الوقت- جائزة الأوسكار، أو جائزة الأكاديمية، هي جائزة سينمائية مرموقة تمنحها أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية في بيفرلي هيلز، كاليفورنيا، الولايات المتحدة سنوياً، لتكريم الإنجازات البارزة في صناعة السينما.
تم تقديم هذه الجوائز لأول مرة في عام 1929، حيث حصل الفائزون على تمثال صغير مطلي بالذهب يعرف عادة بالأوسكار.
وتتمثل العملية في تكريم الأفلام التي صدرت في العام السابق، حيث يتم توزيع الجوائز لأفلام عام 2013، مثلاً، في عام 2014. يشارك في عملية التصويت أكثر من 5000 عضو من أعضاء أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، ويتم التصويت على الفائزين في اقتراع سري.
إضافة إلى الجوائز الرئيسية، تمنح أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية أيضًا جوائز علمية وتقنية، وجوائز الإنجاز الخاصة، وجوائز فخرية، وجائزة جان هيرشولت الإنسانية، وجائزة إيرفينغ جي تالبرج التذكارية، وجائزة غوردون إي سوير للمساهمات التكنولوجية بشكل غير سنوي.
وتمثال الأوسكار، الذي يعتبر رمزًا للجائزة، تم تصميمه في عام 1927، يتمثل في تمثال صغير لفارس يقف على بكرة من فيلم ويحمل سيفًا، وقد تم تقديم أكثر من 3000 تمثال صغير منذ أول حفل توزيع جوائز في 16 مايو 1929.
يبلغ طول التمثال حوالي 34.3 سنتيمتراً ويزن 3.8 كيلوغرامات. تحمل بكرة الفيلم خمس درجات ترمز إلى الفروع الخمسة الأصلية للأكاديمية: الجهات الفاعلة، والمديرون، والمنتجون، والفنيون، والكتاب.
وأقيم العرض التقديمي الأول لجوائز الأوسكار في 15 مايو عام 1929، في حفل عشاء خاص في فندق هوليوود روزفلت بحضور حوالي 270 شخصًا، وأقيم حفل ما بعد الجوائز في فندق مايفير.
كانت تكلفة تذاكر الضيوف لحفل تلك الليلة 5 دولارات (ما يعادل 74 دولارًا في دولارات 2020)، ومُنح خمسة عشر تمثالًا صغيرًا لتكريم الفنانين والمخرجين والمشاركين الآخرين في مجال صناعة الأفلام آنذاك، لأعمالهم خلال الفترة 1927-1928.
استمر الحفل لمدة 15 دقيقة، وكان يُعلن عن الفائزين لوسائل الإعلام قبل ثلاثة أشهر، تغير ذلك في الحفل الثاني في عام 1930، ومنذ ذلك الحين، وبقية العقد الأول، نُشرت النتائج للصحف في الساعة 11:00 مساء ليلة حفل توزيع الجوائز.
استخدمت هذه الطريقة حتى عام 1940، عندما أعلنت صحيفة لوس أنجلوس تايمز عن الفائزين قبل بدء الحفل، ونتيجة لذلك، استخدمت الأكاديمية منذ عام 1941 مظروفًا مختومًا للكشف عن أسماء الفائزين.
الأوسكار والألاعيب السياسية
لكن بعيداً عن الفخامة والسجادة الحمراء وعناصر الإبهار الأخرى التي تصاحب حفلات الأوسكار كل عام، والتي أصبحت العنوان الأبرز لهوليوود والثقافة الأمريكية بشكل عام، يبدو أن حفل توزيع جوائز الأوسكار كان مرصوفاً "بالدماء والعرق والقلوب المكسورة"، حسب تعبير أحد صناع السينما الأمريكية.
"حروب الأوسكار" هو عنوان كتاب للممثل والمؤلف السينمائي الأمريكي مايكل شولمان، نشر في شباط الماضي، وتصدّر قائمة أفضل المبيعات لقائمة نيويورك تايمز خلال أسبوعين فقط من طرحه في المكتبات.
وعلى الرغم من أن هدف الكتاب هو الإجابة على السؤال المتكرر: هل فقد حفل الأوسكار أهميته بمرور الوقت؟ إلا أن شولمان يرى أن جوائز الأكاديمية والهالة المحيطة بها أمر جوهري لصناعة السينما ليس فقط في هوليوود ولكن حول العالم، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ويرصد الكتاب كيف كانت السياسة وألاعيبها دائماً حاضرة وبقوة، بل وتلعب دور البطولة في أحيان كثيرة عند اختيار الفائزين بجوائز الأوسكار، ففي البداية، أي خلال ثلاثينيات القرن الماضي، كان للنقابات المهنية والصراعات بين أجنحتها المختلفة من جهة وواشنطن والسياسيين من جهة أخرى دور رئيسي في تحديد الفائزين بالأوسكار.
وحسب شولمان في حواره مع الغارديان: "كان كثير من الشق السياسي المحيط بالأكاديمية في العقد الأول من جوائز الأوسكار يتعلق بالعمل والاتحادات المهنية والعلاقات العامة المرتبطة بالصناعة (صناعة الأفلام) في وقت غلبت عليه الفضائح والرقابة" ويضيف الكاتب الأمريكي: "إنه لأمر مذهل أن نفهم كيف نشأت جوائز الأوسكار في تلك الفوضى العارمة بل استمرت أيضاً حتى يومنا هذا".
لكن حقيقة الأمر هي أن حفل الأوسكار لم يحافظ فقط على الاستمرارية على مدى 95 عاماً دون انقطاع واحد مهما حدث، إلا أنه تحول لواحد من أهم الأحداث السينمائية على مستوى العالم، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، فهل ابتعدت السياسة وألاعيبها عن الحدث الفني؟.
المتابع لحفلات الأوسكار على مدى تاريخها وحتى اليوم، سيجد دون عناءٍ أن الإجابة على هذا السؤال هي النفي القاطع، حيث لا يكاد يمر عام دون جدل يكاد لا ينقطع، من قبيل: كيف فاز هذا الفيلم بجائزة الأوسكار على حساب ذاك الفيلم؟ أو كيف يمنح هذا النجم جائزة أفضل ممثل بينما النجم فلان قدم أداء أفضل منه بكثير في فيلم آخر؟ ويقول شولمان في كتابه "حروب الأوسكار": "لا تنخدع بالأبهة: جوائز الأوسكار، أكثر من أي شيء آخر، هي ساحة معركة، حيث يتكشف تاريخ هوليوود -وأمريكا نفسها- في الأعمال الدرامية الكبيرة والصغيرة".
فالسياسة دائماً ما تلعب دوراً في اختيار الفائزين بجوائز الأوسكار، التي كانت دائماً عرضة للضغط والحملات المكثفة من قبل الاستوديوهات وصانعي الأفلام والمعلنين، الذين يحاولون التأثير على آراء أعضاء الأكاديمية من أجل تأمين الترشيحات والفوز بأفلامهم، حسب شولمان.
وفي هذا السياق، كان حفل جوائز الأوسكار قبل 20 عاماً، أي عام 2003، قد شهد واحدة من لحظاته السياسية الأكثر شهرة، لكونها جاءت على المسرح وأمام المشاهدين مباشرة، وليست في الكواليس أو خلف الأبواب المغلقة، وحدث ذلك عندما صعد المخرج الأمريكي، مايكل مور، إلى المسرح لتسلم جائزة الأوسكار التي فاز بها.
فاجأ مور العالم بحديثه الموجه إلى الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، بالقول: "عار عليك يا سيد بوش! عار عليك!". كانت تلك العبارة، التي تحولت لاحقاً إلى أغنية وأصبحت من أكثر الجمل المرتبطة بالأوسكار شهرة، كناية عن انتقاد المخرج لقرار غزو العراق في ذلك العام والشهر نفسه.
وفي السياق السياسي ذاته، كان كثير من الجدل قد ثار حول فوز فيلم "خزانة الألم The Hurt Locker" بجائزة الأوسكار لأحسن فيلم، على حساب فيلم "أفاتار Avatar"، وكان ذلك عام 2010، حيث كان الفيلمان مرشحين لحصد العدد الأكبر من جوائز الأوسكار، ورصد شولمان هذه الواقعة في كتابه، حيث شرح كيف أن الفيلمين يمثلان رؤى مختلفة تماماً للدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، ففيلم "أفاتار" كان يُنظر إليه على أنه يوجه انتقاداً للإمبريالية الأمريكية ودورها في نشر الخراب والتدمير أينما حلت، وعلى النقيض، كان فيلم "خزانة الألم" عبارة عن تمجيد واحتفاء بالبطولة والتضحية الأمريكيتين.
الخلاصة هنا هي أن السياسة والمال يلعبان دوراً رئيسياً في تحديد الفائزين بجوائز الأوسكار في كثير من الأحيان، وبالتالي فإن المعايير الفنية والتقنية التي يفترض بها أن تكون عامل الحسم الوحيد عند الاختيار قد لا يكون لها تلك الأهمية، فهل فاز فيلم "نافالني" الكندي بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي هذا العام بقرار غلبت عليه الاعتبارات السياسية؟ فالفيلم "نافالني" يحكي قصة محاولة تسميم المعارض الروسي الذي يحمل الاسم نفسه، والذي يقبع الآن خلف القضبان في روسيا، وكانت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة قد بدأت في التدهور بشدة قبل تنصيب الرئيس الحالي جو بايدن رسمياً في كانون الثاني 2021، على خلفية قضية نافالني، ووصلت الأمور لدرجة خطيرة من التصعيد بعد وصف بايدن لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ"القاتل".