة السياسية والأمنية في هذا البلد هو التدخلات الأمريكية، ولذلك يطالبون السلطات في بغداد بعدم التسامح في هذا الأمر.
وخلال فترة وجود "داعش" في العراق، كانت أمريكا الداعم الأكبر لهذه الجماعة الإرهابية، وفي كثير من الأحيان أنقذت قادة "داعش" الذين كانوا محاصرين من قبل الجماعات العراقية باستخدام مروحياتها، كما أرسلت آلاف الأطنان من الأسلحة إلى الإرهابيين. ولذلك، فإن تثبيت الوجود الأمريكي المستمر في العراق لن يحل مشاكل البلاد فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى تفاقم مشاكل البلاد الأمنية والسياسية.
ثانياً، السوداني نفسه وصل إلى منصب رئيس الوزراء بمساعدة فصائل المقاومة الشيعية في البرلمان، ويجب أن يكون منسجماً مع سياسة المقاومة، وأن يتحلى بالشجاعة لاتخاذ موقف صارم تجاه السياسات الأمريكية الداعية للحرب في العراق والمنطقة والدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم، وليس عرقلة عمل فصائل المقاومة التي تعمل لمعاقبة أعداء فلسطين.
حالياً، أصبح واضحاً للجميع أن ما يحدث في غزة ليس جريمةً صهيونيةً فحسب، بل هو أيضاً إبادة جماعية صهيونية أمريكية، والولايات المتحدة، بدعمها الشامل للکيان الإسرائيلي، هي المتهم الأول في قتل أهل غزة وتصعيد التوترات في المنطقة.
کما أن آلة الحرب التي أطلقها الصهاينة في غزة أصبحت الآن تحت قيادة واشنطن، والتي، مع استخدام حق النقض ضد قرارات روسيا في مجلس الأمن، تشكل العقبة الرئيسية أمام وقف إطلاق النار وتشجع الصهاينة على قتل سكان غزة.
کذلك، تشير التقارير إلى أن العشرات من عناصر المخابرات وقوات النخبة الأمريكية يقاتلون إلى جانب الجيش الصهيوني في غزة، وهذا ليس مجرد دعم سياسي، بل مشاركة عسكرية في الحرب.
لقد أثبت الکيان الصهيوني من قبل أنه لا يملك القدرة على مواصلة حرب طويلة، وهو الآن يرتكب الإبادة الجماعية في غزة بدعم من الغربيين، ودون خوف من معاقبته في المحاكم الدولية.
ولذلك، يُتوقع من الحكومة العراقية، على عكس الحكام العرب التصالحيين، أن تضغط على الأمريكيين لوقف المغامرة، دفاعاً عن قضية القدس وأهل غزة على الأقل، لأن أي نوع من التسامح مع أمريكا والكيان الصهيوني سيجعلهم يتابعون بجدية مخططاتهم الشريرة والفاشلة ضد محور المقاومة.