الوقت- ركّزت شعارات بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني مؤخراً، على الاحتجاج على جنود جيش الاحتلال، حيث خاطب نتنياهو الجنود الذين ضد الإصلاحات القضائية في صفوف الجيش الإسرائيلي وهدد باستخدام كل الإجراءات اللازمة للتعامل مع التمرد والفوضى داخل الجيش، متناسيّا الأسباب التي تدفع بعض الجنود إلى الهروب من الخدمة العسكرية، ومبتعدا عن سياسة الدعم والمساندة لهم لمساعدتهم على تجاوز هذه المشكلة الخطيرة، وبالتالي لا يرغب كبير الفاشيين بالتعامل مع هذه القضية بشكل شامل ومن خلال الحوار والتفاهم بين الحكومة والمجتمع والجيش، وباحترام الحقوق والحريات الأساسية للأفراد، بل من خلال نهج "إما أنا أو أنتم"، كما تقول الوقائع، والدليل أنه في اجتماع مجلس الوزراء الأخير، أشار للجيش الإسرائيلي إلى أنه من المستحيل على ما أسماها "مجموعة داخل الجيش الإسرائيلي" أن تهدد مجلس الوزراء.
أهداف نتنياهو
لا شك أن هناك وجهات نظر مختلفة حول حكومة نتنياهو ودورها السلبي الكبير في مستقبل "إسرائيل"، ومن بين هذه الوجهات النظر هو أن الاعتقاد بأن سياسات نتنياهو تهدد الديمقراطية في كيان الاحتلال، ويرى بعض النقاد أنه يستخدم السلطة والقضاء ووسائل الإعلام لتحقيق أهدافه السياسية، ويميل إلى تقويض الحريات الأساسية والمؤسسات الديمقراطية في كيان الاحتلال، ناهيك عن الاعتقاد بأن نتنياهو يضر بالعلاقات الدولية لتل أبيب، حيث يرى بعض المحللين أن سياسات نتنياهو وتصرفاته الخارجية تؤدي إلى زعزعة العلاقات بين الكيان والعالم العربي والإسلامي والغربي، وتقليل فرص التعاون والتفاهم مع الدول الأخرى، إضافة إلى الاعتقاد بأن نتنياهو يسعى إلى تعزيز الاستيطان وتقسيم الأراضي الفلسطينية، ويرى المعارضون لنتنياهو أنه يسعى إلى تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، والتصرف بطريقة تعزز التقسيم الإداري للأراضي الفلسطينية، ما يعرض حل الدولتين للخطر ويزعزع الاستقرار في المنطقة.
وعلى الرغم من أن وجهات النظر هذه لا تمثل عددا قليلا بشأن حكومة نتنياهو، وتوجد آراء مختلفة وأكثر تشددا بكثير حول دوره وأثره على مستقبل الكيان الاسرائيلي، لا يتم التعامل مع هذه القضية على المستوى الحكومي الإسرائيلي بحكمة ومسؤولية، وباحترام القانون والحقوق الأساسية للجميع، وبرهانا على ذلك ما تحدث به مجلس الوزراء الإسرائيلي حول أنه لن يتسامح مع ما وصفها "أعمال الشغب" تحت أي ظرف من الظروف، وسيتخذ جميع الإجراءات اللازمة للتعامل مع تلك الأعمال التي تعرض الجميع للخطر، حسب ادعائه.
جاءت تصريحات نتنياهو اليوم ردًا على موجة الاستياء المتزايدة بين جنود الكيان الصهيوني من تقدم الانقلاب القضائي لحكومة نتنياهو. وفي الأيام الأخيرة، وقّع العديد من الطيارين والجنود من وحدات أخرى في الجيش الصهيوني عرائض وهددوا بالانسحاب من الخدمة في الجيش إذا تم تنفيذ انقلاب نتنياهو القضائي بهدف تقليص صلاحيات القضاء والمدعي العام في الكيان الصهيوني، فيما أعلنت إذاعة الجيش الصهيوني مؤخرا أن 300 من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي في دائرة الهجمات الإلكترونية أعلنوا أنهم أوقفوا تعاونهم مع هذه الوحدة احتجاجا على انقلاب نتنياهو القضائي، وفي الوقت نفسه، اعتبر 800 جندي سابق في المخابرات الصهيونية وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) في رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف جالانت أن "إصلاحات المحكمة العليا" تشكل "تهديدًا أمنيًا فوريًا". وطالبوا الحكومة بالتخلي عنها.
ويعتبر موضوع الأهداف الخطيرة لنتنياهو وجهة نظر تتحدث عن تحليلات وآراء صادرة عن معارضيه، ويمكن تأكيد صحة هذه الأقوال أو الاستنتاجات من الواقع الإسرائيلي اليوم، ويمكن ذكر بعض الآراء والمواقف التي قد تشير إلى معارضة نتنياهو وأهدافه، ومن بينها اتهامات بالفساد، وقد صدرت اتهامات بالفساد ضد نتنياهو وعدد من المقربين منه، ويرى بعض المعارضين أن هذه الاتهامات تؤكد أن نتنياهو يستخدم السلطة لتحقيق مصالحه الشخصية والسياسية، إضافة إلى تصعيد الصراع مع الفلسطينيين: حيث يعتقد بعض المعارضين أن نتنياهو يسعى إلى تصعيد الصراع مع الفلسطينيين وتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو ما يعرض حل الدولتين للخطر ويزعزع الاستقرار في المنطقة، ناهيك عن تقويض "المؤسسات الديمقراطية" ويرون أن نتنياهو يحاول تقويض المؤسسات الديمقراطية في تل أبيب، مثل القضاء والصحافة والحريات الأساسية، وذلك لتحقيق أهدافه السياسية.
رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي وتأثيراته
في كيان الاحتلال الإسرائيلي، تعتبر الخدمة العسكرية إجبارية لجميع المهاجرين الإسرائيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 21 عامًا، مع بعض الاستثناءات لبعض الأشخاص، وعادة ما يتم تقديم الخدمة العسكرية كفرصة لتعلم المهارات العسكرية والقيادية وتطوير الثقة بالنفس والعمل الجماعي على حد زعم القيادات، كما كان يعتبر الجيش في الكيان جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية الإسرائيلية، لكن كل ذلك تغير اليوم، حيث بات الإسرائيليون الذين يرفضون الخدمة العسكرية لأسباب مختلفة محط أنظار العالم، وذلك لأسباب دينية أو أخلاقية أو سياسية، وبالرغم من أن القانون الاحتلالي يتطلب من جميع الصهاينة الخدمة العسكرية، فإن الخدمة العسكرية باتت امراً غير مرغوب فيه، ويتم رفض الالتحاق بشكل جماعيّ.
ولا يهم الجنود ما إذا كان رفض الخدمة العسكرية يؤثر على المستقبل المهني والاجتماعي للشخص في الكيان، وأن ذلك يؤثر على فرص العمل والترقي في الحياة المهنية في المستقبل، حيث لم يعد الجيش جزءًا أساسيًا من الهوية الاحتلالية والتكوين الاجتماعي للمجتمع الذي لم يعد يهتم لهذا الأمر بسبب وضوح الصورة الحكومية وأهدافها، مع وجود الكثير من الإسرائيليين الذين يرفضون الخدمة العسكرية ويستخدمون ذلك كمنصة للتعبير عن الرأي السياسي أو الاجتماعي، ويتمتعون بدعم وتقدير من بعض الجماعات الإسرائيلية.
ومن غير المهم بالنسبة لهم، مدى تأثير رفض الخدمة العسكرية على حياة الشخص في الكيان، والذي قد يعرّض الشخص للتمييز أو الاستبعاد الاجتماعي من بعض التابعين لنتنياهو أو الأفراد الذين يرون الخدمة العسكرية كجزء لا يتجزأ من الاحتلال، حيث يمكن أن يؤثر رفض الخدمة العسكرية على فرص العمل والترقي في المستقبل، لكن رغم ذلك فإن الجنود الصهاينة مصممون على رفض الخدمة العسكرية نتيجة للضغوط الاجتماعية والحكومية، غير آبهين بأن رفض الخدمة العسكرية يمكن أن يؤدي إلى خسارة بعض الفرص في الحياة المهنية والأكاديمية، وقد يتعرض الشخص للتمييز في بعض المؤسسات التعليمية والوظيفية التي تعتمد على الخبرات العسكرية كمؤهلات مهمة للتوظيف والترقي، ومن الممكن أن يتعرض الشخص الذي يرفض الخدمة العسكرية للاضطهاد الديني أو السياسي، وخاصة إذا كانت أسباب رفضه للخدمة تتعلق بمعتقداته وقناعاته الدينية أو السياسية، في وقت تحظى فيه بعض الشخصيات الإسرائيلية المعروفة بشخصيات الاحتجاج والمدافعين عن حقوق الإنسان بدعم كبير من المجتمع الإسرائيلي.
وعلى صعيد تأثير هذا الملف الخطير على "مستقبل إسرائيل"، فإنّ رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي يمكن أن يؤثر على مستقبل كيان الاحتلال في العديد من الجوانب، ومنها تأثير على القوة العسكرية، حيث يعتبر الجيش الإسرائيلي نفسه أحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، ويعتمد بشكل كبير على الجنود الشباب الذين يخدمون في صفوفه، وبما أن رفض الخدمة العسكرية يعني انخفاض عدد الجنود والمجندين، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل قوة الجيش وقدرته على الدفاع عن الكيان الاحتلاليّ في حالات الحروب والنزاعات، إضافة إلى تأثير ذلك على الاستيطان والحدود، حيث يمثل الجيش الإسرائيلي السلطة العسكرية الرئيسية التي تسيطر على الأراضي الفلسطينية المحتلة والمستوطنات الإسرائيلية فيها، وبما أن رفض الخدمة العسكرية يعني تقليل عدد الجنود، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل قوة الجيش في المناطق المحتلة وتأثير ذلك على الاستيطان والحدود.
وإضافة إلى ما ذكرناه، يجب ألا ننسى تأثير هذا الملف الحساس على السياسة الداخلية، وخاصة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي بات جزءًا أساسيًا المشكلة، ويعتمد عليه الكثير من القيادات في الكيان لحماية مصالحهم السياسية، وبما أن رفض الخدمة العسكرية يمثل تحديًا لهذه الهوية الاحتلالية، فقد يؤدي ذلك إلى تأثير خطير على السياسة الداخلية في تل أبيب وعلى العلاقات بين الجماعات السياسية والاجتماعية فيها، ناهيك عن تأثير ذلك على العلاقات الدولية، حيث يعتبر الجيش الإسرائيلي أحد أكبر جيوش الكيانات في العالم، وتستخدمه الكثير من العواصم كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية في المنطقة، وبما أن رفض الخدمة العسكرية يمثل تحديًا كبيرا للحكومة الإسرائيلية، فقد يؤدي ذلك إلى تأثير على العلاقات الدولية بالكيان وعلى مكانة تل أبيب المهزوزة في المجتمع الدولي.
في النهاية، إنّ رفض الخدمة العسكرية في كيان الاحتلال الإسرائيلي يعتبر قضية حساسة ومثيرة للجدل، وإن الأمر يعتمد على انقسام قيم الأشخاص ومعتقداتهم الشخصية في المجتمع الإسرائيلي، والذي لم يعد يتعامل بشكل مسؤول ومتسامح مع هذه القضية الجوهرية، مع عدم احترام تل أبيب حق الأفراد في اتخاذ القرارات الشخصية المهمة بالنسبة لهم، إضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية تساهم في زيادة فجوة العلاقة بين الشباب والجيش من خلال ظروف الحياة الصعبة للجنود الذين يخدمون في جيش يديره أشخاص غير متزنين، بما في ذلك جعل الظروف المعيشية والصحية والنفسية أسوأ، ما جعل الشباب الذين يفكرون في رفض الخدمة العسكرية، أكثر بكثير.