الوقت- في الآونة الأخيرة، اعترف إعلام الكيان الإسرائيلي، بالانخفاض الكبير في اهتمام الشباب الأمريكي والكندي بالهجرة إلى كيان الاحتلال الإسرائيليّ، ووفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت العبريّة، فإنه بعد الأزمة الأخيرة هاجر فقط 215 مهاجرًا جديدًا من الولايات المتحدة وكندا إلى فلسطين المحتلة، الأمر الذي أثار مخاوف كثيرة وراء الكواليس، ونقلت وسائل الإعلام العبريّ عن إحدى المنظمات الناشطة في تشجيع واستقطاب المهاجرين إلى فلسطين المحتلة، وكتبت: "في كل مكان يدور الحديث عن عدم الاستقرار في إسرائيل، يقول كثير من الناس إنهم لا ينوون الهجرة"، وقد كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه منذ بداية العام الحالي، زاد عدد المهاجرين الشباب إلى خارج فلسطين المحتلة بمقدار الثلث مقارنة بمتوسط العقد الماضي.
رغبة متراجعة بالهجرة للكيان
حسب الإحصائيات التي ينشرها الإعلام الإسرائيليّ، فإن معظم المهاجرين الجدد إلى فلسطين المحتلة هم من المتقاعدين، والذين على ما يبدو لن يتأثروا بعدم الاستقرار في حياتهم، وأكدت منظمات استقدام المهاجرين لفلسطين المحتلة أنه في أفضل الظروف، من المحتمل أن يشهد هذا العام هجرة حوالي 3 آلاف شخص من أمريكا وكندا، وهو ما يقل بنسبة 15٪ عن متوسط السنوات السابقة، وهذا أمر مؤلم لكيان الاحتلال الإسرائيليّ، وبالطبع، ربما تكون الأرقام غير دقيقة لاعتبارات تخص الكيان.
وإنّ من أهم عوامل تقليل الرغبة في الهجرة إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي هو الوضع الاقتصادي، باعتبار أن تحسن الاقتصاد وتوفر فرص العمل في بلد الأصل يمكن أن يقلل من الحاجة إلى البحث عن فرص في دول أخرى، مع الحصول على مستويات جيدة من الدخل والاستقرار المالي الذي يمكن أن يقلل من الرغبة في الهجرة، إضافة إلى الاستقرار السياسي، فعدم وجود اضطرابات سياسية أو صراعات مسلحة في بلد الأصل يمكن أن يقلل من الحاجة إلى البحث عن ملاذ آمن في بلد آخر كفلسطين المحتلة، والاستقرار السياسي يعني أيضًا استقرار القوانين وحماية حقوق الأفراد.
من ناحية أُخرى، تشكل العوامل الاجتماعية والثقافية حيزاً كبيراً من المشكلة، باعتبار أن الانتماء القوي للثقافة والمجتمع في بلد الأصل يمكن أن يجعل الأفراد أقل ميلاً للهجرة، فاللغة والثقافة والعلاقات الاجتماعية تلعب دورًا مهمًا في قرار الهجرة، مع تغييرات في سياسة الهجرة، حيث تؤثر سياسة الهجرة في "إسرائيل"، سواء بتشديد القوانين أو زيادة التعقيدات على أعداد المهاجرين لفلسطين، ويمكن أن تقلل من أعداد الأشخاص الذين يتقدمون بطلبات للهجرة، كما أن العلاقات العائلية والاجتماعية، والروابط العائلية والاجتماعية في بلد الأصل يمكن أن يكون لها تأثير كبير على قرارات الأفراد، وقد يكون لديهم دعم اجتماعي قوي وشبكات دعم في بلدهم، وبالتالي فالعلاقات الاجتماعية والروابط العائلية يمكن أن تكون عوامل رئيسية في تحديد قرارات الهجرة، وإذا تناسينا الوضع الأمني الخطير والتفكك المجتمعيّ في كيان الاحتلال الغاصب، فإنّ هذه العوامل تتفاعل مع بعضها البعض وتعتمد على السياق والظروف الفردية، وتأثير كل عامل يمكن أن يختلف من شخص لآخر ومن وقت لآخر.
هجرة عكسيّة من "إسرائيل"
تتحدث المعلومات عن ارتفاع معدلات الهجرة العكسية من كيان الاحتلال الإسرائيلي، وإنّ ارتفاع معدلات الهجرة العكسية من كيان الاحتلال الإسرائيلي تعكس حقائق معينة تستند إلى عدة عوامل، ويمكن أن تتضمن الوضع السياسي والأمني، فالنزاعات والتوترات السياسية والأمنية في "إسرائيل" بالطبع تخلق بيئة غير مستقرة، ويمكن لهذه الأحداث أن تؤثر على حياة الأفراد وتزيد من الشعور بعدم الأمان، ما يدفع بعض الأشخاص إلى البحث عن ملاذ آمن في دول أخرى غير فلسطين المحتلة، وإن القضايا الاقتصادية مهمة للغاية، ومع ازدياد الضغوط الاقتصادية في "إسرائيل" بشكل كبير، يشعر المستوطنون بصعوبة تحقيق مستويات معيشية جيدة، ويمكن أن تكون فرص العمل المحدودة أو الأجور المنخفضة عاملين يدفعان ببعض المهاجرين إلى مغادرة فلسطين بحثًا عن فرص اقتصادية أفضل، والفروق الثقافية والدينية قد تكون مشكلة بالنسبة لبعض الأفراد المهاجرين، ومع شعور الأفراد بأنهم غير متوافقين مع الثقافة أو الديانة الرئيسية للكيان في "إسرائيل"، ما سيدفعهم للبحث عن بيئة تلبي تلك الاحتياجات.
ولا شك أنّ القضايا الاجتماعية والسياسية ذات أهمية بالغة، وقد تكون الصراعات الاجتماعية أو القضايا السياسية في كيان الاحتلال الإسرائيليّ عوامل تحفيزية للهجرة العكسية، والكثير من المستوطنين يشعرون بعدم الرضا عن الوضع الاجتماعي أو السياسي في فلسطين المحتلة، وتلعب العوامل الشخصية دورًا كبيرًا في قرار الهجرة، وقد يكون لدى الأفراد أسباب شخصية تتعلق بعائلاتهم أو مشاكلهم الشخصية الخاصة التي تدفعهم إلى مغادرة فلسطين، ولا بد من ملاحظة أن هذه الوقائع تعبر عن وجهات نظر متنوعة للظاهرة الخطيرة على الكيان، الذي يتأثر سلباً بارتفاع معدلات الهجرة العكسية نتيجة العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهي قضية تؤرق صناع السياسات الفاشلة في تل أبيب.
مستقبل مجهول
تثير قضية مستقبل "إسرائيل" القريبة اتفاقا في وجهات النظر بين العرب والإسرائيليين، حيث يشيرون إلى اعتقادهم بقرب انهيار الكيان الإسرائيلي، ويستندون إلى تاريخ سابق لمملكات يهودية مثل مملكة داود وسليمان ومملكة الحشمونائيم، التي لم تستمر كل منها لفترة طويلة ولم تتجاوز الثمانين سنة، ويرون أن فكرة الانهيار السائدة حاليًا عن الكيان، الذي تأسس بالاستيلاء على أراضي فلسطين، قد تكون وشيكة، ويشير بعض المحللين إلى أن هذا الاعتقاد يثير تخوف القوى الاستعمارية الغربية ويدفعها للتدخل من أجل الحفاظ على استمرار وجود الكيان، الذي يعتبره العرب تهديدًا لاستقرار المنطقة.
ومن ناحية أخرى، يرى آخرون أن تعزيز فكرة انهيار "إسرائيل" هو جزء من استراتيجية داخلية تستخدمها بعض الجهات داخل الكيان لتحقيق أهداف سياسية معينة، ويعتبرون أن هذا الرهبة من الانهيار تهدف إلى منع أي معارضة قوية من داخل الكيان من خلال توجيه تهديدات نحو المهاجرين اليهود في فلسطين المحتلة، في محاولة لجمع الدعم حول الحكومة الصهيونية الحالية التي تنتهج سياسات متشددة، وفي هذا السياق، يذكر أن بعض السياسيين الإسرائيليين دعوا إلى "وحدة إسرائيل" وتجنب الانقسام للتغلب على التحديات الحالية، لكن الوضع يتدهور أكثر فأكثر.
وتعيش "إسرائيل" حالياً على وقع توجهين سياسيين مختلفين في الوجهات، وهناك جزء من المجتمع الإسرائيلي يؤيد حكومة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بشدة، ويعتقد هؤلاء أن نتنياهو وحكومته كانوا يعملون جاهدين لتحقيق مشروع سياسي يسعى لتعزيز العنصرية والسلطة الدينية، والميل نحو اليمين، وفي المقابل، هناك جزء آخر من الصهاينة يسعون إلى جعل كيان "إسرائيل" أكثر تحررًا وليبرالية، مع وجود تحليلات متعددة تشير إلى أن "إسرائيل" قد تواجه مستقبلها الغامض، حيث تبدو هناك سيناريوهات خطيرة محتملة، وأحد هذه السيناريوهات يشير إلى احتمال تصاعد التوترات داخل المجتمع الإسرائيلي وانعدام الاستقرار نتيجة الصراعات الداخلية، والسيناريو الآخر يشير إلى احتمالية حدوث نزاع أهلي بين المتشددين اليمينيين والقوى الديمقراطية والليبرالية في الكيان، وهذه الصراعات قد تعقدت بشكل كبير بين الذين يرون الحكومة الدينية بإيجابية والذين يعارضونها بشدة.
في الختام، تأتي قضية الهجرة من فلسطين بشكل بارز، وهناك انقسام في المجتمع الصهيوني بشأن هذه القضية، حيث يرفض بعض الصهاينة بشدة العيش في "إسرائيل" التي تحكمها العناصر الدينية، وهذا ينعكس في طلبات الهجرة خارج فلسطين، والتي قد تزداد وخاصة من قبل العلمانيين الذين يريدون العيش في بيئة أكثر تحررًا، ويجب أن نؤكّد أنّ الطريق الذي يسير فيه الكيان هو ببطاقة ذهاب دون عودة، وهذا ما تشير إليه عن كثب تطورات السياسة في "إسرائيل"، حيث يمكن أن تكون الاختلافات السياسية والاجتماعية محور تأثير كبير على مستقبل الكيان الفاشيّ.