الوقت - أعلن وزير خارجية الاحتلال الإسرائيليّ إيلي كوهين أنّه لدى استلامه منصبه قبل نصف عام “وضع لنفسه هدفًا بتحقيق انجازات غير مسبوقة”، مشيرًا إلى أنّه حسب تقديره فإنّه حتى نهاية العام سيتضاعف عدد الدول التي ستنقل سفاراتها إلى القدس المحتلة مشيرًا بذلك إلى دول مثل روسيا وباراغواي، كما توقّع أن يجتمع حتى نهاية العام مع مسؤولين من دولتيْن إسلاميتيْن لا توجد للكيان علاقات دبلوماسية معهما، حسب زعمه.
وخلال المقابلة التي أجرتها معه هيئة البث الإسرائيليّة العامّة (كان)، صرّح بأنّه يؤمن بوجود فرصة لدفع التطبيع مع السعودية، لافتًا إلى أنّه خلال الستة أشهر الأخيرة انتهت الأزمة التي كانت بين دولة الاحتلال وبولندا، وتمّ التوقيع على اتفاق تجاري مع دولة الإمارات وتمّ وضع الأسس لـ “اتفاق سلام” مع السودان.
وأضاف كوهين إنّه توجد لديه أربعة أهداف يسعى إلى دفعها وهي: زيادة العلاقات مع دولة جديدة، اتفاقيات تطبيع، فتح سفارات جديدة ومواصلة تقوية مكانة الكيان الاقتصادية في العالم.
وكان كوهين قد كشف الشهر الماضي النقاب عن أنّه “في الماضي، ركّزنا في وزارة الخارجية على دول الخليج الفارسي في محاولة لتوسيع (اتفاقيات إبراهيم)، وكذلك على الدول الأفريقيّة، بيد أنّ زيارتي لكلٍّ من أذربيجان وتركمانستان، كدولتيْن مهمتيْن، تؤكّد توسّعنا في منطقة أوراسيا، وقد تكون دولًا إسلامية، ذلك لأنّ الدّين لا يلعب دورًا مهمًا بالنسبة لها”، كما قال لمجلّة (تايمز أوف إسرائيل).
كوهين، هو الذي بدأ بنسج العلاقات مع السودان وزارها كوزيرٍ للخارجيّة وأنشأ علاقاتٍ مع الجنرال عبد الفتّاح البرهان، واقترب لتوقيع اتفاقٍ بين الدولتيْن، قال عمّا يجري اليوم في هذه الدولة العربيّة: “المهم ألّا يتراجع السودان، أنْ نجد أنفسنا في موقف تتولى فيه عناصر إسلاميّة زمام الأمور، كما تمّ في عهد عمر البشير”، لافتًا في ذات الوقت إلى أنّ “الجميع يعلمون كيف تبدأ الأمور، لكن لا أحد يعرف كيف تنتهي. لهذا السبب هناك نشاط مكثف من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والسعودية لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، نحن نوصل الرسائل ونحاول تهدئة الوضع، ونتواصل أيضًا مع المصريين، السودان في حالة حكومةٍ انتقاليّةٍ منذ أكثر من عامٍ والتدّخل الأمريكيّ أمرٌ بالغ الأهميّة”، طبقًا لأقواله.
وتطرّق الوزير في حديثه إلى العلاقات الإسرائيليّة مع أذربيجان، وقال: “زودّت إسرائيل الأذريين بكمياتٍ هائلةٍ من الأسلحة”. ويُشار في هذا السياق إلى أنّ بعض التقارير تحدثت عن ذخائر عنقودية أصابت مدنيين أرمن، وفي غضون ذلك، يقول الأذريون إنّهم انتصروا في الحرب بفضل هذه الأسلحة، وفي معرِض ردّه حول إشكالية “الأخلاقيات” في بيع الأسلحة أقّر الوزير أنّ الحكومة الإسرائيليّة لم تقُمْ بإلغاء أيّ صفقة أسلحةٍ مع أيّ دولةٍ في العالم.
وحول الأنباء التي أفادت بأنّ أذربيجان أبرمت صفقة لشراء أقمار صناعية من شركة إسرائيلية، ردّ وزير خارجية الكيان: “قال الأذريون لنا إنّهم اختاروا شركة إسرائيلية لشراء أقمار صناعية، لكن من الجدير القول إنّ الاتفاق الأكثر أهمية هو بيع منشآت تحلية المياه. علاوة على ذلك، كانت الزيارة إلى باكو تهدف في الغالب إلى إظهار التقدير لقيامهم بفتح سفارةٍ في إسرائيل بعد علاقة استمرت 30 عامًا، وتمّ تحقيق ذلك بفضل التقارب في العلاقات مع تركيا، وكنتيجةٍ غيرُ مباشرةٍ لاتفاقات إبراهيم”، كما أكّد.
إلى ذلك، قال مسؤولون إنّ مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيليّ، تساحي هنغبي، الذي توقيت الزيارة التي قام بها مؤخرًا للرباط، كان لافتًا إذْ إنّها جاءت بالتزامن مع نقاش حكومة بنيامين نتنياهو إعلانًا محتملاً بالاعتراف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها.
ويعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءًا من أراضيه لكن جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر تطالب بدولة مستقلة هناك. وفي عام 2020، اعترف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بحكم المغرب للمنطقة مقابل ترقية جزئية للعلاقات مع إسرائيل.
وقال مصدر دبلوماسي لوكالة (رويترز) إنّ اتخاذ إسرائيل موقفًا فيما يتعلق بالصحراء الغربية قد يؤدي إلى ترقية كاملة لعلاقاتها الدبلوماسية مع المغرب لتتحول بعثاتها الدبلوماسية وهي مكاتب اتصال معينة حاليًا إلى سفارات مع احتمال أنْ يحمل المستقبل إبرام اتفاقية تجارة حرّة.
لا شيء يبدو جلياً للعيان وواضحاً وضوح الشمس مثل أكاذيب التطبيع، فقد ادعى المطبّعون العرب، بدءاً من مصر السادات وحتى سودان البرهان، أن التطبيع يصبّ في خدمة الشعوب العربية وقضاياها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
لكن نظرة سريعة إلى الوراء منذ معاهدة كامب ديفيد المصرية وأوسلو الفلسطينية ووادي عربة، وحتى اتفاقية التطبيع مع السودان، تثبت أن أياً من الدول العربية التي أبرمت تحالفات واتفاقيات مع الاحتلال لم تخدم قضاياها الوطنية ولا القضية العربية الأولى؛ قضية فلسطين، قيد أنملة.
فمصر تحولت منذ اتفاقيات كامب ديفيد، ومثلها الأردن لاحقاً، إلى مجرد "دول محايدة" في أحسن الحالات، من دون أن يكون لقرارها السياسي واتفاقيات السلام التي أبرمتها أي وزن حقيقي على القرار السياسي الإسرائيلي. فلا إسرائيل احترمت مطالب هذه الدولة أو توجهاتها ولا حتى تهديداتها (على قلة الأخيرة) أو زعلها، في أي مرحلة من المراحل.
بل إن هاتين الدولتين وجدتا نفسيهما وقد تحوّلتا إلى مجرد وسيط، في أحسن الحالات. بل كانتا وسيطاً ضاغطاً على القيادة الفلسطينية، لتقدم التنازل تلو التنازل، وكان آخر هذه "الوساطات الضاغطة" ما شهدته رام الله في الأيام الأخيرة بحضور رئيسي المخابرات المصرية، عباس كامل، والأردنية أحمد حسني.
وإذا كان هذا غير كافٍ لتفنيد أكاذيب التطبيع العربي، فينبغي أن نذكر أن مصر والأردن تعرضتا، والأخيرة بشكل أشد، لتقريع من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وإدانات لمواقف اتخذها البلدان إلى جانب الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في ظل حالات الغليان للشعوب العربية إزاء الممارسات الإسرائيلية وجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي باب الأكاذيب الإسرائيلية، فلا حاجة للإسهاب، فهي أشد وضوحاً وصلافة، بدءاً من الوعود بالتقدم نحو السلام مع الفلسطينيين، ونشر الازدهار والاستقرار في المنطقة وفق معادلة شمعون بيريز العنصرية: العقل الإسرائيلي ومال الخليج وعمالة الدول الفقيرة.
لكن حال الدول العربية والإسلامية وشعوبها يبيّن مدى كذب هذه المعادلة، وزيفها، مقابل معادلة حقيقية واحدة استفاد منها الطرفان، وهي تثبيت أنظمة تثبت الاحتلال وتغض الطرف عن تمدده وتغول مشروعه الاستيطاني، من النهر إلى البحر.