الوقت - كتب الدکتور سعد الله زارعي، الخبير في القضايا الدولية في مقال: إن عملية طوفان الأقصى الضخمة وغير المسبوقة، بالمعنى الحقيقي والكامل للكلمة دمرت عدة قواعد للكيان الصهيوني، ومن الآن فصاعداً سيواجه عدة مشاكل مدمرة، وفي الوقت نفسه، يثير هذا الموضوع أيضًا أسئلة تحتاج إلى إجابات:
1- بالنظر إلى حجم الأضرار والإصابات الهائلة التي ألحقها الکيان الإسرائيلي الهمجي بمنطقة غزة الصغيرة والمغلقة، ولا أفق لإنهائها في الوقت الراهن، إلى أي مدى يتوافق تحرك الجانب الفلسطيني في عملية طوفان الأقصى مع منطق ومصالح الشعب الفلسطيني الأعزل، وخاصةً سكان غزة، أليس ضرره أكثر من نفعه؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب طرح سؤال جوهري آخر والإجابة عنه؛ هل تعرض الفلسطينيون وسكان غزة لمثل هذه الاعتداءات قبل عملية طوفان الأقصى أم لا؟
إذا كانت الإجابة على هذا السؤال بالنفي، فالسؤال الأول معقول. هنا، يتعرض الناس الذين كانوا يعيشون في سلام، للقصف العنيف الآن من قبل الکيان الإسرائيلي.
ولكن إذا كانت مراجعة التطورات التي حدثت خلال الـ 75 عامًا الماضية، وخاصةً تطورات العقد أو العقدين الأخيرين، تقول إنه حتى من دون العمليات الهجومية التي قام بها الفلسطينيون، فإن شعب هذه الأرض قد تعرض للهجمات نفسها، حيث استشهد الآلاف من الناس ودمرت منازلهم، إذاً الجواب عن السؤال الأول هو أنه سواء بهذا النوع من العمليات أو من دون هذه العمليات، فإن الکيان الصهيوني يواصل قتل الناس وتدمير المنازل على نطاق واسع.
ولذلك، فإن عملية طوفان الأقصى في حد ذاتها ليست مصدر قتل الفلسطينيين وتدمير منازلهم، على سبيل المثال، خلال حرب الـ 11 يومًا عام 2014، قصف الکيان الصهيوني قطاع غزة لمدة أسبوعين بجريمة دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم ضد العدوان الإسرائيلي، ودمر أكثر من 9000 منزل لسكان غزة، إضافة إلى 130 مدرسة و24 مبنى طبيًا وثلاثة مرافق تابعة للأمم المتحدة لرعاية الأطفال والمعوقين، واستشهد أكثر من 2000 من أبناء غزة وجرح أضعاف هذا العدد، وبعد ذلك قام بتكثيف حصار هذه المنطقة الذي بدأ عام 2009، هذا ليس تحليلًا، بل أحداثاً وقعت علی أرض الواقع.
في العام الماضي، زاد الکيان الصهيوني في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة من أعماله الوحشية ضد الفلسطينيين. على سبيل المثال، نفذ الکيان الصهيوني 27 عملية عسكرية ثقيلة نسبيًا ضد غزة والضفة الغربية في شهر واحد، بينما يقوم بعمليات يومية ضد المسلمين في القدس والمسجد الأقصى، وكانت الحصيلة أكثر من 80 جريحاً وأربعة شهداء وأربعة أسرى.
ولم يقم الفلسطينيون بأي عمل عسكري ضد الصهاينة في الأشهر الأخيرة، وفي هذه الفترة القصيرة، هاجم الکيان مخيمي اللاجئين الفلسطينيين في جنين ونابلس مرتين وأحدث دماراً كبيراً، هؤلاء هم اللاجئون الذين تعرضوا للهجوم في مدينتين فلسطينيتين عام 1967.
وهذا يعني أن الکيان لن يترك الفلسطينيين المهجرين في أرضهم. نعم، لقد تابع الکيان الهجوم الغاشم على غزة بعد عملية الأقصى الضخمة، لكن على الأقل أثبت الجانب الفلسطيني بهذه العملية أنه ليس مکتوف الأيدي ضد العدوان، ولا يمكن للکيان أن يعتبر سياسة التدمير والقتل عاملاً يمنع الجانب الفلسطيني من الحصول على "حقوقه الأساسية".
والآن، وبسبب العمليات الشجاعة والحاسمة التي يقوم بها الفلسطينيون، يعتقد مؤيدو هذا الکيان داخل الأراضي المحتلة وخارجها، أن سياسة القمع قد تكون لها نتيجة عكسية.
2- والسؤال الآخر هو أن الکيان الصهيوني، من خلال اتباع سياسة إخلاء غزة من السكان والتدمير الكامل لحركة حماس وغيرها من الحركات الجهادية الفلسطينية، سيقيم إلى الأبد التوازن الداخلي لمصلحته، ألم يکن من الأفضل أن يقتصر رد فعل حماس على إطلاق الصواريخ والقذائف، وتجنب قتل اليهود وأسرهم؟
الإجابة عن هذا السؤال أيضًا تعتمد على طرح سؤال آخر والإجابة عليه؛ والسؤال هو هل كانت التصرفات السابقة للفصائل الفلسطينية، أي الهجمات الصاروخية المحدودة، بمثابة ردع؟
الردع هو إجراء لوقف تصرفات الطرف الآخر، والدليل على ما قلناه أن الکيان الصهيوني لم يتوقف عن أعماله العدوانية ضد الفلسطينيين في أرضهم فحسب، بل زاد من هذه الأعمال بين عملية سيف القدس وطوفان الأقصى.
وهنا، كان من الطبيعي أن يتخذ الجانب الفلسطيني خطوةً إلى الأمام ليتمكن من الدفاع عن أرواحه وممتلكاته، على افتراض أننا نعتبر حاجة الفلسطينيين للتوصل إلى السلام هي أهم احتياجاتهم، فلنركز الآن على القضية الأكثر جوهريةً وهي الحاجة إلى تحرير أرضهم المحتلة.
كان على الجانب الفلسطيني أن يُظهر القدرة على الدفاع عن النفس، حتى يعتبر ادعاءه بالقدرة صحيحاً، وفي هذه العملية أثبت الفلسطينيون لعدوهم أن الحصار والقمع المستمر على غزة لم يضعفهم، بل زاد من معنوياتهم وإصرارهم على مواجهة العدوان.
ولذلك، فإن عملية طوفان الأقصى هي خطوة أساسية أولية في التوازن العسكري والأمني بين الجانبين، وبالطبع هذه الخطوة ضرورية وليست كافيةً لتحرير فلسطين نهائياً وكاملاً من الاحتلال.
وفي الوقت نفسه، لا يستطيع الکيان الصهيوني القضاء على حركات المقاومة الفلسطينية أو الحد من قوتها، حيث يوجد في غزة أكثر من 2.5 مليون شخص يؤيدون المقاومة، فلا يمكن تدمير هؤلاء السكان أو طردهم من هذه الأرض، وسياسة ترحيل هؤلاء السكان ستفشل بالتأكيد، ولن يكون للإنذارات الأخيرة التي وجّهها الکيان الإسرائيلي أي تأثير على الناس.
إن الحركات الجهادية ليست جيشاً يتمركز في ثكنة أو قاعدة ليتم القضاء عليها بغارات جوية، نعم، يستطيع الکيان قتل بضعة آلاف أخرى من الأشخاص في غزة وتدمير بضعة آلاف أخرى من المنازل، لكن هؤلاء يعتبرون حركات المقاومة درعاً دفاعياً لهم في مواجهة العدو، ويدعمونها بإرسال أبنائهم إلى صفوف القوات والكتائب، ولا يمكن إضعاف مثل هذه الحركات بالقصف.
خلال الحرب التي استمرت 33 يومًا في عام 2006، ادعى الکيان الصهيوني أن حزب الله اللبناني كان لديه 2000 جندي مقاتل، واعتقد أنه قادر على تدميره بالكامل، وبعد ست سنوات، في عام 2013، عندما هبّ حزب الله للدفاع عن سوريا، أعلن الکيان نفسه أن عدد قوات حزب الله القتالية يبلغ 12 ألف جندي.
وحسب الکيان الصهيوني - لا يؤكد هذا الكاتب أياً من هذين الرقمين - فقد زادت قوات حزب الله القتالية ستة أضعاف بين الحربين، والوضع بالنسبة لحماس والجهاد وكتائب القسام وغيرها هو نفسه.
3- السؤال الثالث: لماذا لم تأت حركات المقاومة في المنطقة لمساندة الفلسطينيين في مسرح العمليات حتى الآن؟ الحقيقة أن حركات المقاومة الإقليمية من إيران إلى لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن و...، في تنسيق كامل مع حركة حماس.
حالياً، غرفة التحقيق المشتركة نشطة بينهما، ولكل منهما دور في دعم حماس يتغير حسب مسرح الأحداث، والآن، على الرغم من حقيقة أن حماس تقوم بالعمليات، إلا أنها وصلت إلى هدفها العملياتي، وهو توجيه ضربة قوية لجيش الکيان ونظامه الأمني ونظامه السياسي، وحسب التفسير الدقيق للمرشد الإيراني الأعلى، فإن هذه الضربة "لا يمكن تعويضها".
وبطبيعة الحال، فإن سياسة حماس لا تقضي بوقف العمليات، ولهذا السبب قامت خلال الأيام الثمانية الماضية بقصف منشآت الکيان، بما في ذلك الثكنات والمطارات والعاصمة، کما أن أيدي فصائل المقاومة الإقليمية على الزناد، وستتحرك إذا نفّذ الکيان الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة، ولم يوقف آلة الدمار في غزة.
علاوةً على ذلك، أبدى حزب الله اللبناني استعداده الكامل لدخول الحرب مع الکيان الإسرائيلي، كما يظهر العرض العسكري لحركة المقاومة اليمنية في الأيام الأخيرة هذه الجاهزية.
کذلك، أعلنت قوى المقاومة في العراق، بما فيها فيلق بدر، رسمياً استعدادها للتدخل العسكري، ويخضع وصول هذه القوات الجهادية إلى المنطقة، والذي قد يكون وشيكاً، إلى استنتاج غرفة العمليات المشتركة.
في هذه الأثناء، يتظاهر الکيان الإسرائيلي المتداعي بأنه مستعد لدخول جبهة المقاومة الحرب، والكل يعلم أنه بينما 50% من الجيش الإسرائيلي منخرط في الضفة الغربية، فكيف يستطيع أن يعتني بغزة والحدود الشمالية والشمالية الشرقية لفلسطين مع الـ50% الأخرى، وإذا قررت المقاومة الدخول في العملية من جنوب لبنان ومن جهة الجولان، فإن الجيش الإسرائيلي سيتفكك خلال فترة قصيرة.