الوقت - تسارعت وتيرة التقدم العسكري الإيراني خلال العقد الماضي، إلى درجة أن الدول الغربية التي كانت حتى وقت قريب تتحدث عن القدرة العسكرية لإيران بنهج ازدراء ومقلل من شأنها، الآن من خلال الاعتراف بكفاءة الأسلحة الإيرانية وقدرة طهران على تصنيع أسلحة متطورة، فقد تحولت نحو توجيه التهديدات ومنع دخولها على نطاق واسع إلى الأسواق العالمية.
مرت ثلاثة أيام على اجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن إيران، حيث حاولت الدول الغربية الأعضاء في هذه المنظمة بقيادة بريطانيا مرةً أخرى طرح مزاعمها التي لا أساس لها من الصحة، حول استخدام روسيا المكثف للأسلحة الإيرانية في حرب أوكرانيا، واستخدام ذلك ذريعةً لإعلان انتهاك إيران لبنود قرار مجلس الأمن رقم 2231 وممارسة ضغوط سياسية على طهران.
كان الحدث المهم في هذا الاجتماع هو الإجراء المتعمد للغربيين، المتمثل في دعوة ممثل أوكرانيا حتى يتم ربط مصير القرار رقم 2231 بشأن برنامج إيران النووي، وتحديداً رفع حظر الأسلحة، بالتوتر بين روسيا والغرب في اجتماع لا علاقة له بالتطورات في أوكرانيا.
بالطبع، هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا، حيث إنه في الاجتماع السابق لهذا المجلس في ديسمبر 2022 بشأن القرار رقم 2231، وجّه ممثل أمريكا روبرت وود عدة اتهامات، بما في ذلك الادعاء غير المؤكد بإرسال ذخيرة وأسلحة من موانئ إيرانية إلى اليمن، وكذلك الادعاء بلا دليل وسبب باستخدام روسيا للطائرات الإيرانية دون طيار لمهاجمة البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، واعتبر هذه الحالات المزعومة دليلاً على انتهاك خطير للقرار 2231.
ماذا يقول القرار 2231؟
قبل ما يقرب من ثماني سنوات تقريبًا، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2231، الذي وافق على الاتفاق النووي برفع جميع العقوبات المفروضة على طهران، مقابل إجراءات بناء الثقة من قبل إيران لفترة زمنية محددة.
وعلى الرغم من أن القرار 2231 رفع العقوبات المفروضة بموجب قرارات سابقة لمجلس الأمن، إلا أنه طالب باستمرار بعض القيود المتعلقة بما يسميه الغربيون "الجوانب العسكرية للأنشطة النووية". وهذه الأجزاء هي نفس البنود التي تسعى الدول الغربية من خلالها إلى خلق أجواء ضد أنشطة الدفاع التقليدية الإيرانية، وخاصةً في مجالات الصواريخ والطائرات دون طيار.
لكن عبر إلقاء نظرة على هذه البنود، يمكن إثبات أن مزاعم الغربيين غير مبررة. فقد ورد في الفقرة 3 من الإعلان الوارد في الملحق "ب": "مطلوب من إيران ألا يكون لديها أي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية المصممة لتكون قادرةً على إيصال أسلحة نووية، حتى ثماني سنوات بعد "تاريخ قبول الاتفاق" أو حتى تقدم الوكالة تقريرًا يؤكد "الاستنتاج الأوسع"، أيهما حدث أولاً؛ بما في ذلك الإطلاق باستخدام تقنيات الصواريخ الباليستية".
كما هو واضح في هذه الفقرة من القرار، فإن القيود المعلنة تتعلق بالصواريخ الباليستية المصممة لحمل رؤوس حربية نووية، وهذا في حين أن صناعة الدفاع الصاروخي الإيرانية لم تكن مصممةً أصلاً لحمل رأس حربي نووي، وتعتبر من الأنشطة العسكرية التقليدية.
لكن الجزء الآخر من الجدل الغربي بشأن انتهاك إيران للقرار 2231، يعود إلى تعاون إيران العسكري مع الدول الأخرى، وتحديداً بيع وشراء الأسلحة.
بصرف النظر عن عدم قدرة الدول الغربية على تقديم وثائق مقنعة، تثبت مزاعم هذه الدول حول دور إيران في حرب أوكرانيا أو تهريب الأسلحة، وتعتمد فقط على دعايات إعلامية، وفقًا للقرار 2231 تم إلغاء حظر الأسلحة التقليدية علی إيران منذ 18 أكتوبر 2020، ويمكن لإيران تجارة وبيع الأسلحة مع دول أخرى في العالم بناءً على القوانين الدولية، وبالتالي لا يحق للحكومات الغربية ربط التعاون العسكري الإيراني مع دول أخرى في العالم، بما في ذلك روسيا، بأحكام القرار 2231.
وفي هذا الصدد، تنص الفقرة 5 من الإعلان الوارد في الملحق "ب" بوضوح على ما يلي: "يمكن لجميع الحكومات المشاركة في الأنشطة التالية وإصدار إذنها، بشرط أن يكون مجلس الأمن قد قرر بالفعل الموافقة عليها على أساس كل حالة على حدة: توريد أو بيع أو النقل المباشر أو غير المباشر لأي دبابة قتالية، المركبات القتالية المدرعة، أنظمة المدفعية الثقيلة، الطائرات المقاتلة، المروحيات الهجومية، السفن الحربية، الصواريخ أو أنظمة الصواريخ، على النحو المحدد في نظام الأمم المتحدة لتسجيل الأسلحة التقليدية".
ثم تنص الفقرة نفسها علی أن الإشراف المذكور في هذه الفقرة، سيتم تطبيقه حتى تاريخ 5 سنوات بعد "يوم قبول الاتفاق النووي".
قبل بضعة أشهر من انتهاء صلاحية الحظر على الأسلحة لمدة 5 سنوات، بذلت الحكومة الأمريكية جهودًا مكثفةً لمواجهة حظر الأسلحة الذي تفرضه إيران، والتي لم تنجح وألغي هذا الحظر تلقائيًا.
الآن أيضًا نشأ وضع مماثل، وبناءً على القرار 2231، تنتهي قائمة العقوبات المتبقية ضد 23 فردًا و 61 كيانًا إيرانيًا مدرجين في هذا القرار 2231 في 18 أكتوبر 2023. وبناءً على ذلك، من الواضح تمامًا أن الغربيين قد تحولوا مرةً أخرى إلى خلق الأجواء ضد برنامج الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيراني تحسبًا لرفع العقوبات المتبقية.
اليد العليا لإيران بدعم من الحلفاء
لا شك في أن اجتماع الخميس كان انتصاراً دبلوماسياً في الملف النووي لإيران، وهزيمةً كبيرةً للدول الغربية التي تحاول قلب أخطائها في عدم الوفاء بالتزاماتها، وإجبار طهران على التراجع عن المواقف المنطقية في مفاوضات إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
من وجهة نظر إيران، من أجل تعويض أخطاء الماضي في الانسحاب أحادي الجانب من الاتفاقية النووية لعام 2015، يجب على الغربيين، ولا سيما الولايات المتحدة، أولاً اتخاذ خطوات لبناء الثقة من خلال إلغاء جميع العقوبات دون قيد أو شرط، والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإيراني خلال فترة العقوبات غير القانونية، ولا ينبغي أن يتعاملوا مع مسألة إحياء الاتفاقية من موقع المتضرر أو طالب حق.
في غضون ذلك، فإن دعم الصين وروسيا، ومن جانب آخر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي شدّد على ضرورة رفع العقوبات الأمريكية ضد إيران وتوسيع الإعفاءات النفطية الإيرانية، أكد شرعية طهران في الإصرار على مواقفها.
کذلك، اعترض ممثل روسيا على دعوة أوكرانيا لحضور اجتماع هذا المجلس فيما يتعلق بالقرار 2231، وألقى باللوم على الولايات المتحدة لتقويض الاتفاق النووي، ومن خلال التأكيد على أن واشنطن تسعى لإثبات ادعائها بشأن نقل أسلحة إلى أوكرانيا، ألقى باللوم على الغرب في الإضعاف المباشر والمتعمد لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
کما اتخذ ممثل الصين، بصفتها عضواً دائماً آخر في مجلس الأمن يتمتع بحق النقض، موقفاً مماثلاً، وطالب أمريكا بإلغاء جميع العقوبات أحادية الجانب ضد إيران، وكذلك وقف تهديدها الخاطئ باستخدام القوة، وتوفير الظروف المناسبة للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وإحيائها بالكامل.
لا شك في أن انتصار إيران الدبلوماسي في اجتماع مجلس الأمن، وفشل السيناريو الذي صممه الغربيون لهذا الاجتماع بدعوة أوكرانيا، سيعزز يد إيران في المفاوضات لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، كما أنه يقلل من احتمال المماطلة من قبل الغربيين في طريق الإلغاء التلقائي للجزء المتبقي من عقوبات مجلس الأمن في 2 نوفمبر.