الوقت- تحاول الدول الأوروبية، التي تضررت عسكرياً بسبب مشاركتها الواسعة في الحرب الأوكرانية، التعويض عن افتقارها إلى الأسلحة من خلال جهات فاعلة أخرى، وفي هذا الصدد، يتوجه اليوم يوآف غالانت، وزير الحرب في الكيان الصهيوني، إلى برلين عاصمة ألمانيا لتوقيع أكبر عقد عسكري في تاريخ هذا الكيان، وستتضمن زيارة غالانت إلى برلين التوقيع الرسمي على عقد بيع نظام "بيكان 3" المضاد للصواريخ لألمانيا بقيمة 3.5 مليارات دولار.
ووفقا لتقارير وسائل الإعلام العبرية، ستتم أيضا مناقشة التهديدات الأمنية والتحديات الإقليمية في الشرق الأوسط وأوروبا خلال هذه الرحلة.
وقال بواز ليفي، الرئيس التنفيذي لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، في هذا الصدد: "إن هذا النظام الدفاعي المضاد للصواريخ هو نظام متنقل ويمكن تحريكه وفقاً للتهديدات".
كما قال موشيه باتيل، رئيس منظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، إن هذه هي الخطوة الأولى المهمة التي ستتبعها خطوات أخرى إذا تم تشغيل هذا النظام بكامل طاقته في ألمانيا بحلول عام 2030.
وباعتبار أن مشروع نظام "بيكان" المضاد للصواريخ تم تطويره بشكل مشترك بين الكيان الصهيوني ووكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية، لذلك وافقت وزارة الخارجية الأمريكية في أغسطس الماضي على بيع نظام بيكان-3 المضاد للصواريخ لألمانيا، وقالت ألمانيا إنها تتوقع أن تتلقى شحنة من نظام الدفاع الجوي هذا بحلول الربع الأخير من عام 2025.
ونظام بيكان هو نوع من أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ الباليستية ويتمتع بقدرة أعلى على اعتراض الصواريخ الباليستية من نظام باتريوت MIM-104 الأمريكي المماثل.
ويتم شراء نظام "بيكان 3" بهدف توفير حماية أفضل لألمانيا وجيرانها ضد أي هجوم صاروخي محتمل خلال عامين، ويمكن لهذه الصواريخ الموجهة أن تدمر صواريخ العدو بعيدة المدى بضربة مباشرة خارج الغلاف الجوي، وهو ارتفاع يسمح بالتخلص الآمن من "الرؤوس الحربية غير التقليدية".
وحسب بعض الخبراء، فإن هذا النظام هو جزء من مشروع "درع السماء الأوروبي" الذي لقي طلبا كبيرا في أوروبا بعد حرب أوكرانيا، ووقعت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت ونظراؤها من 14 دولة أوروبية مذكرة تفاهم على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل في أكتوبر 2022 لإنشاء نظام دفاع جوي مشترك لمواجهة التهديدات الروسية.
ويثير نظام الدفاع الجوي المشترك هذا قلق واشنطن لأنها تعتبره موازيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما يضعف في نهاية المطاف دور ومكانة الولايات المتحدة لتكون لاعبا فعالا على الأراضي الأوروبية.
"أوكرانيا" قد تكون الوجهة النهائية لنظام بيكان 3
وبما أن أي صفقات أسلحة غربية مرتبطة أيضًا بالحرب في أوكرانيا، فمن غير المستبعد أن ينتهي الأمر بنظام بيكان3 في نهاية المطاف على جبهات القتال في أوكرانيا، لأن توقيع صفقة الأسلحة هذه يتم بعد أسبوع من لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة وقوله إن هناك توقعات كبيرة منه ومن حكومته لمساعدة أوكرانيا في الحرب مع روسيا، فيما وعد نتنياهو بإرسال مساعدات عسكرية غير فتاكة إلى كييف.
وبدأت المفاوضات بشأن شراء هذا النظام الصاروخي العام الماضي ردا على بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، ومن الممكن أن يساعد إبرامها كييف في الوضع الحالي عندما تواجه أوكرانيا أزمة أسلحة.
منذ بداية الحرب في أوكرانيا، دأب زيلينسكي على مطالبة السلطات الصهيونية بتزويدهم بالقبة الحديدية وأنظمة الرادار حتى يتمكنوا من مواجهة الروس، إلا أن تل أبيب لم توافق حتى الآن على هذا الطلب، لأن سلطات تل أبيب تشعر بقلق بالغ من غضب الروس من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وفي العام الماضي، وبعد أن أصبح معروفًا أن عددًا من الصهاينة يقاتلون ضد الروس إلى جانب الجيش الأوكراني، اشتد التوتر بين روسيا والكيان الصهيوني وتوترت العلاقات بين الجانبين.
وعلى إثر ذلك أغلقت روسيا مكتب "الوكالة اليهودية" في موسكو في محاولة لتظهر لتل أبيب أن عليها أن تدفع ثمناً باهظاً لمساعدة كييف.
كانت السلطات الصهيونية تشعر بالقلق من حقيقة أنه في غياب الوكالة اليهودية، سيكون طريق هجرة اليهود الروس إلى الأراضي المحتلة صعبًا، وبالتالي، من أجل تجنب المزيد من التوترات مع موسكو، ردوا طلب زيلينسكي، لأن قادة الجيش الصهيوني رأوا أن إرسال منظومة القبة الحديدية إلى كييف يعني احتكاكاً مباشراً مع روسيا، وحذر مسؤولو الكرملين الصهاينة العام الماضي من أنه إذا قدمت "إسرائيل" أسلحة إلى أوكرانيا، فسيعتبر ذلك عملاً غير ودي من قبل الحكومة الروسية وسيؤدي إلى تدمير العلاقات الثنائية تمامًا.
ورغم أن المسؤولين السابقين في تل أبيب رفضوا تقديم أي مساعدات مباشرة أو غير مباشرة لأوكرانيا، إلا أنه منذ تولي حكومة نتنياهو المتشددة السلطة، قامت تل أبيب بمراجعة سياساتها تجاه أوكرانيا إلى حد ما، وتحاول تقديم المساعدات العسكرية لحليفتها بطرق مختلفة.
وبالنظر إلى أن الروس يراقبون بعناية أي مساعدات خارجية لأوكرانيا، لذلك، إذا تم تأكيد تلك الصفقة، فسيتم استخدام سلاح الكيان الصهيوني المضاد للصواريخ ضد الروس، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التوتر بين موسكو وتل أبيب، وربما تستخدم روسيا خياراتها لمعاقبة "إسرائيل"، وهو ما يخاف منه نتنياهو بشدة.
ومن هذه الإجراءات تعزيز الجيش السوري الذي يشكل تهديدا خطيرا لأمن الكيان الصهيوني.
إن تعزيز الجيش السوري يعني أن "إسرائيل" لا تستطيع تنفيذ هجمات بسهولة على أراضي البلاد، بل إن هناك احتمالاً أن تقوم سوريا باستهداف الأراضي المحتلة ردا على الغارات الإسرائيلية.
ومن الأمور الأخرى التي تخشاها تل أبيب، توسيع التعاون العسكري بين روسيا وإيران، الأمر الذي سيفتح فصلا جديدا في العلاقات بين البلدين بعد الحرب في أوكرانيا.
وفي السنوات الماضية، سافر نتنياهو إلى موسكو مرات عديدة لإقناع السلطات الروسية بتقليص التعاون مع إيران في المنطقة، لكن هذه الجهود لم تؤت ثمارها.
مشاركة تل أبيب بشكل غير مباشر في الحرب في أوكرانيا
ورغم أن السلطات الصهيونية والألمانية أعلنت أن الهدف من صفقة الأسلحة هذه هو حماية المناطق الشرقية من ألمانيا ومناطق أوروبية أخرى، إلا أن الأدلة تشير إلى أن أوكرانيا هي الوجهة النهائية لهذه الشحنة.
ومن هذه الأدلة أن لجنة شؤون الدفاع في البرلمان الألماني أعطت في منتصف شهر يونيو الضوء الأخضر لشراء هذا النظام المضاد للصواريخ، وقيل إن هذه الصفقة تم تأمينها من الصندوق الخاص الذي تم إنشاؤه لمصلحة إنشاء الجيش الألماني بعد بدء الحرب في أوكرانيا (بقيمة 100 مليار يورو).
لذلك، بما أن شراء نظام بيكان 3 سيتم دفعه من الصندوق التابع لأوكرانيا، فهذا يظهر بوضوح أن هدف برلين الرئيسي هو مساعدة كييف، وموافقة الحكومة الأمريكية على هذه الصفقة دليل على هذا الادعاء.
وفي كانون الثاني الماضي، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن وزارة الدفاع الأمريكية تقوم بإزالة المخزون الضخم من الذخيرة الأمريكية الموجود في "إسرائيل"؛ الذخيرة التي يستخدمها البنتاغون في الصراعات في الشرق الأوسط، حيث يقرر الآن استخدام هذه الذخيرة والأسلحة لإرسالها إلى أوكرانيا، ولتبرير هذا الإجراء، ادعى الصهاينة في ذلك الوقت أن هذه الأسلحة قديمة وأنها تابعة للجيش الأمريكي، لكن في الواقع، وبسبب تقليص ترسانات الأسلحة الغربية، طلبت واشنطن من الحلفاء غير الغربيين مساعدة أوكرانيا في هذه الحرب، وأرسلت بعض الدول مثل كوريا الجنوبية وأستراليا المساعدة في هذا الصدد.
وسلطت حرب أوكرانيا الضوء على عدم وجود أنظمة دفاع جوي أرضية، مثل وحدات باتريوت رايثيون أو أنظمة Iris-T المتقدمة، وبالتالي يمكن لنظام الصواريخ بيكان 3 أن يساعد الغرب في هذا الصدد.
ولذلك فإن النظام المضاد للصواريخ التابع للكيان الصهيوني قد يصل إلى أيدي الأوكرانيين عبر ألمانيا، وبذلك يساعدون حليفهم ويتجنبون غضب الروس إلى حد كبير.
وبما أنه لا يوجد احتمال واضح لإنهاء الصراع في أوكرانيا، ووفقاً لمسؤولين غربيين، فيتعين على أعضاء حلف شمال الأطلسي أن يكونوا مستعدين لمواجهة طويلة مع روسيا، ولذلك، فهم بحاجة إلى أسلحة الكيان الصهيوني والحلفاء الآخرين حتى يتمكنوا من مواصلة هذه الأزمة التي صنعوها بأنفسهم.