الوقت- جدل كبير أثاره خبير عسكري في كيان الاحتلال الإسرائيلي، بقوله إن الحرب القادمة ستستهدف نقطة لم تستعد فيها "إسرائيل" أبداً، حيث اعترف أوربار يوسف، الخبير العسكري والمؤرخ في الاحتلال الإسرائيلي، في حديث مع صحيفة هآرتس العبرية بأن هدف الحرب المقبلة هي الجبهة الداخلية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذه الجبهة ليس لديها أي استعداد لهذه الحرب، وحاول في هذا المقال مقارنة الحرب القادمة لهذا الكيان بحرب يوم الغفران (حرب أكتوبر كما تعرف في جمهورية مصر أو حرب تشرين التحريرية كما تطلق عليها سوريا)، والتي حدثت قبل 50 عامًا، وهو يشير بوضوح إلى عواقب تلك الحرب، لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن الخسائر التي ستحدث، على الجبهة الداخلية في الحرب القادمة ستكون صعبة جدا ومؤلمة من تلك الأيام.
التاريخ يعيد نفسه
كانت حرب يوم الغفران بين سوريا ومصر مع الكيان الإسرائيلي عام 1973، هي نفسها حرب تشرين التحريرية، التي وقعت في حينها بين مصر وسوريا من جهة وكيان "إسرائيل" من جهة أخرى، وأسفرت عن عدة نتائج وتأثيرات مهمة، ونتيجة للهجمات المفاجئة التي شنتها مصر وسوريا، استعادت الدولتين بعض الأراضي التي كانت قد خسرتها في حرب الأيام الستة عام 1967، بما في ذلك سيناء المصرية وجبل الجولان السوري، وحققت نجاحًا نسبيًا في الهجمات الأولى، ما أدى إلى تعزيز الثقة والروح المعنوية للعرب بشكل عام، وخاصة بعد الهزيمة العربية القاسية في حرب 1967، مع تغيير في الديناميكية السياسية والعسكرية، وقد أدت الحرب إلى تغيير في الديناميكية السياسية والعسكرية في المنطقة.
وعلى المستوى السياسي، أدت النتائج المحققة إلى تعزيز موقف الدول العربية وزيادة تأثيرها في الشؤون الإقليمية والدولية، ومن الناحية العسكرية، أدت الحرب إلى تحسين القدرات العسكرية للجيوش المصرية والسورية، وتتمثل النتائج الرئيسية الأخرى لحرب تشرين التحريرية في التأثير على العلاقات الإقليمية والدولية، وزيادة الوعي العربي بأهمية التضامن والوحدة، وتحفيز الجهود الدبلوماسية لحل الصراعات الإقليمية واسترجاع الأرض، لكن دعم الغرب وأمريكا جعل هذا الكيان قادرًا على وقف الهجوم.
ويؤكد المسؤول الإسرائيليّ اليوم أن السيناريوهات تتحدث حاليّاً عن سقوط آلاف الصواريخ التي سيتم إطلاقها في الأيام القليلة الأولى من الحرب ويبدو أنها قريبة من الواقع، وحسب صحيفة "هآرتس" فإن هذا المؤلف هو أستاذ متقاعد في العلاقات الدولية بجامعة حيفا، يقول: إن تزايد القلق الإسرائيلي من التهديد الصاروخي لمحور المقاومة وتطوره المستمر، يثير تخوفًا يتعلق بالجبهة الداخلية والبنى التحتية الاستراتيجية للكيان، وتردد مواقع إسرائيلية بشكل مستمر بشأن تهديد الأسلحة الصاروخية التي تحتويها ترسانة المقاومة، ووصفتها بأنها "تهديد استراتيجي" لـ"إسرائيل"، ويبدو أن تل أبيب قد قبلت هذا الأمر عمليًا.
مع تزايد تأثير محور المقاومة في السنوات الأخيرة وتحقيقه انتصارات مهمة في مناطق مختلفة، بدءًا من إيران وصولاً إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، تعيش "إسرائيل" قلقًا متزايدًا بشأن وجودها أكثر من أي وقت مضى، نتيجة للتطورات في المنطقة والأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، وخاصة بعد الشرخ الداخلي والانقسام السياسي الذي خلف صدمة في "إسرائيل" وأثر على مستويات متعددة، كما تتزايد التكهنات باندلاع "حرب كبرى" في ظل الحكومة الحالية لـ"إسرائيل" بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقد دفع هذا الوضع العديد من الأشخاص إلى التحذير من "أمطار الصواريخ"، وفي ظل استمرار وحشية وعنصرية العدو الإسرائيلي في معاملته للفلسطينيين وسعيه لتنفيذ خطة "الإبادة الجماعية" واستهداف الممتلكات الشخصية والمقدسات الفلسطينية ومحاولة تهجيرهم قسريًا لمصلحة المستوطنين، إضافة إلى التاريخ الدموي للكيان، فإن المقاومة مستعدة لمواجهة التحديات السياسية والأمنية بقوة، كما تقول الوقائع.
أسباب هزيمة الكيان داخليّاً
السبب الأول من وجهة نظر الخبير الإسرائيلي هو نوع التهديد وقوته، فهذه المرة لن يتم استهداف القوات العسكرية للجبهة الداخلية للكيان، وبالتالي فإن الخسائر لن تكون محدودة، لأن الصواريخ في الحرب القادمة ستقصف البلدات المجاورة فقط، ولن تستهدف غزة أو منطقة الجليل (شمال فلسطين المحتلة)، ولكن العديد من المناطق الأخرى من حيفا "الخضيرة" إلى تل أبيب (يافا) ستكون من بين أهداف هذه الصواريخ، ما سيسبب دماراً واسع النطاق، وسقوط آلاف القتلى، ودمار البنية التحتية للكهرباء والمياه والاتصالات والغاز.
وأضاف هذا الخبير الإسرائيلي في هذا الصدد: "كل ما تراه في أوكرانيا ينتظرنا في إسرائيل، وستكون خسائرنا أكبر بكثير".
والسبب الثاني من وجهة نظره هو عدم جاهزية الجبهة الداخلية للكيان، فاليوم الجبهة الداخلية ليست جاهزة للحرب، ويقول المحلل الإسرائيليّ: "كن مجنوناً وهيستيرياً أثناء الحرب وسيصعب الأمر على الجيش والقوات من قادة الجبهة الداخلية إدارة الحرب"، والسبب الثالث، من وجهة نظر هذا الأستاذ السابق في جامعة حيفا، هو الضعف الشديد الذي عانى منه جيش الكيان في الآونة الأخيرة، وذلك على الرغم من الاستثمارات الضخمة التي تم القيام بها في هذا الجيش، إلا أنه لم يتمكن من تقوية نفسه، ولم يتوافر حل فعال للدفاع الجوي ضد الصواريخ حتى اليوم، ولم يقم جيش الاحتلال -لا الأفراد ولا الاحتياط- بتنفيذ أنشطة تدريب كافية، وبشكل عام، يتم إنفاق وقت الجيش وطاقته حاليًا في المواجهة والقتال مع الفلسطينيين في المناطق الفلسطينية، ومختلف رتب الجيش لديهم تجربة حرب، وليس لديهم رتب حقيقية، على حد وصفه.
ورغم أن أوربار يوسف عبر عن أمله في أن تكون الوحدات المدرعة التابعة للجيش الإسرائيلي في حالة جيدة وأفضل مما كانت عليه خلال حرب 2006، لكنه قال: "حتى لو كانت قواتنا في أفضل حالاتها، فإنها ستظل في وضع يمكن الاستيلاء عليها"، كما أن ضعف القيادة في كيان الاحتلال الإسرائيلي هو السبب الرابع الذي سيجعل من الحرب القادمة أكثر صعوبة ويزيد الخسائر في الجبهة الداخلية لـ "إسرائيل".
وإذا بدأت الحرب في ظل وجود الحكومة الحالية، فمن الصعب للغاية التكهن إن كانت هذه الحكومة ستكون قادرة على أداء واجباتها بشكل فعال في هذه الحرب أم لا، لأن هذا الكيان يمر حاليًا بأزمة عدم ثقة غير مسبوقة مع مجتمع (الاحتلال الإسرائيلي) والمستوطنون لا يثقون بأي من الكلمات التي تخرج من فم رئيس الوزراء ويعتقدون أن كل أفعال نتنياهو، حتى أثناء الحرب، تتم بهدف التخلص من المحاكمة، وإلى جانب رئيس الوزراء، أعضاء مجلس الوزراء الأمني لا يثق بهم المجتمع، لذا فإن الكارثة ستحدث عندما يسقط الصاروخ الأول في تل أبيب، وفي ظل هذه المخاوف، قام رئيس الأركان المشتركة لجيش الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً بزيارة إحدى وحدات قيادة الجبهة الداخلية وناقش معهم أحدث الخطط الدفاعية والتفاعل مع التحديات العملياتية.
تفكك وانقسام غير مسبوق
يعتبر التفكك الداخلي في كيان الاحتلال الإسرائيلي موضوعا يحظى بالكثير من الاهتمام والتحليلات، ويعود ذلك إلى وجود عدة عوامل وعناصر تسهم في هذا التفكك، ومنها الخلافات السياسية حيث يشهد الكيان الإسرائيلي توجهات سياسية متنازع عليها، وتتمثل في النقاشات حول السياسات الداخلية والخارجية والعلاقات مع الفلسطينيين والعرب، وهذه الخلافات يمكن أن تؤثر على وحدة القرارات وتزيد من التوترات الداخلية، كذلك الصراعات الاجتماعية، حيث توجد توترات اجتماعية في المجتمع الإسرائيلي بين الأقليات العربية واليهودية، وكذلك بين اليهود الدينيين والعلمانيين، هذه الصراعات الاجتماعية قد تؤدي إلى تفكك وتمزق داخلي أكبر في المجتمع الإسرائيلي، ناهيك عن قضايا الهجرة والتعددية الثقافية حيث تواجه "إسرائيل" تحديات خطيرة في إدارة التعددية الثقافية والديمغرافية للمهاجرين من مختلف الخلفيات، وهذه القضايا يمكن أن تؤدي إلى توترات داخلية أشد وتفكك أكبر في البنية الاجتماعية، إضافة إلى النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث يعتبر النزاع الفلسطيني الإسرائيلي مصدرًا رئيسيًا للتوترات والانقسامات داخل "إسرائيل" ومع وجود الاحتلال والصراعات المستمرة يمكن أن يؤثر على الوحدة الوطنية المنهارة ويؤدي إلى تفكك داخلي أعمق.
وبالتأكيد! التشرذم الداخلي في الكيان الإسرائيلي ظاهرة متعددة الأوجه يمكن استكشافها من زوايا مختلفة، وفيما يلي بعض الجوانب الإضافية التي يجب مراعاتها:
الانقسامات السياسية: يتسم المشهد السياسي الإسرائيلي بمجموعة من وجهات النظر الأيديولوجية والانتماءات الحزبية، وغالبًا ما تؤدي هذه الانقسامات إلى خلافات حول قضايا رئيسية مثل المستوطنات والسياسات الأمنية والتعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويمكن لهذه الخلافات السياسية أن تخلق توترات داخلية وتعيق اتخاذ القرار المتماسك.
الفوارق الاجتماعية والاقتصادية: حيث تعاني "إسرائيل" من تفاوتات اجتماعية واقتصادية كبيرة، مع تباينات في توزيع الثروة والوصول إلى الموارد بين مختلف شرائح المجتمع، ويمكن أن تؤدي هذه الفوارق إلى اضطرابات اجتماعية وتساهم في الشعور بالانقسام والتشرذم.
الانقسام الديني-العلماني: "إسرائيل" هي كيان لمجموعة متنوعة من الطوائف الدينية والعلمانية، وغالبًا ما تنشأ التوترات بين اليهود المتدينين والسكان العلمانيين فيما يتعلق بمسائل الكيان والدين، بما في ذلك قضايا مثل إعفاءات الخدمة العسكرية للطلاب المتدينين وتأثير القانون الديني على الأمور المدنية.
التنوع العرقي والثقافي للمستوطنين: حيث يتكون المجتمع الإسرائيلي من مجموعات عرقية وثقافية مختلفة، بما في ذلك اليهود الإسرائيليين من خلفيات مختلفة، والمواطنين العرب في "إسرائيل"، ومجتمعات الأقليات الأخرى، ويمكن للتحديات المتعلقة بالاندماج والمساواة والهوية الثقافية أن تساهم في الانقسامات الداخلية والشعور بالانقسام، مع الفجوات بين الأجيال، حيث تعاني "إسرائيل" من فجوات بين الأجيال في وجهات النظر والقيم، وقد يكون للأجيال الشابة أولويات ورؤى مختلفة للمستقبل، ما يؤدي إلى توترات وخلافات مع الأجيال الأكبر سناً.