الوقت- تقدمت تسع منظمات من المجتمع المدني، من بينها مركز عدالة وجمعية حقوق المواطن في "إسرائيل"، بالتماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية قبل أيام، يتعلق بالقانون الجديد الذي تم تعديله والذي يثير قلقاً كبيراً بين المدافعين عن حقوق الإنسان. ويُذكر أن هذا التعديل القانوني يُعتقد أنه صمم بهدف "تعزيز الاستيطان اليهودي"، ومن شأنه أن يتسبب في إلحاق أضرار بالمجتمعات السكانية الأخرى، بما في ذلك المواطنين الفلسطينيين المقيمين في أراضي الـ 48، وتأتي هذه الخطوة كجزء من الجهود المستمرة للمنظمات الحقوقية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين والمجتمعات العربية في الأراضي المحتلة، والتي تواجه تحديات متزايدة في ظل التغييرات القانونية والسياسية، ويهدف الالتماس إلى إلقاء الضوء على التداعيات المحتملة لهذا التعديل القانوني والتأكيد على أهمية الحفاظ على المساواة وحقوق الإنسان لجميع سكان الأراضي التي يحتلها الكيان والمستوطنون دون تمييز على أساس العرق أو الدين، ويعكس هذا التحرك دعوة للحفاظ على مبادئ العدالة والمساواة في الكيان وضمان تمثيل وحقوق المواطنين بغض النظر عن خلفيتهم الثقافية أو الدينية.
استبعاد المواطنين العرب في الكيان
تم إقرار القانون الأصلي في عام 2011 بهدف تنظيم ممارسة كانت محكمة عليا قد حظرتها في قضية "قعدان"، هذا القانون، المعروف باسم "لجان القبول"، يهدف إلى تنظيم عمل هذه اللجان ضمن القانون الرسمي، تعمل لجان القبول في نحو 475 بلدة قروية، التي تسكنها أقل من 400 عائلة، والتي تم بناؤها على أراضٍ تعود للدولة، وتتواجد بشكل أساسي في مناطق مثل النقب والجليل، ويمنح هذا القانون لجان القبول صلاحيات واسعة في قبول أو رفض المرشحين الراغبين في شراء قسائم سكنية في هذه البلدات، وتتألف اللجان عادة من خمسة أشخاص، بما في ذلك مندوب عن الوكالة اليهودية أو الكونغرس الصهيوني، هذه الهيئات تعتبر شبه حكومية وتعمل بشكل حصري لخدمة مصالح المستوطنين اليهود.
وهذا القانون وتعديلاته أثار جدلاً كبيراً وانقساماً في المجتمع الإسرائيلي، حيث اعتبره البعض تمييزاً عرقياً يؤثر سلباً على حقوق المواطنين العرب في كيان الاحتلال ويزيد من التوترات القومية، وفي المقابل، يرى آخرون موالون للاحتلال وغطرسته أن هذا القانون يعزز من توطيد وجود اليهود في المناطق الريفية ويعكس مبدأ الحفاظ على تواجدهم في أراضي الفلسطينيين، على الرغم من وجود بند في القانون الذي يؤكد على واجب احترام حق المساواة ومنع التمييز، إلا أن القانون يفتح الباب أمام اللجان لرفض المرشحين الذين يعتبرونهم "غير ملائمين للنسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع"، وهذا الأمر يخلق مشكلة بالغة الجدية، حيث يعطي القانون شرعية لاستبعاد مجموعات كاملة، من بينها المواطنين العرب.
وتم إدخال التعديل الجديد على القانون في تاريخ 25 يوليو 2023، وهو يوسّع صلاحيات اللجان على عدة أصعدة، ما يسمح لها بالوجود في بلدات ذات تعداد سكّاني أكبر يصل إلى 700 وحدة سكنية، ويتضمن التعديل أيضًا توسيع نطاق عمل لجان القبول جغرافيًا، حيث لن تقتصر على مناطق معينة مثل الجليل والنقب بعد الآن، بل ستشمل أيضًا البلدات المشمولة في خريطة الأفضلية القومية لوزارة البناء والإسكان التابعة لكيان الاحتلال، ويزيد التعديل أيضًا من التعسفية وعدم وضوح المعايير المستخدمة لاستبعاد المرشحين للسكن، حيث يكفي الآن للجنة تبرير رفضها للمرشحين بوصفهم "غير ملائمين للمناخ السكاني العام".
تمييزٌ عنصريّ إسرائيليّ
تثير هذه التغييرات مخاوف بشأن احتمال استغلال القانون للتمييز ضد المجتمعات والأفراد بناءً على أسس عرقية أو ثقافية، ما يؤثر سلبًا على حقوق المواطنين ويعرض مبدأ المساواة للخطر، وهذه المسألة تثير جدلاً حادًا وتستدعي مناقشة واسعة النطاق حول التعديلات القانونية والتأثيرات المحتملة على الاجتماع والمجتمع في كيان الاحتلال الإسرائيليّ، وفي الالتماس الذي تقدمت به الدكتورة سهاد بشارة، مديرة الوحدة القانونية لمركز عدالة، تم التأكيد على أن التعديلات التي أُدرجت في القانون، إلى جانب التصريحات العنصرية والعلنية الصريحة من قبل المبادرين إليه والمروجين له طوال العملية التشريعية، توحي وتؤكد بشكل واضح على الهدف العنصري وغير القانوني لهذا التعديل، تتضمن هذه التعديلات مضامين تشجع على الإقصاء والفصل وتهويد الحيّز العامّ قدر المستطاع.
وفقًا لرأي الملتمسين، تتجمع كل هذه العوامل معًا لتشكيل أساس واسع للانتهاكات والتداخل مع حقوق أساسية، ما يجعل هذا القانون غير دستوري.
وبناءً على ذلك، يتوجب إبطال القانون برمته، لأنه يمكن أن يتسبب في التمييز أو يؤدي إلى نتائج تمييزية تعارض مبادئ المساواة وحقوق الإنسان، هذا الالتماس يعبر عن جهد قانوني لمحاربة التعديلات القانونية التي يعتبرها البعض تمييزية ومتعارضة مع مبادئ العدالة والمساواة في المجتمع.
والالتماس أشار أيضًا إلى رأي مختص نُشر في سياق تعديل القانون، والذي أشار إلى أنه يخلق مساحة واسعة مغلقة تفتح الباب أمام غالبية سكان الكيان، بينما تسيطر عليها طبقة محددة من المستوطنين ذوي الامتيازات، وبالفعل، تواصل الكنيست والحكومة تعزيز سياستهما العنصرية في توزيع الأراضي والمساكن، وهذا يتناقض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي، ويظهر من النص الذي أوردته د. بشارة أن المبادرين للقانون الحالي يسعون إلى استغلاله لتحقيق أهدافهم في الفصل العنصري وتهويد الحيز العام. هذا القانون يمنح مجموعة محدودة من الأفراد ذوي الامتيازات والمصالح الخاصة الحق في التحكم في من سيستفيد من موارد الأراضي التي تخضع لسيطرتهم.
ويجدر بالذكر أن عدم العدالة التوزيعية التي ينتج عن هذه السياسة لا تؤثر فقط على الفئات المستبعدة من السكان العرب والفلسطينيين، بل أيضًا تلحق أذىً بمجموعات أخرى مثل اليهود من أصول أثيوبية، واليهود الشرقيين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والعديد من الفئات الأخرى، تعبر هذه الملاحظات عن القلق الشديد من تفاقم التمييز والتداخل مع حقوق الإنسان الأساسية والمساواة في المجتمع، ما يلزم التصدي لهذا القانون والممارسات التمييزية التي يروّج لها.
دلائل واضحة
نحن جميعًا على علم بالعنصرية التي انتشرت في منصات التواصل الاجتماعي والتي تروِّج لعنصرية الكيان الصهيوني الغاصب، إن هذا المشهد يكشف عن منهج العنصرية الذي يتبعه الاحتلال الصهيوني تجاه مالكي الأرض والأماكن المقدسة، وليس سرًا أن حقوق الفلسطينيين تتدهور بشكل كبير مقارنة بحقوق اليهود في المنطقة بأكملها، وذلك بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.
يعيش الفلسطينيون تحت سيطرة صهيونية متعددة الأوجه في مناطق مثل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وحتى داخل الأراضي المحتلة نفسها، وتزيد المعلومات الأخيرة من قبل الإسرائيليين أنفسهم على تأكيد منهجية الاحتلال العدواني، إذ تُعترف فلسطين الآن من قبل الإسرائيليين بأنها منطقة جغرافية واحدة تحكمها حكومة واحدة، ما يعني وجود "أبرتهايد" - نظام فصل عنصري - بين النهر والبحر.
وخلال عمليات التقسيم واستخدام وسائل السيطرة المتنوعة، يتلاعب الكيان الصهيوني في إخفاء حقيقة أن نحو 7 ملايين يهودي و7 ملايين فلسطيني يعيشون تحت نفس النظام بفلسطين المحتلة، مع انعدام تكافؤ الحقوق بشكل كبير، ليس هناك معيار واحد يضمن المساواة بين الفلسطينيين واليهود في هذا السياق.
وفي السنوات الأخيرة، اعتمد كتّاب إسرائيليون وجنرالات سابقون وساسة مناهضون للحكومة اليمينية المصطلح "أبرتهايد" بشكل متزايد للتعبير عن استيائهم من سياسات الكيان.
وتجدر الإشارة إلى أن الحدود التي تفصل بين الكيان والضفة الغربية تلاشت بشكل كبير، على الأقل من وجهة نظر المستوطنين الإسرائيليين، الذين يمكنهم التنقل بحرية بين المناطق، بينما يتعين على أصحاب الأرض الفلسطينيين الحصول على تصاريح للدخول إلى الأراضي المستوطنة، وفيما يخص "جهاز التخطيط" الذي أقامته السلطات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فإنه يقوم بقمع أي محاولة للتنمية والبناء الفلسطيني، ويمنع الفلسطينيين من بناء منازل لهم، بحجة "الهدم" بدلاً من التخطيط لتلبية احتياجات السكان الحالية والمستقبلية، وكل هذا يحدث في ظل تصاعد التصعيد الصهيوني وغياب الإرادة الدولية لطرد قوات الاحتلال الإسرائيلي من المناطق العربية التي احتلوها بوحشية.
في الختام، لا يمكن تجاهل حجم الجرائم التي ارتكبتها الآلة العسكرية للاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين والعرب، فالواقع يقدم استعراضاً تاريخياً موثقاً للكثير من الانتهاكات الصهيونية التي تكشف عن العنصرية والعنف النمطيين لهذا الكيان، إلا أنه يجب التنويه إلى أن هذه الجرائم هي جزء صغير من معاناة شعب فلسطين والمنطقة بأكملها، فالعديد من الأطفال والشيوخ والنساء يعانون من هذه الانتهاكات بشكل يومي، وهذا يشدد على أهمية التحقيقات والمحاكمات الدولية للمحاسبة على هذه الجرائم، ودون ذلك، فإن تلك التقارير تبقى مجرد وثائق تاريخية تجسد حقائق مروعة، لكنها لن تحقق العدالة إذا لم تتبع بجهود دولية وعربية لوقف العدوان الإسرائيلي في جميع أنحاء المنطقة.