الوقت - لا تهدأ القارة الإفريقية غرباً وشمالاً وعلى ما يبدو أنها على موعد مع تطورات لافتة وساخنة في آن معاً وستبقى إلى وقت ليس بالقصير تتصدر العناوين والأخبار، وفي حين ينتفض غربها على المستعمر بمختلف مسمياته وأدواته، يعمل مستعمر آخر على النفاد لزعزعة أمن واستقرار القارة السمراء شمالاً وبأدوات إقليمية.
كان لافتاً في التوقيت ما أفادت وكالة الأنباء الصحراويّة (واص) بأنّ قائدا عسكريا في جبهة البوليساريو قُتل أمس الأول مع أربعة مقاتلين صحراويّين جرّاء قصف شنّته مسيّرة مغربيّة في الصحراء الغربيّة المتنازع عليها بين المغرب والجبهة، تزامناً مع زيارة وفد أمريكي لهذه المنطقة.
وذكرت وكالة الأنباء الصحراويّة أنّه بتاريخ ١ أيلول ارتقى شهيد في ميدان الشرف عضو الأمانة الوطنيّة للجبهة، وقائد الناحية العسكريّة السادسة المقاتل أبا عالي حمودي رفقة أربعة من رفاقه الأبطال، وإثر ذلك، أعلنت الرئاسة الصحراويّة الحداد ثلاثة أيّام.
وذكر موقع Ecsaharaui الإخباري الصحراوي من جهته أنّه في أعقاب معارك في منطقة المحبس، ردّت القوّات الجوّية المغربيّة باستخدام مسيّرتين من صنع إسرائيلي، دون أي تصريحات ذات الصلة من الجانب المغربي.
يأتي ذلك في وقت شرع الجمعة وفد من الولايات المتحدة الأمريكية يقوده جوشوا هاريس، نائب مساعد وزير الخارجية والمكلف بشمال إفريقيا بمكتب الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية، في "زيارة للطرف الصحراوي في إطار الجهود المبذولة لإعادة إطلاق عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية"، وفقاً لوكالة الأنباء الصحراوية.
وفي نيسان 2021 قُتل مسؤول عسكري صحراوي آخر هو قائد الدرك الوطني الداه البندير في قصف شنّته مسيّرة في منطقة تفاريتي.
نقطتان لا بدّ من التركيز عليهما والإشارة لهما، الأولى أن المسيرتين من صنع إسرائيلي وهذا يقود إلى تصعيد مغربي واضح ضد الجبهة بدعم ومساندة إسرائيلية ولا سيما أن الكيان اعترف في تموز الماضي ب"سيادة" المغرب على الصحراء، وهو ما ترفضه الجبهة وتطالب بإجراء استفتاء لتقرير مصير المنطقة وتدعمها الجزائر في مطالبها، كما أن المغرب على وفاق تام مع الكيان الإسرائيلي حيث يمكن القول إن المغرب أداة تنطلق منها "إسرائيل" لزعزعة أمن واستقرار دول الجوار ولا سيما الجزائر من خلال الملفات الخلافية ونقاط التوتر كقضية الصحراء.
النقطة الثانية: زيارة الوفد الأمريكي، أي إن واشنطن تبحث عن نقاط ارتكاز جديد في الشمال الإفريقي وليس كما يقال إن الزيارة في إطار الجهود المبذولة لإعادة إطلاق عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، وخصوصاً أن الولايات المتحدة اتخذت موقفاً منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، باعترافها بمغربية الصحراء واعتماد خريطة للمغرب تضم الصحراء الغربية، مقابل تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
يمكن القول إن المستهدف الحقيقي من وراء التحركات السابقة الذكر الجزائر لأسباب باتت واضحة للجميع، وفي عام ٢٠٢١ أتت تصريحات وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة واضحة بهذا الخصوص كما كان واضحاً الدعم الجزائري لقضية الشعب الصحراوي، إذ قال لعمامرة في تلك التصريحات إن بلاده تشعر أنها دولة مواجهة أمام "إسرائيل"، في حين كانت الجزائر ترسل قواتها لقتالها مع الأشقاء العرب، وأصبحت على حدودنا وتوقع اتفاقات عسكرية وأمنية واستخباراتية مع الجار والأخ والصديق مشيرا إلى أن مخطط استهداف الجزائر بدأ مرة أخرى كأولوية لأنه لا يمكن فرض الواقع على الصحراء، مؤكداً أن المغرب يعرف أنه غير قادر على فرض رؤيته في الصحراء وما زال هناك قلعة صامدة هي الجزائر تدعم حق الصحراويين بحق تقرير المصير كما تدعم الشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير وليس في نية الجزائر، لا الآن ولا في المستقبل، أن تتخلى عن هذا المبدأ.
وشدد لعمامرة في حينها أن فكرة استخدام ورقة الصحراء الغربية لتقوية المغرب وإضعاف الجزائر ما زالت قائمة، حيث عادت المسألة من جديد بعد قضايا الإرهاب والحراك الشعبي في الجزائر ظنّا منهم أن الجزائر مشغولة في أوضاعها الداخلية، مشيراً إلى أن لديهم قناعة أيضاً أن الأمم المتحدة انصاعت لإملاءات فرنسا وأمريكا في هذا المضمار، وتخلت عن فكرة تصنيف الأزمة بأنها تتعلق بتصفية الاستعمار، بل قضية تتعلق بخلافات محلية يمكن حلها بمنح الحكم الذاتي للصحراويين".
أدرجت الصحراء الغربية في قائمة الأمم المتحدة للأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي منذ عام 1963 بعد أن أحالت إسبانيا ملف الصحراء للهيئة الأممية بموجب المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة.
ومنذ تلك الفترة، تعتمد الجمعية العامة للأمم المتحدة، كل عام، قرارات بشأن الصحراء الغربية، ضمن ما يعرف باللجنة الـ24 وهي اللجنة المعنية بإنهاء الاستعمار.
إلى ذلك، ترعى الأمم المتحدة منذ عقود، جهودا لإيجاد حل سياسي متوافق عليه ينهي هذا النزاع، حيث مدد مجلس الأمن في قرار جديد مهمة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) لعام آخر حتى نهاية 31 تشرين الأول 2023.
وشهدت هذه المستعمرة الإسبانية سابقا نزاعا مسلحا حتى وقف إطلاق النّار العام 1991 بين المغرب و"بوليساريو".
وتمتد الصحراء الغربية على مساحة 252 ألف كيلومتر على الساحل الشمالي الغربي للقارة، وهي منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة إذ يبلغ تعداد سكانها 567 ألف نسمة وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة والبنك الدولي.
ويقول المغرب الذي يسيطر على ثمانين في المئة من أراضي الإقليم إن الصحراء الغربية جزء لا يتجزأ من أراضيه ولا يمانع في حصول الإقليم على حكم ذاتي على أن يظل تحت السيادة المغربية، فيما تصر جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر المجاورة على استفتاء لتقرير المصير، كما ينص اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991.
وبدأ النزاع فعلياً عام 1975، عندما وقعت إسبانيا قبل جلائها من الصحراء الغربية، اتفاقية مدريد مع كل من المغرب وموريتانيا، والتي اقتسم بموجبها البلدان الجاران الصحراء، لكن الصحراويين الذين أسسوا جبهة البوليساريو، رفضوا الاتفاقية وواصلوا مطالبتهم بالاستقلال وصعدت الجبهة من وتيرة عملياتها وقامت بالدعوة إلى مظاهرات للمطالبة بالاستقلال، بينما اتجه المغرب وموريتانيا إلى محكمة العدل الدولية، وفي 16 تشرين الأول 1975 أعلن المغرب تنظيمه "المسيرة الخضراء" باتجاه منطقة الصحراء، وفي كانون الثاني 1976 أُعلن عن قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" بدعم من الجزائر.