الوقت - وصل وفد وساطة يضم رجال دين نيجيريين إلى نيامي للقاء أعضاء المجموعة العسكرية التي استولت على السلطة في انقلاب أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم، وفق ما أفاد مصدر مقرّب من الانقلابيين.
وتأتي زيارة وفد الوساطة الذي استقبله رئيس الوزراء المدني المعيّن مؤخرا علي الأمين، في حين تواصل الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) إعطاء الأولوية لحل دبلوماسي للأزمة، بعدما كانت قد أعطت موافقتها على نشر قوة تدخل لإعادة بازوم إلى منصبه.
ومن جهة أخرى قال متحدث باسم برلمان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) السبت: إن المجموعة تعتزم إرسال لجنة برلمانية إلى النيجر لعقد لقاء مع قادة الانقلاب العسكري الذين استولوا على السلطة الشهر الماضي ويرفضون حتى الآن الضغوط الدبلوماسية لإعادة الحكم المدني.
من جهته تلقى رئيس النيجر محمد بازوم المحتجز في مقر إقامته الرسمي “زيارة من طبيبه” السبت، فيما وصل إلى العاصمة نيامي وفد من رجال دين نيجيريين للقاء قادة الانقلاب الممسكين بالسلطة منذ 26 تموز/يوليو.
ويُحتجز محمد بازوم (63 عاما) مع عائلته منذ الانقلاب في الإقامة الرئاسية بالعاصمة.
وقال أحد أقاربه لوكالة فرانس برس إن “رئيس الجمهورية تلقى زيارة من طبيبه” الذي “أحضر له طعاماً”، وكذلك لنجله وزوجته المحتجزَين معه، مضيفا “إنه بخير بالنظر إلى الوضع”.
وأعرب عدد من ممثلي المنظمات والدول الحليفة للنيجر قبل الانقلاب، عن قلقهم بشأن ظروف الاحتجاز والحالة الصحية للرئيس المعزول.
وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد الجمعة عن “قلقه الشديد” حيال “تدهور ظروف احتجاز” بازوم، ورأى أن “مثل هذه المعاملة لرئيس منتخب ديموقراطيا من خلال عملية انتخابية قانونية غير مقبولة”.
كذلك أبدى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن “استياءه” من رفض العسكريين الإفراج عن بازوم وعائلته “كبادرة حسن نية”.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأربعاء أنه “قلق جدا” بشأن “الظروف المعيشية البائسة التي يقال إن الرئيس بازوم يعيش في ظلها مع عائلته”، وفق بيان صادر عن الأمم المتحدة.
في الأثناء، وصل السبت وفد من قادة دينيين مسلمين نيجيريين إلى نيامي للتحدث مع الانقلابيين الذين رفضوا الثلاثاء استقبال وفد من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.
وتأتي الزيارة في حين تواصل “إكواس” إعطاء الأولوية لحل دبلوماسي للأزمة، بعدما كانت قد أعطت موافقتها على نشر قوة تدخل لإعادة بازوم إلى منصبه.
وكان في استقبال الوفد في مطار ديوري حماني رئيس الوزراء المدني المعين حديثا علي محمد الأمين زين.
وقالت وكالة الأنباء النيجرية إن الوفد “التقى في بداية الأسبوع في أبوجا الرئيس الحالي” لإكواس رئيس نيجيريا بولا تينوبو، لمحاولة التوسط بين المنظمة والانقلابيين.
وأكد لفرانس برس مصدر مقرّب من الوفد أن “مهمة الوساطة” ترمي إلى “تهدئة التوترات التي أثارها احتمال التدخل العسكري لإكواس”.
وترتفع أصوات برلمانيين وقادة سياسيين في نيجيريا يطالبون الرئيس بولا تينوبو بإعادة النظر في التدخل العسكري المحتمل من دول غرب إفريقيا في النيجر لإعادة النظام الدستوري.
ووصل الوفد نيامي غداة إرجاء “إكواس” اجتماعا مهما كان مقررا السبت حول نشر قوة التدخل.
وكان يفترض أن يلتقي قادة أركان جيوش دول الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في العاصمة الغانية أكرا من أجل تقديم المشورة لقادة المنظمة بشأن “أفضل الخيارات” في ما يتعلق بقرارهم تفعيل ونشر “قوتها الاحتياطية”.
لكن حسب مصادر عسكرية إقليمية، تم تأجيل الاجتماع “لأسباب فنية” من دون الكشف عن موعد جديد.
والسبت، كتب وزير خارجية النيجر حسومي مسعودو على منصة اكس (تويتر سابقا) أن “الخيار العسكري الذي تدرسه إكواس جديا ليس حربا على النيجر وشعبها، بل عملية أمنية ضد من يحتجز الرهائن وشركائه”.
وكان آلاف من أنصار الانقلابيين في النيجر تجمعوا الجمعة قرب القاعدة العسكرية الفرنسية في العاصمة نيامي.
وهتف المتظاهرون خلال التجمّع “فلتسقط فرنسا، فلتسقط إكواس”، وذلك غداة قمة “إكواس” التي انتهت بالموافقة على تدخّل عسكري محتمل في النيجر.
ورفع المتظاهرون أعلاماً روسية ونيجرية، مؤكّدين دعمهم للعسكريين الذين استولوا على السلطة، وخصوصاً قائدهم الجنرال عبد الرحمن تياني.
ومنذ الانقلاب، يستهدف العسكريون فرنسا بشكل خاص، متّهمين إياها بأنها كانت وراء قرار دول غرب إفريقيا تفعيل “قوة الاحتياط” لديها تمهيداً لنشرها في النيجر لإعادة النظام الدستوري، من دون الكشف عن جدول زمني محدد للتدخل.
وتنشر فرنسا في النيجر نحو 1500 من جنودها بهدف دعم القوات المسلّحة النيجرية في التصدّي للمجموعات الجهادية.
كما يعتبر الانقلابيون أنّ “إكواس” منظمة “تعمل لحساب” فرنسا، واتهموا باريس الأربعاء بانتهاك المجال الجوي المغلق للنيجر، مؤكّدين أنّ طائرة عسكرية فرنسية أتت من تشاد وأن الجيش الفرنسي “حرّر إرهابيين”، وهو اتّهام نفته فرنسا بشدة.
من جهة أخرى استقبل رئيس غينيا الكولونيل مامادي دومبويا، في العاصمة كوناكري، وفدا من المجلس العسكري في النيجر برئاسة الجنرال موسى سالاو بارمو.
وأفاد تلفزيون غينيا الرسمي بأن “وفدا من المجلس العسكري في النيجر، التقى مساء السبت، دومبويا بهدف طلب الدعم”.
وطالب بارمو رئيس غينيا بـ”تعزيز الدعم لمواجهة التحديات المقبلة، فيما تتعرض القوة العسكرية في نيامي لتهديد التدخل الغربي”، حسب المصدر نفسه.
ويرأس دومبويا نظاما في غينيا منبثقا عن انقلاب نفذ في سبتمبر/ أيلول 2021.
وأعلن الجنرال بارمو أنه “جاء ليشكر سلطات غينيا على دعمها للمجلس الوطني لحماية الوطن (اسم يطلقه المجلس العسكري في البلاد على نفسه منذ الانقلاب)، خلال الأوقات الصعبة التي تمر بها النيجر”.
وليست كل دول غرب إفريقيا معارضة للسلطات الجديدة في النيجر، فقد أعلنت كل من مالي وبوركينا فاسو المجاورتين وحيث تتولى السلطة حكومتان عسكريتان استولتا على السلطة عبر انقلابين، أنّ أيّ تدخّل عسكري سيمثّل “إعلان حرب” عليهما.
وأفاد مستشار في الرئاسة المالية طلب عدم الكشف عن هويته، بأن وزير الدفاع النيجري الجديد الجنرال ساليفو مودي قام بزيارة قصيرة إلى مالي الجمعة.
تؤكد التطورات الأخيرة احتمالات الفشل المبكر العسكري لإطاحة انقلاب الجيش في النيجر، وحدوث انقسام كبير في القارة الإفريقية تجاهه، وذلك بسبب تأجيل اجتماع قادة جيوش منظومة “ايكواس” الذي كان مقررا انعقاده في العاصمة الغانية أكرا السبت لوضع خطط التدخل العسكري، وتقديمها إلى القادة السياسيين لاعتمادها، وإعطاء الضوء الأخضر لتنفيذها في أسرع وقت ممكن، واللافت أن قادة الجيش المنقسمين على أنفسهم، لم يحددوا موعدا جديدا، ما يعني أن التدخل العسكري في النيجر يتراجع بشكل متسارع رغم الأحاديث عن عدم استبعاده.
كما يؤكد إرسال وفد من علماء الدين النيجيريين إلى العاصمة النيجرية نيامي حاملا رسالة من رئيس البلاد، على ضرورة حل الأزمة سلميا، وجاءت فكرة هذا الوفد بعد رفض رئيس النيجر استقبال وفد من دول “الايكواس” بسبب تهديد قادة المنظمة باستخدام القوة، والتلويح بالحل العسكري.
والأهم هو عدم تعاطف معظم الشعوب الإفريقية مع مخططات التدخل العسكري وعودة الحكم السابق، بعد أن لمسوا حجم التأييد الشعبي الذي يحظى به من قبل نظيرهم في النيجر، علاوة على الكراهية المتأصلة في نفوس هذه الشعوب للاستعمار الفرنسي لنهبه ثرواتها، ومسؤوليته عن تخلفها.
انقلاب النيجر ما كان له أن ينجح، ويحظى بدعم شعبي، لو كان النظام “الديمقراطي” الذي أطاح به، غير فاسد، ولا يقدم يورانيوم بلاده وذهبها شبه مجانا إلى فرنسا، ولو أنه يدير البلاد وشؤونها بشكل جيد، ونفذ وعوده بإخراج البلاد من دائرة الفقر والتخلف.