الوقت- يربط الكيان الصهيوني وإريتريا علاقات معقدة ومتقلبة منذ استقلال إريتريا عام 1993، في البداية، كانت العلاقات بين الكيان الصهيوني وإريتريا ودية إلى حد ما، حيث سعت "إسرائيل " لتطوير تحالف استراتيجي مع إريتريا بحجة مواجهة التهديدات الإقليمية، لكن بحلول أواخر التسعينيات، تدهورت العلاقات بسبب دعم إريتريا لجماعات فلسطينية مسلحة.
ومع ذلك، استمر التعاون الاستخباراتي بين الكيان الصهيوني وإريتريا بشكل محدود، وفي عام 2016، أعلن الطرفان عن تطبيع العلاقات الدبلوماسية مجددًا، إلا أن التوترات السياسية والأمنية لا تزال قائمة حتى اليوم، تتمثل القضايا الرئيسية في النزاع على جزر دهلك في البحر الأحمر، والمخاوف الإسرائيلية من استخدام إريتريا كمنصة للجماعات المسلحة.
في السياق نفسه تشكل الجالية الإريترية إحدى الجاليات الأفريقية الرئيسية في الكيان الصهيوني ، حيث بلغ عدد أفرادها حوالي 26 ألف شخص حسب إحصائيات عام 2021، وقد بدأ وصول المهاجرين الإريتريين إلى الكيان الصهيوني منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بعد استقلال إريتريا عن إثيوبيا، وتتركز الجالية الإريترية بشكل كبير في مدينتي تل أبيب وأسدود، حيث يعمل معظم أفرادها في القطاعات الصناعية والزراعية وقطاع البناء والتشييد، كما ينخرط الكثير من شباب الجالية في جيش الاحتلال الإسرائيلي أو برامج الخدمة الوطنية، وتواجه الجالية الإريترية تحديات اجتماعية واقتصادية مثل باقي الأقليات، لكنها تحافظ على علاقات وثيقة مع وطنها الأم إريتريا.
العلاقات الإريترية "الإسرائيلية".. بين التوتر والمصالح المشتركة
تجمع العلاقات بين إريتريا و"إسرائيل" بين التعاون والتوتر منذ نشأتها فمن ناحية، يربط الكيان الصهيوني وإريتريا مصالح استراتيجية وأمنية مشتركة أدت إلى تعاون عسكري واستخباراتي محدود بينهما على مر السنين، ومن ناحية أخرى، ظهرت خلافات سياسية بين الطرفين بسبب مواقف إريتريا المعارضة لـ"إسرائيل" في قضايا إقليمية، غير أن قنوات التواصل بقيت مفتوحة بين الكيان الصهيوني و إريتريا لتجنب انهيار العلاقات والمحافظة على المكاسب المتبادلة، فالمؤشرات ترجح استمرار الوضع الراهن من التعايش بين مصالح التعاون وحسابات الخلافات السياسية في المدى المنظور.
وفي هذا الصدد كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت، في تقرير نشرته على هامش الصراع الأخير بين الصهاينة الإريتريين وحسب وسائل الإعلام العبرية، فإن الحكومة الإريترية غير مستعدة لقبول السفير الإسرائيلي الجديد في أسمرة، وهذه السفارة مهجورة منذ عام 2020.
وفي جزء آخر من التقرير، تم التأكيد على أنه رغم كل السلوك السلبي لإريتريا وحتى معارضتها الشديدة لعودة "إسرائيل" (النظام) كمراقب في الاتحاد الأفريقي، إلا أن تل أبيب لم تقطع علاقاتها مع هذا الكيان الصهيوني قط، وحسب تفسير هذا الإعلام العبري فإن الأسباب والأهداف الأمنية والعسكرية هي السبب الرئيسي لإصرار تل أبيب على الحفاظ على العلاقات مع إريتريا، لأن هذه الدولة تستطيع أن تحافظ على موطئ قدم لـ"إسرائيل" في القرن الأفريقي بسبب موقعها الاستراتيجي والمهم حيث تحدثت العديد من المصادر الأجنبية و وسائل الإعلام أن تل أبيب تمتلك قواعد استخباراتية (تجسسية) وقواعد لغواصاتها في إريتريا.
التعاون الأمني بين إريتريا و"إسرائيل".. حقائق وتساؤلات
يثير التعاون الأمني والعسكري بين إريتريا و"إسرائيل" الكثير من التساؤلات حول طبيعته وأهدافه، نظراً للتكتم الشديد الذي يكتنف هذا الموضوع من الجانبين.
ظهرت تقارير عدة تتحدث عن تعاون استخباراتي وأمني بينهما يتمثل في تبادل المعلومات وربما السماح لـ"إسرائيل" باستخدام مرافق عسكرية إريترية، غير أن التفاصيل الدقيقة لهذا التعاون مجهولة، فما هي طبيعته بالضبط؟ وهل يخدم مصالح الشعبين أم مصالح أنظمة البلدين فقط؟ الأكيد أن هناك من يرى في هذا التقارب أمنياً خطوة إيجابية لمواجهة التحديات الإقليمية، لكن البعض الآخر يعتبره انحيازاً من إريتريا لمصلحة "إسرائيل".
تشير العديد من التقارير إلى وجود قواعد إسرائيلية في جزر البحر الأحمر وقد نشر في الماضي، حيث ذكرت التقارير أن الكيان الصهيوني يستخدم موانئ للغواصات والسفن التابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي التي تعمل ضد شبكات نقل الأسلحة التي تصل للمقاومة حسب زعم التقرير.
ووفقا للتقرير فإن "إسرائيل" تملك قاعدة تنصت استخباراتية تقع على قمة جبل على ارتفاع 3000 متر فوق سطح البحر ومرسى للسفن في جزر دهلك في البحر الأحمر، منذ عام 2016، أنشأت "إسرائيل" سراً قاعدة استخبارات إلكترونية متقدمة في إريتريا لمراقبة مضيق باب المندب الاستراتيجي، الذي تنتقل عبره معظم شحنات النفط الخليجية في طريقها إلى العملاء في جميع أنحاء العالم.
في الختام من الواضح أن التعاون الأمني بين الكيان الصهيوني وإريتريا له أثار سلبية على المنطقة والقضية الفلسطينية، ويُعتبر تطبيعًا للعلاقات، أحد الجوانب التي يتم التنبؤ بها هي أن هذا التعاون يسمح للكيان الصهيوني بتعزيز وجوده في القرن الأفريقي والاستفادة من الممرات المائية الاستراتيجية، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة النفوذ الإسرائيلي في المنطقة وتأثيره على الديناميات السياسية والاقتصادية فيها.
علاوة على ذلك، يمكن أن يعتبر هذا التعاون بمثابة تطبيع للعلاقات مع الكيان الصهيوني، وهذا يعني أنه بدلاً من الالتزام بمقاومة الاحتلال ودعم القضية الفلسطينية، تقوم إريتريا بتعزيز علاقاتها مع الكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
من جهة أخرى تعد القضية الفلسطينية من أبرز القضايا العادلة والمستمرة في العالم، وقد وجدت تأييدًا وتضامنًا واسعًا بين الشعوب حول العالم، بما في ذلك الشعب الإريتري.
يعتبر الشعب الإريتري داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية ويعبر عن رفضه للاحتلال الصهيوني ووجوده في إريتريا، تاريخ إريتريا وتجربتها الوطنية القوية تؤكد على أن الشعب الإريتري يعرف قيمة الحرية والاستقلال، ويدرك أهمية حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، ولذلك يشعر الشعب الإريتري بالتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الظلم والاحتلال.
يتجلى دعم الشعب الإريتري للقضية الفلسطينية في تعبيراته العامة والشعبية، يعبر الأفراد عن استيائهم واستنكارهم للاحتلال الصهيوني والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في فلسطين. يكون الشعب الإريتري حريصًا على المشاركة في الفعاليات الدولية والمحلية التي تسلط الضوء على القضية الفلسطينية وتدعم حقوق الشعب الفلسطيني فهل تفهم السلطة الإريترية أن وجود قواعد عسكرية إسرائيلية في أراضيها سيثير الجدل ويثير الغضب بين الشعب الإريتري والعالم العربي والإسلامي بشكل عام؟ وعليه، فإن السلطة في إريتريا تتحمل المسؤولية في التعامل مع الوضع .
بشكل عام، يمكن القول إن الشعب الإريتري يدعم القضية الفلسطينية ويعبر عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية والعدالة، وإن مواصلة التوعية والنضال الشعبي والجهود الدبلوماسية قد تساهم في تعزيز الضغط الدولي لإنهاء الاحتلال وتحقيق الحل العادل للقضية الفلسطينية.