الوقت- زار وفد فرنسي شمال وشرق سوريا، يوم الاثنين الماضي، برئاسة ستيفان روماتيه رئيس مركز الأزمات والطوارئ في وزارة الخارجية الفرنسية مع الوفد المرافق له، والتقى القيادات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية، وعقد عدة اجتماعات مع دائرة العلاقات الخارجية، إذ استقبلتهم الهيئة الرئاسية وعضو الهيئة الإدارية لدائرة العلاقات الخارجية، ولانا حسين ممثلةً عن YPJ. وتباحث الجانبان في آليات العمل المشترك في سبيل إيجاد السبل المناسبة لتعزيز العلاقات بين الإدارة الذاتية وجمهورية فرنسا في المجالات العسكرية والسياسية والخدمية. من جانبها أكدت سمر العبد الله الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أهمية دور فرنسا في إرساء الأمن والاستقرار السياسي كدولة فاعلة في المجتمع الدولي.
وتطرقت العبد الله للتحديات التي تواجه الإدارة الذاتية لا سيما الهجمات اليومية من قبل الدولة التركية عبر طيرانها المسير وضربها للمدنيين والعاملين في الإدارة الذاتية، وبالهجوم الأخير الذي أدى لاستشهاد الرئيسة المشتركة لمقاطعة قامشلو ونائبتها بالإضافة إلى سائقهم فيما جرح الرئيس المشترك أثناء عملهم الإداري، وأنَّ كل هذا يقوّض جهود القوات العسكرية والتحالف الدولي في محاربة داعش، وفيما يتعلق بالاجتماعات الأخيرة التي حدثت وخصوصًا ما صدر عن اجتماع أستانا الأخير حيث كان تحولًا خطيرًا على مستقبل الشعب السوري.
سوريا تدين دخول وفد فرنسي إلى شمال شرق البلاد
دانت سوريا دخول وفد من وزارة الخارجية الفرنسية إلى شمال شرق البلاد، معتبرة أن ذلك "انتهاك سافر لأبسط القوانين والأعراف الدولية". ونقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية قوله إن "لقاء الوفد الفرنسي التنظيمات الانفصالية الانعزالية يشكل انتهاكاً سافراً لسيادة ووحدة الأراضي السورية، ويظهر مجدداً الدور التخريبي والعداء الفرنسي المستحكم لسوريا، وشراكة فرنسا الكاملة في العدوان على سوريا، من خلال دعمها المجموعات الإرهابية والميليشيات الانفصالية". وأضاف المصدر إن سوريا "تذكر الحكومة الفرنسية بأن مكافحة الإرهاب تكون بالتعاون مع الدولة السورية التي واجهت هذا الإرهاب، وليس بالتعاون مع التنظيمات الانفصالية التي شكلت غطاء للحكومة الفرنسية، ويجمعها معها هدف واحد هو العداء لسوريا وشعبها وانتهاك سيادتها، والمس بوحدة أراضيها".
وطالب المصدر الرسمي للخارجية السورية المجتمع الدولي بـ "إدانة هذه السلوكيات الرعناء للحكومة الفرنسية، ومطالبتها باحترام الشرعية والقوانين الدولية والالتفات إلى مشاكلها الداخلية التي كانت حديث العالم أجمع مؤخراً". وكان وفد حكومي فرنسي، برئاسة رئيس مركز الأزمات والطوارئ في وزارة الخارجية الفرنسية، ستيفان روماتيه، أجرى زيارة إلى شمال غرب سوريا، مطلع تموز الجاري، التقى خلالها مسؤولين في "الإدارة الذاتية"، وأعاد 25 طفلاً و10 نساء من المخيمات التي تحتجز فيها "قوات سوريا الديمقراطية" عناصر من "تنظيم الدولة" وعائلاتهم.
فرنسا.. تاريخ أسود وعداء غير مسبوق للدولة والشعب السوريين
لم يعد من السهولة بمكان الحديث عن فرنسا الدولة "العظمى". وبات من الضروري إثبات التوصيف واللقب وفصل الدعاية عن الحقيقة والسم عن الدسم، إذ لم يعد بإمكانها التغني بأجبانها وعطورها ومبدعيها، وبادعاءات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وباتت تجد نفسها عاجزة عن محو تاريخها الأسود والفظائع التي ارتكبتها بحق عشرات الدول والشعوب، بدءاً من سوريا، وليس انتهاء بأبعد جزر الكاريبي، مروراً بالقرن والساحل العربي والأفريقي، وصولاً إلى غرب وقلب القارة السمراء، بعد أن أثبتت نفسها كقوة استعمار واحتلال بلا قلب ولا رحمة، وغابت عنها الحكمة وبراعة الدبلوماسية، وقادتها ذهنية حمقاء قاصرة، جعلتها تحصد الفشل تلو الفشل، وحوّلتها إلى دولة تابعة تشبه عبيد "مستعمراتها.
إن تراكم أخطاء فرنسا من خلال ذهنية الأطماع بالقوة، جعلها، ومنذ سبعينيات القرن المنصرم، تنجب الرؤساء ولا تنجب القادة، والذين تقاسموا فخر إضاعة إرثها وهيبتها، وارتكبوا الكثير من الأخطاء الفادحة، وأثبتوا عدم قدرتهم على فهم المرحلة والمتغيرات الدولية واستيعابها، وتصرفوا على أساس الماضي وأنها لا تزال الدولة العظمى، الأمر الذي تُرجم بخسارات مباشرة للنفوذ والمصالح الفرنسية حول العالم، فقد سعت من خلال اتفاقية "سايكس بيكو" إلى احتلال سوريا التاريخية، طمعاً بثرواتها وموقعها الجغرافي الذي يمنحها فرصة السيطرة على البوابة الشمالية للشرق الأوسط ولجم الذهنية العثمانية التوسعية نحو منطقة الأطماع الفرنسية.
وعبر تاريخها الاستعماري، اكتفت بالقوة والبطش والإرهاب للوصول إلى غاياتها وأطماعها في استعباد الشعوب ونهب ثرواتها ومقدراتها. ولكم في جرائمها وبطشها في تونس والمغرب ومالي وساحل العاج والنيجر والسنغال وتوجو والكاميرون وتشاد والكونغو والغابون وليبيا وسوريا ولبنان نموذج عن سياساتها... ناهيك بمجازرها في الجزائر ومجزرة نهر السين بحق الجزائريين في باريس، من دون أن ننسى مذبحة كالينغو بحق السكان الأصليين في جزر الهند الغربية (الكاريبي) في العام 1626 وقتل الزعيم الثائر "تيغريموند" ... كذلك عمدت حتى بعد رحيلها عن بعض أراضي "مستعمراتها" إلى التدخل في شؤون تلك الدول وزعزعة استقرار أنظمتها السياسية، ودعمت عشرات الانقلابات فيها، ودأبت على تنصيب عملائها ودعم ميليشياتها.
لقد أوقعتها تلك الذهنية في أخطاء استراتيجية لم تكن لتحسب حسابها، إذ استغلت احتلالها لسوريا كي تمسك ببوابة الشرق الأوسط الشمالية لإحكام سيطرتها واستفادتها من موقع سوريا الجغرافي للسيطرة على العالم القديم برمته، ودفعت بمشروع تقسيم سوريا إلى 4 دويلات، وكان لها "الفضل" في انقسام الشارع العربي ما بين دعم المشروع العربي انطلاقاً من سوريا ومشروع لبنان الكبير إضعافاً لها، وسعت بقوة لإصدار القرار 1559 لإخراج سوريا من لبنان، والتفرغ للقضاء على المقاومة ونزع سلاحها، ولاحقاً الانضمام إلى التحالف الدولي الستيني الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة، لاحتلال سوريا وتدميرها وتقسيمها، بعدما ساقت سموم أكذوبة "الربيع العربي" عبر هنري ليفي.
وعمدت إلى إقامة قواعد عسكرية في الأراضي السورية في شرق البلاد، ودعمت الانفصاليين المحليين والغرباء، ودعمت وموّلت وسلّحت كل أشكال وصنوف الجماعات الإرهابية، ولم يُخف وزير خارجيّتها السابق ج. م. إيرولت إعجابه بما تقوم به "الخوذ البيضاء – تنظيم جبهة النصرة" في سوريا، وعاثت أجهزة استخباراتها فساداً في الجنوب السوري عبر عملائها وبعض الخونة، وشاركت بتطبيق الحصار الأميركي الجائر على سوريا. كذلك، قبعت خارجيتها منذ العام 2011 في مجلس الأمن الدولي، وقدَّمت عشرات مشاريع القرارات ضد الدولة والشعب السوريين، ووصل بها الحال إلى تقديم مشروع قرار إلغاء الفيتو، لحرمان سوريا من دعم المنصفين والحلفاء، وحملت على كتفها ملف السلاح الكيماوي المزيّف والمزور، وتجرأت على رسم الخطوط الحمراء لدمشق.
وقد تلقى هذا الاجتماع رداً سورياً طال فرنسا بشكل غير مباشر، وحذّرت فيه الخارجية السورية "قسد" من جولاتها الترويجية لمشاريعها الانفصالية "التي يرفضها الشعب السوري بكل أطيافه". ومؤخراً، وفي موقف عدائي إضافي، دانت الخارجية الفرنسية، في بيان، التحرك العسكري السوري نحو الجنوب لتطهير درعا وما حولها من الإرهابيين والانفصاليين، واستخدمت فيه مفرداتٍ وقحة ومجافية للحقيقة، وصريحة لجهة العداء الفرنسي الرهيب للدولة والشعب السوري، وسط تأكيد الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أن كل المناطق السورية "لن تستعيد الاستقرار في ظل غياب عملية سياسية" لطالما شاركت فرنسا بمنعها. واستدعى البيان الفرنسي رداً قوياً من الخارجية السورية، أكدت من خلاله "الرفض السوري التام" للادعاءات الفرنسية المبنية "على الكذب والنفاق ودعم الإرهاب"، واستمرار النظام الفرنسي "بتقديم الدعم المادي والإعلامي للإرهابيين والانفصاليين في سوريا، خلافاً لجميع قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى الحفاظ على وحدة الشعب السوري وترابه الوطني واستقلاله وسيادته".
ختاماً، لا بد من أن يكون واضحاً أن القضية الأساسية بالنسبة إلى دمشق هي رفض الوجود الأجنبي اللاشرعي على كامل الأراضي السورية، وأن الدعم الغربي والفرنسي، وخصوصاً للإرهابيين والانفصاليين، في المناطق الأكثر حيوية للدولة والشعب السوري، يعتبر احتلالاً سافراً وتدخلاً في الشؤون الداخلية السورية، ويتعارض مع القانون الدولي والإنساني وميثاق الأمم المتحدة، ويساهم بمنع سوريا من محاربة الإرهاب، ويشكل خطراً على وحدة أراضيها وسيادتها، ويساهم بإطالة أمد الحرب عليها، وبتفاقم آثار العقوبات الغربية الظالمة الأحادية الجانب الفرنسية والغربية، ويطال شعبها بشكل رئيسي ومباشر في حياتهم وقوتهم وفي مواجهة جائحة كورونا، لكن سوريا ماضية، وبكل إصرار وثقة، نحو "تحرير كل شبر"، وعينها على مواجهة السيد الأميركي، وليس على مواجهة أتباع واشنطن في قصر الإليزيه، الذين ما زالوا يعيشون أوهام "الدولة الفرنسية العظمى"، بعدما أظهروا للسوريين عدائية بما يكفي لإزالة مساحيق التجميل عن الوجه الفرنسي القبيح منذ قرن وحتى اليوم.