الوقت- يمكن فهم ما يدور في فلسطين بعبارتين، الأولى أنّ الفلسطينيين يخوضون حربهم ضد "الإبادة"، بينما تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بها، حيث أشارت معلومات رسمية فلسطينية إلى أنه تم إجلاء 4000 فلسطيني من المخيم، في وقت يعلم جيش الاحتلال الإسرائيلي جيدًا أن مدن الضفة الغربية المحتلة بأزقتها وشوارعها لم تعد آمنة كما السابق، بل تغيرت فيها الكثير من المعادلات الأمنية التي فرضت واقعاً جديداً يشكل خطرًا على كل جندي أو مستوطن، وبات جيش الاحتلال العسكريّ لفلسطين عاجزاً عن وقف عمليات إطلاق النار التي تستهدف قواته في الضفة الغربية المحتلة، وخاصة في الجزء الشماليّ منها، وهذا ما يمكن تلخيصه من الرسائل الإعلاميّة للإعلام العبريّ، في ظل الزيادة الكبيرة في معدل عمليات المقاومة في الضفة، ما دفع سلطات العدو لاتخاذ خيار الإبادة الذي عهدته حلاً وحيداً.
إجرام وتهجير إسرائيلي
مراراً، أشارت مختلف الأوساط التابعة للعدو، إلى أنّ مناطق الضفة الغربية التي شهدت تفعيل وسائل المقاومة والمواجهة باتت خطرة للغاية على الكيان الذي تعيش أجهزته الأمنيّة ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين، نظرًا لكثافة العمليات ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة، ناهيك عن تعرض حكومة العدو لانتقادات لاذعة نتيجة لجرائمها وجاهزيتها القتالية في الضفة الغربية، في اعتراف صريح بقوة المقاومة الفلسطينية، مع تزايد عمليات إطلاق النار، وتنفيذ المقاومة عمليات مكثفة، ناهيك عن الاشتباكات العنيفة المتصاعدة، لهذا لا بد للمحتل في هذه الحالة إظهار كل دمويته المفرطة على الأبرياء.
وفي الوقت الذي انتشرت صور سكان مخيم جنين وهم يغادرون منازلهم مع مداهمة قوات الاحتلال للمخيم، قال نضال العبيدي رئيس بلدية جنين إن قوات الاحتلال الإسرائيلية أجبرت حوالي 4000 فلسطيني على مغادرة منازلهم وتحاصر حوالي 13000 فلسطيني في مخيمات المدينة، في تماد جديد لقوات الاحتلال الإسرائيليّ بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكابها أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتلهم وإعدامهم بالأخص في الضفة الغربيّة المحتلة التي تتزايد فيها دعوات تفعيل كل وسائل المقاومة والمواجهة أكثر فأكثر، بسبب مواصلة قوات العدو جرائم الإعدام بدم بارد بحق الفلسطينيين.
وعلى هذا الأساس، أوصلت الأنباء القادمة من فلسطين المحتلة رسائل للعالم حول العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن، بعد أن أقرّت تل أبيب عبر وسائل إعلامها بـ"الخطر المحتمل" في الضفّة الغربيّة المُحتلّة معترفة أنّه "أعلى من الخطر من جهة قطاع غزّة المحاصر"، ويمكن القول، إنّ هناك إجماعاً على أنّ الضفة الغربية المحتلة على موعد مع انفجار “انتفاضة عارمة” ستغير الواقع الحاليّ، باعتبارها ترزح تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة منذ عام 1967، وستكون وفقاً لمراقبين ومحللين كُثر ومنهم إسرائيليون رداً حقيقياً وعملياً على الاحتلال الصهيوني.
لذا، يؤمن الفلسطينيون بالمواجهة العسكرية ضد العدو كحل وحيد، وخاصة أنَّ خيار عودة المقاومة المسلحة بات واقعاً، ويمكن أن يكون أشد بكثير مما يتخيل البعض، في ظل مواصلة سياسة التهجير والاستيطان والقتل المروع الذي تنتهجه الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على "إسرائيل" التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، فالوضع الإنساني مدمر ويعيد ذكريات زمن النكبة (1948)، حيث يعيش حوالي 13000 من سكان المخيم حياة صعبة للغاية في منازلهم، في ظل انقطاع كامل للمياه بسبب إطلاق النار على أنابيب المياه وخزانات المياه على أسطح منازلهم، وإطلاق النار عليهم، وعدم السماح بإدخال الطعام، ناهيك عن أن جنود قوات الاحتلال كانوا يتنقلون حول المخيم عن طريق حفر ثقوب في جدران منازل المواطنين والانتقال من منزل إلى آخر، مع غياب أي إحصائيات عن عدد المنازل التي دمرت وتضررت.
ولا شك في أن حسابات الاحتلال في المخيم كانت خاطئة للغاية، فقد توقع إنهاء العملية في غضون ساعات قليلة والمغادرة بهدوء، لكن المشكلة لم تنته واستغرقت وقتا طويلا، لذلك مدد العملية ورفض جميع الوساطات، إضافة إلى هدم عشرات المنازل والمباني، أو تدميرها على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي وجرافاته، وبالتالي، تزداد احتمالات أن تنفجر الأوضاع في الضفة الغربية بشكل مخيف بسبب التمادي الإسرائيليّ الذي بات ملموساً لأبعد حد وعلى كل المستويات، وذلك في الوقت الذي تقوم فيه قوّات الاحتلال بحملات تنفيذ اعتقالاتٍ في قلب المنطقة، وعلى نحوٍ خاصٍّ في مدينتيْ نابلس وجنين ومحيطيهما، والتي تترافق عادةً باشتباكاتٍ مسلحةٍ مع فدائيين فلسطينيين،.
مستقبل واضح
في السابق، كانت تؤكد وسائل الإعلام الإسرائيليّ أنّ عمليات إطلاق النار باتجاه أهداف إسرائيليّة في أنحاء الضفّة الغربيّة ازدادت بشكلٍ كبيرٍ، لكنها ستكون أكبر بكثير بعد الجرائم الإسرائيلية، حيث تُجمع فصائل المقاومة الفلسطينية بكل تشكيلاتها على الوقوف صفاً واحداً في الدفاع عن الضفة الغربية، وتشير إلى أنها لن تسمح للعدو بأن يستفرد بأبناء فلسطين هناك، وهي رسالة واضحة من الفصائل التي حذرت تل أبيب مراراً من استمرار عدوانها على مدن الضفة، وهي تدعو بشكل مستمر إلى تصعيد المواجهة ضد الكيان ومستوطنيه في عموم مدن الضفة الغربية المحتلة.
وعلى ما يبدو، يخوض العدو الإسرائيلي مجدداً "حرب الإبادة الجماعية"، حيث حذرت وزيرة الصحة الفلسطينية من "حرب الإبادة" المستمرة في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية مع استمرار قوات الاحتلال في شن العمليات العسكرية، إضافة إلى أن الجيش الإسرائيلي يمنع سيارات الإسعاف والعاملين الطبيين من التحرك بحرية داخل مخيم جنين والوصول إلى الجرحى وإنقاذ الأرواح، في إهمال مقصود إزاء ارتفاع عدد القتلى والجرحى في مخيم جنين في ضوء "القيود الشديدة" على عمل العاملين في المجال الطبي، بيد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يقوم بعمليات عسكرية في مخيم جنين للاجئين منذ فجر يوم الاثنين، في الوقت الذي ارتفع فيه عدد الفلسطينيين الذين قتلوا إلى 10 وأكثر من 100 جريح، وصفت حالة 20 منهم بأنها خطيرة للغاية.
ومع كل عدوان جديد تشنه قوات الاحتلال الإسرائيلي، يُحذر مراقبون من اقتراب تحول الضفة الغربيّة إلى "غزة ثانية" ربما أكثر خطورة بكثير لردع العدوان الهمجيّ الذي لا يتوقف عن قتل المدنيين وتدمير مقدساتهم وتهديد أرواحهم، بعد أن أوصل الصهاينة وآلتهم العسكريّة رسالة لهذا الشعب بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه، وآلتهم جاهزة كعادتها "إرهابيّ"، "قاتل"، "متشدد"، وخاصة أنّ المقاومين هناك يعتبرون "جمراً تحت الرماد" وأحد أساليب المقاومة والمواجهة في المنطقة المهددة من قوات المحتل العنصريّ.
وفي ظل ازدياد وتيرة الجرائم الإسرائيليّة عن رغبة تامة، تستمر حسابات الكيان الخاطئة بشدّة في الضفة الغربية، سياسة صهيونيّة نتائجها ستظهر في وقت قريب حتى باعتراف الإعلام العبريّ والمحللين والقياديين العسكريين الصهاينة، مع إقدام العدو على خطوات تصعيديّة كثيرة آخرها كان ارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين.
رغبة فلسطينيّة بصد العدوان
على الدوام، يؤكّد الفلسطينيون أنّ دماء شهدائهم ستبث الروح والحياة في الشعب الفلسطينيّ العظيم ولن تذهب هدراً، فيما يدرك أبناء الضفة الغربيّة كما غيرهم من الفلسطينيين، أنّ العصابات الصهيونيّة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتوقف عن إجرامها وعنصريّتها وقضمها لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، فيما يعتبر الصهاينة أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
ولا يجب أن ننسى أبداً، أنّ المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وعلى وجه الخصوص داخل مخيماتها التي تتعرض للقتل مستمر، "رقمًا صعبًا" لا يمكن غض الطرف عنه، نظرًا لما تُقدمه على أرض الواقع من تضحيات وعمليات ومعارك نوعية أقلقت وأرعبت قوات جيش الاحتلال العسكريّ التي تمادت بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكبت ولا تزال أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتلهم وإعدامهم وتعذيبهم، فيما يتركّز حديث الكيان وجيشه وماكينته الإعلامية الموجهة على محاولة كشف تطور أساليب وقدرات المقاومة ومصادر دعمها وتمويلها، في محاولة لإيجاد المبررات التي قلبت الموازين بأكملها، وغيرت قواعد اللعبة في الضفة وعلى الساحة الفلسطينيّة بأكملها.
أيضاً، إنّ الإجراءات العسكرية لن تمنع أبناء فلسطين من مواصلة الجهاد والاستشهاد في سبيل التحرير، باعتبار أنّ السلطة الفلسطينيّة منعت بقوّة إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، يتصاعد الرد الفرديّ وحتى المنظم حاليّاً على هذه الجرائم التي يرتكبها الصهاينة لكن من الواضح أنّه سيتحول إلى ردّ جماعيّ كامل في أيّ لحظة، وخاصة أنّ الضفة المحتلة ترسل رسائل دائمة مفادها بأنّها ستكون على الدوام وقوداً لثورة الشعب الفلسطينيّ التي لن تتوقف إلا برحيل المحتل عن كامل الأراضي الفلسطينيّة، وبيّنت بالفعل أنّ رد الشعب الفلسطينيّ على هذه الجرائم سيكون مقاومة جديدة وانتفاضة متواصلة.
لكن الإسرائيليين لم يفهوا الواقع بشكل جيد، حيث إنّ عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية تبدأ بالتصاعد الكبير بعد أن شعر الأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن لا يمكن أن تتغير، وأنّ سلطتهم لا تملك سوى "الهراء الإعلاميّ" و"التنديد والوعيد" بينما تفتح أحضانها لكل أنواع التعاون مع تل أبيب، وإنّ تصريحات وردود فصائل المقاومة الفلسطينيّة حول أنّ الأحداث الجديدة تعني اتساع بقعة الرصاص الموجّه صوب رؤوس جنود العدو ومستوطنيه، وأنه واهمٌ إن ظنّ أنّ الشعب الفلسطيني يمكن أن يرفع أمامه الراية البيضاء، مهما بلغت التضحيات، خير برهان.
في الختام، يتعرض أبناء الشعب الفلسطينيّ لجرائم وحشية إسرائيلية وتهجير جماعي يتطلبان الرد على الإرهاب والتهديدات إسرائيلية، وإذا لم يلتفت المجتمع الدولي والدول الإسلامية والدول العربية إلى هذه القضية، فإننا نشهد إبادة جديدة وأكثر دموية تضاف إلى مؤلفات العدو الإجرامية، أو في حال حدوث "ثورة ثالثة" ستنتقل العمليات إلى الشوارع الاستيطانية، أو تستهدف تجمعات الجنود والمستوطنين المنتشرين على مفترقات الطرق، لتصبح بالفعل قوية إلى الحد المطلوب، بدلاً من استهداف آليات مصفحة، أو نقاط عسكرية اسمنتيّة، لأنّه ومن غير المعقول أن يسلم الفلسطينيون أرضهم للمحتل الأرعن على طبق من ذهب، ليبقى مصير هذه المنطقة مرهوناً بيد من يمارس الإرهاب على الفلسطينيين.