الوقت- إن بقاء الصهاينة في المناطق المحتلة من فلسطين هو دائما واحد من القضايا التي تهمهم، حيث قضت الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر أيامها توترا خلال الاثني عشر شهرا الماضية، وقد صنفت الأمم المتحدة عام 2023 على أنه أكثر الأعوام دموية في الضفة الغربية منذ 2005.
حتى في الوضع الحالي، عندما استولت الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان الصهيوني على السلطة، يطرح الصهاينة السؤال عما إذا كان من الممكن البقاء أم لا؟ كتبت جوراليزم بوست في تقريرها عن حاخام يدعى "ستيوارت فايس" إن حكومة نتنياهو الجديدة، التي وصلت إلى السلطة، ستقر الكثير من القوانين واللوائح الفظيعة والكارثية حيث سيكون من المستحيل البقاء هنا.
ويقال في هذا التقرير إنه مع وصول نتنياهو إلى السلطة، يمكن التنبؤ بكل أنواع السيناريوهات الرهيبة، من الإفلاس الوطني إلى تدمير الجيش الإسرائيلي، وهناك الكثير من الحديث عن نزوح جماعي للسكان الساخطين من البلاد، كما أن هناك حديث حتى عن خلق "الهجرة العكسية"، يعني ذلك هجرة اليهود من فلسطين إلى بلاد أخرى إلى الأبد! يقر مؤلف تقرير جوراليزم بوست في تقريره برغبة اليهود في الهجرة الدائمة من فلسطين، لكنه يضيف إنه لن تقبلهم أي دولة، لأن هناك دائمًا نظرة سلبية للصهاينة حتى في المجتمعات الأوروبية، وبغض النظر عن هذا الادعاء، فإن واقع هذه الأيام من الكيان الصهيوني يشير إلى رغبة أكبر في الهجرة من فلسطين المحتلة.
عام 2022، عام الهجرة العكسية المتزايدة
أعلنت وسائل إعلام عبرية في عدة تقارير أن عام 2022 شهد زيادة في الهجرة العكسية للمهاجرين الصهاينة من الأراضي المحتلة إلى موطنهم الأصلي أو بقية العالم.
أعلنت التايمز أوف إسرائيل في تقرير تحليلي أن عدد حالات الهجرة العكسية للمهاجرين الصهاينة من الأراضي المحتلة في عام 2022 قد زاد بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة.
وأعلنت وسائل الإعلام العبرية هذه أن مركز سياسة الهجرة قام بتحليل بيانات مكتب إحصائيات إسرائيل المركزية لعام 2022 وأعلن أنه على الرغم من أن عدد المهاجرين إلى (فلسطين المحتلة) كان غير مسبوق في السنوات الـ 23 الماضية، إلا أننا ما زلنا نشهد انخفاضًا بنسبة 0.3٪ في الأغلبية اليهودية في (فلسطين المحتلة).
وحسب هذه البيانات، فقد انخفضت نسبة الغالبية اليهودية في (الأراضي المحتلة) من 73.9٪ نهاية عام 2021 إلى 73.6٪ نهاية عام 2022، وبذلك انخفضت نسبة الأغلبية اليهودية في فلسطين المحتلة بنسبة 10٪ عن 3 عقود الماضية، وهو ما يشير بحد ذاته إلى خروج عدد كبير من الصهاينة من فلسطين المحتلة إلى بلادهم أو الهجرة إلى دول أخرى في العالم.
لماذا تراجعت هجرة اليهود إلى "إسرائيل"؟
شهدت معدلات هجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة تراجعا غير مسبوق في النصف الأول من عام 2023، وذلك في ظل التوتر الأمني وتصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية، والأزمات الداخلية التي تعصف بـ"إسرائيل"، وحسب بيانات وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية، والوكالة اليهودية؛ فقد انخفضت الهجرة إلى فلسطين بشكل حاد في النصف الأول من العام الجاري، حيث تراجعت نسبة استقدام اليهود بنحو 20% من أميركا وأوروبا، ووفقا لتقديرات المحللين، فإن ذلك يعود إلى تصاعد التوتر الأمني والمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، الذي تسبب في مقتل 29 إسرائيليا، أغلبهم من المستوطنين وجنود الاحتلال، إضافة إلى خطة حكومة بنيامين نتنياهو تجاه التعديلات في الجهاز القضائي؛ وهو ما جعل "إسرائيل" وجهة غير مرغوبة للهجرة، وأظهرت الأرقام انخفاضا حادا في عدد المهاجرين من البلدان التي يأتي منها عادة عدد كبير من المهاجرين، وخاصة أوكرانيا والولايات المتحدة وفرنسا، وكذلك تم تسجيل التراجع بين المهاجرين من بريطانيا وإيطاليا وجنوب أفريقيا، فضلا عن دول أميركا اللاتينية.
معدلات الهجرة عام 2023
ووفقا للمعطيات الرسمية الصادرة عن الوكالة اليهودية، وصل في النصف الأول من العام الحالي 29 ألفا و293 مهاجرا إلى "إسرائيل"، بانخفاض قدره 20% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.
وحسب الوكالة، فإن 78% من المهاجرين الجدد تم استقدامهم من روسيا، حيث كان التغيير في عدد المهاجرين على مر السنين مرتبطا بالوضع الاقتصادي لـ"إسرائيل"، مقارنة ببلد المنشأ للمهاجرين اليهود.
وارتفعت الهجرة من روسيا إلى "إسرائيل" بنسبة الثلث تقريبا، حيث وصل 22 ألفا و851 مهاجرا من روسيا إلى "إسرائيل"، وتزايدت الهجرة من روسيا منذ الحرب مع أوكرانيا.
في المقابل، هاجر 1463 أوكرانيا إلى "إسرائيل" في الفترة ذاتها، بانخفاض قدره 88% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.
وتشير تقديرات الوكالة اليهودية إلى أن إمكانية الهجرة من أوكرانيا ربما تكون قد استنفدت، وأن السكان اليهود في أوكرانيا قد يكونون أقل مما كان يُعتقد في "إسرائيل".
وانخفضت الهجرة واستقدام اليهود من الولايات المتحدة بنحو الثلث، مع وصول 785 يهوديا أميركيا إلى فلسطين منذ مطلع العام الحالي، بينما انخفضت الهجرة من فرنسا بنسبة 59%، مع استقدام أقل من 400 فرنسي إلى البلاد في الأشهر الستة الماضية.
سلسلة إخفاقات
وعزا المحلل السياسي بلال ضاهر تراجع معدل هجرة اليهود إلى عدة عوامل؛ أبرزها التوتر الأمني وتصاعد المقاومة، وكذلك الأزمات الداخلية في "إسرائيل"، وخاصة أزمة قانون الجهاز القضائي.
وفي حديثه لوسائل الإعلام، أشار ضاهر إلى أن التجارب أظهرت أنه خلال الانتفاضة الثانية في فلسطين والحرب الثانية على لبنان تراجعت هجرة اليهود بشكل ملفت، ووصلت إلى تعليقها في بعض الفترات، مبينا أنه في عام 2022 كانت هناك سلسلة من الفشل في استيعاب المهاجرين من أوكرانيا، حيث تم توطين بعضهم في المستوطنات بالضفة، و"الإتجار ببعض النساء وتشغيلهن في الدعارة"، حسب وصفه.
وعن أسباب ارتفاع معدلات الهجرة من روسيا، رجح ضاهر أن المهاجرين من روسيا يهربون من التجنيد في الجيش الروسي، أو بسبب ما وصفته الوكالة اليهودية بأنه "انتهاك حقوق الإنسان في البلاد في ظل نظام فلاديمير بوتين"، كما أن الاقتصاد الروسي المتدهور يشجع أيضا على الهجرة.
هجرة عكسية
وأشار ضاهر إلى أن الهجرة من روسيا ودول أوروبا الشرقية استراتيجية مهمة لتوفير الحلول لسوق العمل الإسرائيلي، ولضمان مستقبل "إسرائيل" التي تعاني من نقص حاد في العمالة في مختلف المجالات، وخاصة في الصناعات الأساسية والتكنولوجيا، وهو ما يشير إلى وجود هجرة عكسية في صفوف الشباب وأصحاب الاختصاص.
ولفت إلى بوادر هجرة عكسية من شأنها أن تتوسع مستقبلا في حال تمت المصادقة النهائية على التعديلات في الجهاز القضائي، مضيفا إن "الاستيعاب والاستقدام الناجح للهجرة من روسيا في النقب باتا أكثر أهمية من أي وقت مضى بسبب النقص في المهن التكنولوجية والهندسية".
وعزا ذلك إلى النقص الحاد في سوق العمل الإسرائيلي في النقب والجليل، حيث ينقص الصناعات الإسرائيلية نحو 15 ألف مهندس في كل الاختصاصات والمجالات، كما أظهرت استنتاجات لجنة رأس المال البشري في التكنولوجيا أنه خلال 5 سنوات سيكون هناك نقص بنحو 100 ألف عامل في هذا المجال.
خمسون في المئة "زيادة الرغبة" في الهجرة بين الشباب
ووفقًا للإحصاءات التي نشرها المكتب المركزي للإحصاء في الكيان الصهيوني، فقد خرج 720 ألف مهاجر يهودي من فلسطين المحتلة منذ عام 1948 حتى نهاية عام 2015، ولم يعودوا أبدًا. وحسب الإحصائيات المنشورة، فقد واجه الصهاينة ميزان هجرة سلبي لأول مرة منذ عام 2009، حيث بلغ في عام عدد اليهود 2018 الذين اختاروا أن يعيشوا بقية حياتهم خارج فلسطين المحتلة وتركوا هذه الأرض 16 ألفًا و700 شخص، في حين أن العدد الرسمي للأشخاص الذين تم نقلهم من مناطق مختلفة من العالم إلى فلسطين المحتلة بلغ 8،500 شخص فقط.
وحسب نتائج البحث الذي أجري قبل أربع سنوات في فلسطين المحتلة، فقد كانت نسبة اليهود الذين هاجروا من فلسطين المحتلة 2 ألف، بينما بلغ عدد المهاجرين إلى فلسطين المحتلة في العام نفسه حدًا أقصى 1 ألف، والذي وفقا لإحصائيات غير رسمية أكثر من ذلك بكثير.
ومن النقاط اللافتة للنظر في الإحصائيات المنشورة أن حوالي نصف الذين فضلوا الهجرة من فلسطين المحتلة على الاستمرار في العيش فيها ولدوا في هذه الأرض، بينما وُلِد النصف الآخر من اليهود خارجها.
وحسب الإحصائيات المنشورة بين عامي 2018 و2020، فإن أكثر من 50 في المئة من الشباب الصهيوني يفضلون عدم العودة إلى الأراضي المحتلة بعد الدراسة في الخارج.
وفي هذا السياق، خلال هذه السنوات، تفضل أكثر من 40٪ من العائلات اليهودية أن يدرس أبناؤها خارج الأراضي المحتلة وألا يعودوا.
كل هذه الإحصائيات تظهر أن "إسرائيل" لن تكون بعد الآن مكانًا آمنًا للصهاينة والعديد من اليهود، ولن يمر وقت طويل قبل أن ينهار هذا الكيان المزيف من الداخل بسبب الأزمات.