الوقت - معركة الكرامة ومشهور الجازي كانا حاضرين بقوة على لسان الشعب الأردني مؤخرا ولا سيما في ظل الاتجاه إلى منطقة الأغوار الأمر الذي قابلته السلطات الأردنية بإجراءات احترازية تمنع المواطنين من الاقتراب من المنطقة.
ومنعت قوات الأمن الأردني بالقوة وصول مئات المتظاهرين إلى الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة، وأطلقت بكثافة قنابل الغاز المسيل للدموع.
وتوجه الآلاف من الأردنيين للحدود تفاعلا مع قصف الاحتلال لقطاع غزة.
وذكر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن عددا من المتظاهرين سلكوا طرقا مختلفة لتفادي الحواجز الأمنية التي أقامتها أجهزة الأمن الأردنية لمنعهم من الوصول للمنطقة الحدودية.
وكانت وزارة الداخلية الأردنية قد ذكرت أن التظاهر في مناطق الأغوار والحدود غير مسموح به.
وقالت الوزارة في بيان لها إنه "حرصا منها على سلامة المواطنين وضمان حق التعبير المشروع عن مشاعرهم الوطنية تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية، فإن الدعوة للتجمهر والتظاهر في مناطق الأغوار والحدود أمر غير مسموح به".
وذكرت أن الأجهزة الأمنية ستقوم باتخاذ كل التدابير لمنع ذلك، وأن القوات المسلحة الأردنية ستتولى حماية تلك المناطق وضبط الأمن فيها.
كما صدرت عن الأمن العام الأردني دعوة للالتزام بما صدر من تعليمات والتقيد بالأماكن التي خصصت للوقفات والتجمعات.
وشهدت محافظات الأردن المختلفة على مدار الأيام الماضية تظاهرات شعبية تندد بالحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى.
وبرز أن شعارات وهتافات الشارع الأردني تتّخذ شكلا أكثر جدية فقد تم بث شريط يظهر فيه عدد من الأردنيين وهم يتحدثون بصوت مرتفع لكوادر من جهاز الدرك والأمن أغلقوا منطقة محاذية في الأغوار.
وفي الهتافات ترديد أهازيج فيها رسائل عميقة جدا تظهر حجم الغضب والاحتقان الأردني وبدا واضحا أن تلك الأهازيج من بينها استذكار ما حصل في معركة الكرامة والحديث تحديدا عن قائد تلك المعركة الفريق الراحل مشهور الجازي ثم استذكار حادثة محددة خالف فيها الجازي الأوامر وخاض الحرب التي سجلت حرباً وحيدة بعد حرب تشرين الأول.
وفي السياق ذاته تبرز تلك الوقفة التي نظمت بعد صلاة ظهر الجمعة والتي سميت بطوفان عمان تضامنا مع طوفان الأقصى حصرا.
الجديد تماما في تلك الوقفة أنها شهدت تواجد نحو نصف مليون أردني على الأقل في ساحة لا تتجاوز كيلو متر ونصف من المساحة وفي منطقة حساسة في عمق ووسط العاصمة الأردنية عمان.
الأخطر في هذا الرقم أنه يعني نجاحاً تاماً لشعار الحركة الإسلامية بمليونية العاصمة لعمان.
والخوف من أن هذا النجاح بتواجد نصف مليون قد يقود الجمعة المقبلة إذا ما استمر ضرب المدنيين والأطفال والنساء في قطاع غزة بهذه الوحشية إلى زحف جماهيري حقيقي قد يطال أكثر من مليون أردني إلى منطقة الأغوار وفقا للبرنامج الذي أعلنه حزب جبهة العمل الإسلامي.
تمتد منطقة الأغوار وشماليّ البحر الميت على مساحة 1.6 مليون دونم، بمحاذاة الحدود الأردنية وتشكّل ما يقارب 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وغالبية سكانها من الفلسطينيين.
أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شهر أيلول 2019 عن عزمه ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت لـ"إسرائيل" في حال فوزه في الانتخابات البرلمانية.
وللإضاءة على الذكرى التي هتف بها الشارع الأردني ولمن لا يعرف جرت "معركة الكرامة" بقيادة مشهور الجازي يوم 21 آذار 1968 على الأراضي الأردنية بين جيش الاحتلال الإسرائيلي من جهة والجيش الأردني والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى، وانتصر فيها الطرف العربي، وجرت بعد أقل من عام على وقوع "النكسة" واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وجنوب لبنان وهضبة الجولان السورية، واستمرت نحو 15 ساعة.
وتختلف وتتفق سرديات المعركة من حيث أسبابها ومجرياتها ونتائجها، تبعا لسياسات وأهداف أطرافها، لكن يعد تزايد قوة الفصائل الفلسطينية، وتحول الأردن إلى نقطة انطلاق لتنفيذ عملياتها، سببا رئيسيا في تأجيج غضب العدو وجعله يفكر أبعد من القضاء على تلك الفصائل إلى احتلال أراض أردنية.
وأراد الاحتلال تلقين المقاومة الفلسطينية، والدولة الحاضنة لها، درسا لا يقل عن درس 5 حزيران 1967، لكن الجيش الأردني التحم مع الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ليقلب المعادلة.
وأخذت المعركة اسمها من بلدة "الكرامة" الأردنية الموجودة قرب الحدود الفلسطينية شرقي نهر الأردن، قريبا من جسر الملك حسين، وهو نقطة عبور فوق النهر الفاصل بين الأردن وفلسطين.
وبدأت إرهاصات المعركة بتزايد العمليات الفلسطينية، مع رسائل دولية بعثتها " إسرائيل" عبر وسطاء إلى الأردن كي يضع حدا لتحركات الفدائيين على أراضيه.
وفي 20 آذار 1968 صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي "ليفي أشكول" أمام الكنيست بالتحضيرات للهجوم ومبرراته، وجاء ذلك في وقت استدعى الأردن سفراء بريطانيا وفرنسا وروسيا، ووضعهم في صورة التصعيد الإسرائيلي، وأخبرهم أن القوات الأردنية في حالة تأهب.
وفق الرواية الأردنية لجأت "إسرائيل" إلى طلب وقف إطلاق النار الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم المعركة، في حين أصر ملك الأردن الحسين بن طلال على عدم وقف إطلاق النار طالما بقي جندي إسرائيلي واحد شرقي نهر الأردن.
وبدأ انسحاب القوات الإسرائيلية قرابة الساعة الثانية ظهرا، وتقول وثائق بريطانية إن رئيس أركان الجيش الأردني عامر خماش حاصر القوات الإسرائيلية حتى السادسة والنصف مساء ولم يهاجمها خشية تصعيد الموقف.
في ذكريات نشرها موقع "أوريان 21" الفرنسي عام 2017، قال الدبلوماسي الإسرائيلي السابق آلون ليال (وهو أحد جنود تلك الحرب) إن المعركة صُورت للجنود على أنها "نزهة" وأن الجيش الأردني لن يقاتل إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية.
ويكشف ليال أن هدف المعركة "كان مقاتلة منظمة التحرير فقط، وأن مهمة القبض على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كانت على عاتق المظليين".
ويتابع "تم إيقاظنا نحو الساعة الرابعة صباحا ونقلنا في الحافلات إلى جسر الملك حسين أو ما يطلق عليه جسر اللنبي (نقطة عبور على نهر الأردن) وكانت حاملات الدبابات تتبعنا، تركنا الحافلات بالقرب من الجسر لنركب الدبابات وهكذا عبرنا الجسر".
وأضاف "كان واضحا أن مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية يتحكمون في أغلب المباني على الطريق الرئيسية.. وما حدث كان مخالفا تماما لما كان منتظرا".
وتابع "حسب معلوماتنا الأولية كان من المفروض ألا تشارك الدبابات الأردنية في القتال لكن حصيلة المعركة تركتنا جميعا في حالة صدمة.. وتحولت هذه العملية التي قدمت لنا على أنها نزهة إلى فاجعة".