الوقت - في العامين الماضيين، وخاصةً في الأشهر القليلة الماضية، شهدت الأراضي المحتلة تطورات وقضايا كبيرة.
إن مسألة جذب المهاجرين كانت ولا تزال قضيةً حيويةً ومهمةً للغاية بالنسبة للصهاينة، وهذا الأمر مرتبط باستمرار وجود الکيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وإذا كانت هذه القضية تواجه مشكلةً، فإن وجود الکيان الصهيوني يصبح في مشكلة، وهي قضية أصبحت في الآونة الأخيرة تثير قلق الصهاينة.
يحاول الصهاينة تغيير التركيبة السكانية في الأراضي المحتلة، حيث لا تبقی هناك قضية تسمى حق الفلسطينيين وقضية تسمى الدولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وهذا يتطلب دخول المزيد من المهاجرين إلى الأراضي المحتلة، والمزيد من تقليص عدد العرب الفلسطينيين.
إن عملية الهجرة إلى فلسطين المحتلة تحت عنوان اليهود أو مواطني الکيان الصهيوني، هي حجر الزاوية في الفكر الصهيوني، والعامل الأساسي لاستمرار وجود الکيان الصهيوني هو بقاء السكان اليهود فيه.
ويقول رئيس الوكالة اليهودية اللواء دورون ألموغ عن أهمية جذب مهاجرين جدد للكيان الصهيوني: "المهاجرون الجدد يعززون قدرة إسرائيل، ويشكلون ركيزةً مهمةً جداً في بنائها وقوتها".
ووفقاً لبيانات وزارة الهجرة في الكيان الصهيوني، فقد انخفضت في عام 2022 إحصائيات الهجرة من معظم الدول الغربية بنسبة 30% مقارنةً بعام 2021.
وفي تقريره عن انخفاض عدد المهاجرين، كتب موقع واي نت: "انخفض عدد المهاجرين من فرنسا بنسبة 60%، وفي النصف الأول من العام، هاجر 700 مهاجر فقط من فرنسا إلى إسرائيل".
وحسب الموقع، فإن الانخفاض الحاد في عدد المهاجرين من فرنسا والدول الغربية، دفع وزارة الهجرة إلى اتخاذ إجراءات لتشجيع أولئك الذين كانوا مهتمين في السابق بالقدوم إلى "إسرائيل".
وهذه القضية حيوية بالنسبة للصهاينة، لدرجة أنه حسب موقع واي نت فإن وزارة الهجرة ترسل هذه الأيام مبعوثين من الوكالة اليهودية إلى منازل الراغبين في الهجرة إلى الکيان الإسرائيلي، لمحاولة إقناعهم بالبدء في عملية الهجرة إلى الأراضي المحتلة.
لكن ما سبب هذا الانخفاض وإحجام المهاجرين عن العيش في الأراضي المحتلة؟
الإصلاحات القضائية والأزمة السياسية
منذ قيام حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة في الأراضي المحتلة، لم يشهد الصهاينة يوماً هادئاً واحداً.
منذ اللحظة التي تولى فيها نتنياهو وحكومته السلطة في الأراضي المحتلة، بدأت الصراعات السياسية في الکيان الصهيوني، حيث إنه دخل الصهاينة الآن الأسبوع الثامن والثلاثين من الاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو وخطة الإصلاح القضائي، وهو ما يعني ما يقرب من عشرة أشهر من الاحتجاجات المستمرة والخلافات السياسية، ويحذّر منتقدو نتنياهو من أنه يسعى إلى خلق دكتاتورية يمكن أن تدمر وجود الکيان الصهيوني.
حيث حذّر يورام كوهين، رئيس الشاباك السابق، من مغبة إقرار قانون "إلغاء عقلانية الموافقات"، أحد أجزاء خطة الإصلاح القضائي، وقال: "إذا تم إقرار هذا القانون، أخشى أن تكون هناك صراعات عنيفة في إسرائيل".
وفي إشارة إلى الخلافات الداخلية في الأراضي المحتلة، اعترف هرتسوغ، رئيس الكيان الصهيوني، بأن "إسرائيل" في وضع سيء وتواجه تحديات كبيرة، وقال يائير لابيد، زعيم المعارضة لحكومة نتنياهو، إن حكومة نتنياهو هي الحكومة الأكثر تدميراً في تاريخ "إسرائيل".
وما هذه التصريحات إلا جزء بسيط من الأحداث التي جرت في الأشهر القليلة الماضية في فلسطين المحتلة، وقد تسببت هذه الأحداث في ظهور حالة من عدم التماسك والانغلاق في البنية الأمنية العسكرية للكيان الصهيوني، الأمر الذي أثار قلق السلطات العسكرية والأمنية للكيان الصهيوني.
وكان لخطة نتنياهو للإصلاح القضائي عواقب كثيرة على الکيان الصهيوني، لدرجة أن الحلفاء الغربيين لهذا الکيان، بما في ذلك الولايات المتحدة، أعربوا عن استيائهم وانتقدوا هذه الخطوة من قبل حكومة نتنياهو، ووصفوها بأنها عامل خطير على مستقبل الكيان الصهيوني.
واستمرت هذه القضية إلى حد أن البيت الأبيض انتقد علناً سياسات حكومة نتنياهو في هذا الصدد، كما أن العلاقة بين الحكومة الأمريكية والكيان الصهيوني لا تسير على ما يرام.
كل هذه العوامل المذكورة أعلاه تعكس حدوث أزمة سياسية عميقة في فلسطين المحتلة، والتصريحات والمخاوف المتلاحقة للمحللين والمسؤولين السياسيين والأمنيين الصهاينة بشأن مستقبل هذا الکيان، ستكون عاملاً مهماً في الحد من الهجرة إلى الأراضي المحتلة الآن وفي المستقبل القريب.
الأمن عامل حاسم في اختيار مكان الهجرة
في الشهر الماضي، كتب موقع أخبار 12 الصهيوني: تشير الأرقام إلى أنه منذ بداية عام 2023، قُتل 35 شخصًا في جميع أنحاء إسرائيل (الأراضي المحتلة) في عمليات عدائية (استشهادية) نفذها فلسطينيون، معظمهم في منطقة الضفة الغربية، وبذلك أصبح عام 2023 في شهر أغسطس العام الأصعب في البلاد منذ نهاية الانتفاضة الثانية عام 2005.
منذ تنصيب حكومة نتنياهو ووجود متطرفين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش في تشكيلة الحكومة، أمضى الصهاينة عامهم الأكثر قلقاً، وقد أدت الأعمال والمخططات المتطرفة التي يقوم بها هؤلاء الأشخاص ضد الفلسطينيين إلى تصعيد المقاومة الفلسطينية، وفي الأشهر القليلة الماضية فقط، نفذت القوات الفلسطينية أكثر من مئات العمليات الانتقامية والاستشهادية ضد الصهاينة المحتلين في فلسطين المحتلة.
ومن الطبيعي أن يعكس حدوث مثل هذه العمليات الاستشهادية ضد المحتلين في الأراضي المحتلة في وسائل الإعلام الأجنبية، حالة انعدام الأمن في الکيان الصهيوني، ولذلك، فإن المهاجرين الذين يتطلعون إلى اختيار وجهة جديدة للهجرة، ينظرون إلى فلسطين المحتلة كخيار غير مناسب وغير مرغوب فيه للحياة، لأن العنصر الأساسي لإمكانية العيش في منطقة ما، أي الأمن، يواجه مشكلةً خطيرةً في الأراضي المحتلة.
الاقتصاد المريض للكيان الصهيوني
من أهم القضايا التي تسببت في حدوث ذلك، هي المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الکيان الصهيوني، والتي أدت إلى تقليل الهجرة إلى الأراضي المحتلة.
يعاني الصهاينة هذه الأيام من تدهور الوضع الاقتصادي، ويعتقد المعارضون والمنتقدون لحكومة نتنياهو أنه يمكن أن يصبح أسوأ مما هو عليه الآن، وقبل بضعة أشهر، كتب وزير المالية السابق للكيان الصهيوني على صفحته الرسمية على تويتر: "إسرائيل على حافة أزمة اقتصادية لم تشهدها من قبل، وأكد أن مجلس الوزراء الإسرائيلي يحاول إخفاء هذه القضية عن الإسرائيليين".
وأضاف إن "نتنياهو وأعضاء حكومته يعرفون الحقيقة، ولا يرغب أي طرف قبول أكاذيبهم، ما يظهر أن "إسرائيل" على شفا أزمة اقتصادية غير مسبوقة"، وفي الواقع يمكن القول إن المهاجرين لا يرون مستقبلاً اقتصادياً مشرقاً في الأراضي المحتلة.
ويحذر العديد من محللي القضايا الاقتصادية الصهيونية من أن استمرار الأزمة والانقسامات والاضطرابات السياسية الناجمة عن إصرار حكومة بنيامين نتنياهو على إقرار الإصلاحات القضائية، سيقلص النمو الاقتصادي وحجم الاستثمارات الأجنبية.
وكان عدد من مستثمري ومحللي الکيان الصهيوني، حذروا من أنه في حال استمرار الاضطرابات الناجمة عن مشروع قانون الإصلاح القضائي، فإن اقتصاد هذا الکيان قد يشهد انخفاضاً في تصنيفه الائتماني وانخفاضاً في حجم الاستثمار الأجنبي فيه، فضلاً عن ضعف الأداء في قطاع التكنولوجيا.
وقال يعقوب فرانكل، الرئيس السابق للبنك المركزي للكيان الصهيوني، فيما يتعلق بتبعات تقدم حكومة نتنياهو بمشروع قانون الإصلاح القضائي على الاقتصاد الصهيوني: "يصطف المستثمرون الأمريكيون ليتساءلوا كيف يمكنهم إلغاء استثماراتهم في إسرائيل".
وحسب قوله، فإن "الوضع خطير للغاية، وما سيحدث بعد إقرار بقية قوانين الإصلاح القانوني، سيكون كارثةً كبيرةً ستدمر اقتصاد إسرائيل ومجتمعها ومكانتها".