الوقت - فرض شهر أغسطس/ آب على الدبلوماسية الجزائرية التعاطي مع أجندة ساخنة، بعد الأحداث غير المتوقعة في النيجر التي ستلقي المزيد من العبء الأمني على حدود البلاد الملتهبة أصلا، ويضاف إلى أحداث هذا الشهر، تحد من نوع آخر، حيث تسعى الجزائر للإقناع بقدرتها على دخول منظمة بريكس قبل أيام من انعقاد اجتماع حاسم بهذا الشأن.
بعد حديث الرئيس عبد المجيد تبون قبل أيام في حواره مع وسائل إعلام محلية، عن وجود خلافات بين دول بريكس قد تعطل مسألة الانضمام، بدأ وزير الخارجية مساعيه من أجل إقناع المتحفظين من دول المنظمة على المزايا التي توفرها الجزائر في حال قبول انضمامها، وذلك فيما يشبه الحملة الانتخابية لدعم حظوظ الجزائر قبل الاجتماع الذي سيناقش هذه المسألة في جنوب إفريقيا يوم 22 أغسطس/ آب الجاري.
وضمن هذا التوجه، استقبل وزير الخارجية أحمد عطاف بتكليف من رئيس الجمهورية، تباعاً، سفراء وممثلي الدول الخمس الأعضاء في مجموعة بريكس المعتمدين لدى الجزائر، ويتعلق الأمر بسفراء كل من الصين وروسيا والهند وكذا القائمَيْن بأعمال سفارتي كل من البرازيل وجنوب إفريقيا بالجزائر.
وتندرج هذه الاجتماعات، وفق بيان الخارجية، في إطار المساعي الرامية لحشد المزيد من الدعم لترشح الجزائر لعضوية مجموعة البريكس، ولا سيما من خلال تسليط الضوء على “مقومات هذا الترشح الذي يستند على إرادة سياسية قوية لدى الرئيس عبد المجيد تبون”، ويستمد خصوصيته من “المبادئ والقيم والمراجع التي ترتكز عليها السياسة الخارجية لبلادنا وهي التي ما فتئت ترافع من أجل قيام نظام دولي متعدد الأقطاب وتعمل في سبيل تفعيل العمل الدولي متعدد الأطراف ودمقرطة العلاقات الدولية.
وفي هذا الإطار، أكد الوزير أحمد عطاف، وفق الخارجية، أن الجزائر بنضالها السياسي المعروف في سبيل إعلاء القيم والمبادئ التي قامت عليها ومن أجلها منظمة البريكس وبالحركية الاقتصادية التي تشهدها في سياق الإصلاحات الرئاسية والتي تتجلى في المؤشرات التنموية الإيجابية التي حققتها بلادنا في السنوات الأخيرة، لتطمح حسبه “لتقديم مساهمة نوعية في نشاط هذا التكتل بما يخدم أهداف السلم والأمن والتنمية والرخاء إقليمياً ودولياً”.
وكان الرئيس تبون قد اعترف بوجود خلافات معطلة داخل هذه المنظمة، وقال إن القوى الكبرى داخل “بريكس” موافقة على انضمام الجزائر لأنها تعلم أهمية البلاد، مثل الصين وروسيا وجنوب إفريقيا، وأوضح أن الجزائر أبدت رغبتها في الدخول لكن الأمر يتعلق بموافقة أعضائها ولا يمكنها أن تفرض نفسها على المنظمة، مشيرا إلى إمكانية الدخول كعضو مراقب في مرحلة أولى.
وأكد الرئيس الجزائري بالمقابل أنه لا توجد عراقيل في الانضمام لبنك بريكس، وقال في هذا الصدد إن الجزائر باتت تملك اليوم أسهما بمليار ونصف المليار دولار داخل البنك الذي يفوق رأسماله البنك العالمي، وأشار إلى وجود حماس من الدول الأعضاء بمن فيهم رئيسة البنك البرازيلية لاستقطاب الجزائر، بالنظر لما توفره البلاد من فرص سواء في أراضيها أو مجالها الجغرافي وعمقها الإفريقي.
وفي سياق موازٍ لا يقل أهمية، تنشط الجزائر بكثافة على صعيد تجنب الحرب في النيجر في أعقاب الانقلاب الأخير الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم.
وفي هذا الصدد، استقبل عطاف المبعوث الخاص لرئيس النيجر، بولا أحمد تينوبو، بصفته الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، وأبلغه رفض الجزائر “خيار اللجوء إلى القوة” ضدّ قادة الانقلاب في النيجر، بعد أن كان قادة “إيكواس” قد لوّحوا بذلك في اجتماعهم الأخير.
وجدّد رئيس الدبلوماسية الجزائرية التأكيد على موقف الجزائر الرافض للانقلاب العسكري على الرئيس الشرعي في هذا البلد الجار، والداعي إلى عودته إلى منصبه الدستوري بصفته رئيس جمهورية النيجر.
كما شدّد على “ضرورة تفعيل كل الطرق والسبل الدبلوماسية والسلمية وتجنب خيار اللجوء إلى القوة الذي لا يمكن إلا أن يزيد الأوضاع تعقيداً وتأزماً وخطورةً على النيجر وعلى المنطقة برمتها.”
وتتخذ الجزائر موقفا حذرا من هذه الأزمة بالنظر للتعقيدات والتداخلات الكثيرة في ملف النيجر والتي تنعكس مباشرة على حدود البلاد الجنوبية، فهي من جهة تدعم عودة محمد بازوم للحكم وترفض الانقلاب الحاصل ضده بشدة وهو الطرح الذي تتبناه مجموعة إيكواس وفرنسا، لكنها في الوقت نفسه ترفض استعمال القوة للتدخل في نيامي تماما، وهي تتلاقى في ذلك مع موقف دول أخرى عرفت نفس مصير النيجر بصعود عسكريين للحكم مثل مالي وبوركينافاسو.
ومع تضاؤل فرص عودة بازوم، تحاول الجزائر تبني “الواقعية السياسية”، من خلال التعامل مع الوضع كما هو، وهو ما يفسر العرض الأخير للرئيس عبد المجيد تبون باقتراح المساعدة على النيجريين في العودة للشرعية التي لا تعني بالضرورة عودة بازوم للحكم بقدر ما يفهم منها اقتراح مسار سلمي يعيد النيجر إلى سكة الانتخابات ويبعدها عن شبح الحرب.
وما تخشاه الجزائر إذا تكرر سيناريو التدخل العسكري الأجنبي في المنطقة، منح ظروف مواتية للجماعات الإرهابية الناشطة بقوة في المنطقة لإعادة تموقعها بما يجعلها تهديدا شاملا للساحل، ناهيك عن الأزمات المتوقعة لنزوح اللاجئين ووقف مشاريع مهمة كانت تراهن عليها الجزائر في تخفيف وطأة الفقر وانعدام التنمية في النيجر، مثل أنبوب الغاز الإفريقي الأوروبي الذي ينطلق من نيجيريا ويمر عبر النيجر ليصل إلى الجزائر كدولة مصب نحو الدول الأوروبية.