الوقت - مرت ثلاثة أشهر على الحدث المهم المتمثل في حضور الرئيس السوري بشار الأسد اجتماع جامعة الدول العربية في جدة، أي الختام الرسمي لعداء الجامعة العربية الذي دام 12 عامًا للحكومة السورية.
بينما كان متوقعاً بعد هذا الاجتماع أن يكون هناك تحسن ملحوظ في مستوى التعاون والعلاقات بين الدول العربية ودمشق، ولکن ما لفت الانتباه في الأيام الأخيرة هو جمود هذه العملية، والمواقف المنتقدة للجانبين ضد بعضهما البعض.
حتی الآن ترفض السعودية وبعض الدول العربية الأخرى فتح سفاراتها في دمشق، ما يدل على أنه لا يزال هناك طريق طويل يجب قطعه لإعادة بناء الثقة التي دمرت في الماضي.
كانت الحكومة السورية تأمل في أن يؤدي إنشاء مساحة جديدة في العلاقات مع الدول العربية، إلى إظهار آثارها على الفور في المجالين السياسي والاقتصادي، وأن يرى الشعب السوري نتائج خفض التصعيد الأخير على مائدته، ولکن على عكس هذا التوقع، لم يلاحظ أي تطور معين في الأشهر الثلاثة الماضية، حيث انتقدت وسائل الإعلام السورية هذا الوضع وتحدثت عن "النتائج الصفرية" للتهدئة، رغم كل التصريحات الودية للدول العربية.
وفي هذا الصدد، وصف بشار الأسد، في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز" الإماراتية في 9 آب 2023، العلاقات بين دمشق والعرب بـ "الرسمية"، واتهم الدول العربية بعقلية "عدم تقديم حلول عملية أو أفكار عملية" لتوثيق العلاقات.
كما قال عن الحكومات العربية إنها "تحب الخطب والبيانات واللقاءات الرسمية"، ما يعني أن هناك مسافةً بين مزاعم الدول العربية لحل الخلافات مع دمشق وبدء فصل جديد من التعاون بين الجانبين، مع أفعالها.
من جهة أخرى، اتخذ وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مواقف في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط بعد لقائه مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، في 13 حزيران/يونيو، يُفهم منها إحباط دمشق من دوافع الطرف الآخر لاستعادة العلاقات السابقة كاملةً.
حيث قال إن دمشق "اتخذت مئات الخطوات بشأن ما طُلب منها القيام به، بينما لم ترَ أي إجراء من أطراف أخرى"، وطالب الدول العربية بـ "حسن النية والكف عن تجويع الشعب السوري".
السلام خطوةً بخطوة، مبادرة لخدمة مصالح أمريكا
بعد التأكيد على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، أعلن وزراء خارجية الدول العربية تشكيل "لجنة وزارية لدفع الحوار المباشر مع الحكومة السورية من أجل تحقيق حل شامل لحل الأزمة في سوريا".
على الرغم من عدم الإعلان عن تفاصيل أعضاء وقرارات هذه اللجنة، لكن بطرس مرجانة رئيس لجنة العلاقات الخارجية والعربية في مجلس النواب السوري، قال في وقت سابق إن "أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني تولى مهمة متابعة الشؤون السورية في هذه اللجنة".
ولذلك، بعد أيام قليلة من القمة، ذهب أيمن الصفدي إلى دمشق وأعلن الاتفاق مع القادة السوريين على اتباع نهج "خطوة بخطوة".
وأعلن الصفدي عن قضايا مثل فتح الحدود وإغلاق المعابر بين سوريا والأردن وتركيا ولبنان، والأهم من ذلك قضية اللاجئين وعودتهم التدريجية إلى الوطن، كأجزاء رئيسية في هذا الاتفاق.
إضافة إلى ذلك، فإن موضوع التعامل مع "حبوب الكبتاغون" التي تنتج بكميات كبيرة حسب الدول العربية والغربية في سوريا، وترسل إلى الدول الخليجية وجيران سوريا، من بين المواضيع الأخرى التي طلبتها لجنة متابعة الشأن السوري في مبادرة خطوة بخطوة.
كما أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري في هذا الاجتماع، إضافة إلى مناقشة قضايا اللاجئين، على ضرورة "استئناف عمل اللجنة الدستورية".
وحسب وسائل إعلام عربية، عقدت هذه اللجنة اجتماعاً مرةً واحدة على الأقل في 15 مايو/أيار، وحسب موقع الحرة نقلاً عن أشرف العشري رئيس تحرير جريدة الأهرام في مصر، سيعقد اجتماع آخر على مستوى وزراء الخارجية مطلع سبتمبر المقبل، لاستعراض التقدم المحرز في مبادرة خطوة بخطوة.
مجموع هذه الطلبات، وخاصةً في قضايا تدخلية مثل تعيين اللجنة الدستورية، أو اتهام دمشق بعدم القيام بما يكفي في التعامل مع المصانع المزعومة لإنتاج أقراص الكبتاغون، ومسألة عودة اللاجئين، ليس فقط لم تساعد في حال مشاكل سوريا أو اتخاذ خطوات عملية لتطوير العلاقات، لكنها واجهت استجابةً غير مباشرة من الحكومة السورية عبر وسائل الإعلام في هذا البلد.
حيث هاجمت صحيفة البعث الرسمية الناطقة بلسان الحزب الحاكم في سوريا على مدى 60 عاماً، الحل العربي التدريجي المتمثل في مبادرة خطوة بخطوة في سوريا، واصفةً إياه بـ "مجموعة مطالب تخدم الولايات المتحدة الأمريكية أولاً وقبل كل شيء".
وانتقدت هذه الصحيفة بشدة الطلبات أحادية الجانب دون أن تساعد في حل المشاکل، وأكدت أن "الحكومة السورية ترفض أي إجراء يملی من الخارج".
في الواقع، الحكومة السورية التي كانت في السنوات الأخيرة الحامي الأهم لأمن الشعب ضد الإرهابيين المدعومين من دول عربية وغربية، الآن بعد أن انتهت الحرب ضد الإرهاب إلى حد كبير، تدعو إلى تعاون الدول العربية لتعويض أخطاء الماضي من خلال المساعدة في حل المشاكل الاقتصادية والمعيشية للشعب، وخاصةً في الوقت الذي يمنع فيه الغرب وصول المساعدات الإنسانية لأهل هذا البلد بفرض عقوبات قاسية وغير إنسانية.
وفي الحقيقة، طالما أن هناك مشاكل اقتصادية، فلا يمكن حل مشكلة اللاجئين والمخدرات، وهذا ما يسعى إليه الغرب من خلال فرض العقوبات.
من ناحية أخرى، فإن الدول العربية، إضافة إلى مطالبها غير المعقولة، لا تلتفت إلى الهجمات العدوانية للکيان الصهيوني، أو ضرورة دعم سيادة الحكومة السورية على إدلب والمناطق الأخرى التي تحتلها الولايات المتحدة وتركيا، فيما تلعب هذه المكونات دورًا أساسيًا في الحل الكامل للأزمة في سوريا، وإحراز تقدم في القضايا المطروحة في مبادرة خطوة بخطوة للجنة المتابعة العربية.
في غضون ذلك، فإن مواءمة مبادرة "خطوة بخطوة" العربية مع مطالب الولايات المتحدة، وربما دور ضغوط واشنطن في صياغة مثل هذه السياسة، ليس ادعاء الحكومة السورية فقط، بل يرى سالم اليامي المستشار السابق لوزارة الخارجية السعودية، في حديث مع موقع الحرة، أن مسار العلاقات العربية مع دمشق يتأثر بمتغيرات، أولها "علاقات بعض القوى الدولية ونظرتها لطبيعة النظام".
وهذا الموضوع نفسه الذي جعل وزير الخارجية السوري يطالب الدول العربية بعدم الرضوخ للضغوط الأمريكية، حيث قدّم فيصل المقداد في مؤتمر صحفي بطهران نصيحةً قال فيها: "أيها الإخوة العرب، نحن لن نستسلم لابتزاز الغرب، وهناك اتصالات مع دول عربية لتأسيس علاقاتنا معها بعيداً عن الدور الأمريكي".
