الوقت- يومًا بعد آخر، يعود موضوع الميليشيات اليهودية وقتل الفلسطينيين إلى الواجهة، حيث هاجم المستوطنون الصهاينة المتطرفون والعنصريون المنازل وأضرموا النار في ممتلكات الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية، وحذرت أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية من خطر تشكيل ميليشيات صهيونية مسلحة وجماعات إرهابية في هذه المنطقة، بهدف قتل الفلسطينيين، معتبرة أنّها نوع من البرنامج التجريبي لفك الارتباط الإسرائيلي عن الأراضي المحتلة، وحتى من قبل البعض كنموذج أولي محتمل لدولة فلسطينية مستقبلية، لكن التصعيد الحاد للعنف في المنطقة في الأيام الأخيرة الذي شارك فيه مسلحون يهود وقوات الأمن الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، يؤكد فشل الرؤية التي تتحدث أن المنطقة ربما تكون بخير في يوم من الأيام مع وجود الاحتلال.
الميليشيات اليهودية وقتل الفلسطينيين
في الوقت الذي تشهد فيه الضفة الغربية مزيجا متفجرا من صعود الميليشيات اليهودية المتشددة، إضافة إلى تصاعد المقاومة الفلسطينية، نشهد غارات وهجمالت شبه يومية من قبل الجيش الإسرائيلي لاعتقال النشطاء، والتي غالبا ما تكون مميتة؛ وأعمالاً انتقامية من قبل المستوطنين اليهود المتطرفين الذين هاجموا القرى الفلسطينية وأشعلوا النار في الممتلكات، مقابل عمليات فلسطينية مسلحة تنفذ عمليات إطلاق نار ضد إسرائيليين، حيث تتصاعد التوترات بشدة منذ قدوم الحكومة الائتلافية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو - والتي تضم أحزابًا يمينية متطرفة وقومية متطرفة ترفض أي محادثات مع القيادة الفلسطينية -، وتضغط لإحداث ميليشيات، وتقوم بتنفيذ هجمات عسكرية أكثر عدوانية، وقد تسببت بتصعيد فلسطيني غير مسبوق ردا على الاعتداءات، كما تضغط الحكومة من أجل توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والتي تعتبرها معظم الدول عقبة أمام حل النزاع وانتهاكًا للقانون الدولي.
وأدى هذا الوضع المتقلب في فلسطين إلى واحد من أكثر الأعوام دموية للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ أكثر من عقد، فمن بين نحو مئتي شهيد فلسطيني في الاراضي حتى الآن هذا العام، كان نحو حوالي نصفهم في شمال الضفة الغربية، ومعظمهم في منطقتي جنين ونابلس، وقُتل معظمهم في اشتباكات مسلحة خلال غارات هجمات عسكرية من قبل قوات الاحتلال، رغم أن كثيرا منهم كانوا من المارة الأبرياء، ما يؤكّد أنّ موضوع "الميليشيات اليهودية وقتل الفلسطينيين" لم يعد مجرد خطة إسرائيلية على الورق.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، اتخذ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني مظهرًا جديدًا، وتزايدت الهجمات في الضفة الغربية ومحاولات تصعيد الوضع من قل الإسرائيليين مع ارتفاع حدة مقاومة الفلسطينيين، وعادة ما تبدأ أي مجزرة بغارة إسرائيلية مميتة على احدى مدن شمال الضفة الغربية، وتؤدي إلى معركة بالأسلحة النارية تستمر لساعات ويستشهد فيها عدة فلسطينيين، من بينهم أطفال أبرياء لم يروا من حياتهم سوى الرصاص الإسرائيلي، وقبل فترة تم إرسال طائرات هليكوبتر حربية إسرائيلية إلى المنطقة لأول مرة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي لتأمين القوات التي تحاول تخليص الجنود الجرحى والعربات المدرعة التي تعطلها انفجار قنبلة قوية على جانب الطريق.
وبعد ذلك، تقوم مجموعات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، بإطلاق الرصاص على حواجز جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو بالقرب من مستوطناته، وربما تنفذ هجمات ضد مستوطنات يهودية في المنطقة، ووفقًا للقناة 13 التلفزيونية الإسرائيلية، انتقد جهاز المخابرات والأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) وبعض كبار المسؤولين في كيان الاحتلال الدعم وراء الكواليس لبعض وزراء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو للإجرام والعنصرية، كما انتقدوا أعمال المستوطنين الصهاينة ضد الفلسطينيين.
ومن الضروري الإشارة إلى أن بعض المصادر الصهيونية تحدثت عن وجود شعور لدى كبار قادة الشبك بأن هذه الميليشيات التابعة للحكومة والتي تضم المستوطنين المتطرفين يجب أن تخوض حربًا ضد الفلسطينيين بمفردها ودون الاعتماد على دعم قوات الشرطة والوزراء الأمنيين في حكومة نتنياهو، في اشتداد الخلافات بين رئيس الشبك رونين بار وإيتامار بن غوير وزير الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو، ورئيس الشبك من بين الشخصيات المنتقدة لأداء وزراء الأمن في حكومة نتنياهو، بمن فيهم وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غوير، وبيتساليل أسموتريتش، وزير المالية في كيان الاحتلال.
نفاق إسرائيليّ أعمى
نعلم جميعًا أن المتطرفين اليهود، انتشروا في البلدات والقرى الفلسطينية، بما يشمل المنطقة القريبة من مقر السلطة الفلسطينية، التي تدير ظاهريًّا معظم المدن والبلدات الفلسطينية، في الضفة الغربية، حيث إن هجمات الميليشيات اليهودية أسفرت عن إحراق عشرات المنازل والسيارات، ناهيك عن تدمير وإحراق المحاصيل الزراعية للفلسطينيين، وجرائم القتل والإبادة التي ينفذونها كل يوم، حسب وسائل الإعلام الفلسطينية.
وقد شاهدنا في الفترة الماضية صوراً قاسية للغاية، تجسد منهج الميليشيات الهيودية وقتل الفلسطينيين، حيث لا توفر الالة العسكرية الاحتلالية والميليشيات اليهودية طفلا يذهب إلى مدرسته، وهذا ما يجعل السكان يطالبون بشكل دائم السلطة االفلسطينية التي يعتبرونها "ذراعا للاحتلال" ببذل المزيد لحماية شعبها.
ورغم مساعدة الحكومة الميليشات اليهودية وتقديم كل الدعم لها في جرائمها، وصف نتنياهو اعتداءات المستوطنين بأنها غير مقبولة، مدعيًّا أن “دولة الاحتلال دولة قانون.، وجميع مواطني إسرائيل ملزمون باحترام القانون "، فيما ندد الجيش الإسرائيلي -الداعم الأول للميليشيات- بعنف المستوطنين، وقال إن قوات الأمن دخلت احدى البلدات لإطفاء الحرائق ومنع الاشتباكات وجمع الأدلة، وأن شرطة الاحتلال تحقق في الحادث، متناسيًّا الماضي الطويل والدمويّ لجرائم ومجازر الآلة العسكرية للكيان.
لكن القوات الإسرائيلية، على الرغم من سيطرتها الشاملة على المنطقة وسلسلة من الأعمال الانتقامية المدمرة من قبل المستوطنين في الفترة الأخيرة، تبدو عاجزة عن منع التصعيد أو الأرجح أنها ترغب بذلك، وبينما تصاعد العنف في شمال الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، كان الوضع يتدهور منذ سنوات، مع تصاعد موجات العنف وانحسارها منذ انهيار محادثات السلام قبل ما يقرب من عقد من الزمان، حيث استولت "إسرائيل" على الضفة الغربية من الأردن في حرب عام 1967 في الشرق الأوسط، وقالت إن مستقبلها سيتحدد في المفاوضات، لكن الجولة الرسمية الأخيرة من محادثات السلام التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين انتهت في عام 2014.
ومن المفترض أن تمارس السلطة الفلسطينية، وهي الهيئة المؤقتة التي تشكلت في منتصف التسعينيات كجزء من عملية أوسلو للسلام، حكما ذاتيا محدودا في أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، حيث يبلغ عدد أفراد قوات الأمن حوالي 60 ألف عضو، لكنهم غائبون عن مأساة الفلسطينيين الذين يعيشون أوضاعًا صعبة للغاية ويضطرون للدفاع عن أنفسهم بشتى الطرق وخاصة مناطق مثل جنين ونابلس، ويبدو أن السلطة الفلسطينية كما يقول الواقع، تخلت عن مسؤوليتها بالكامل تجاه شعبها الذي يقتل كل يوم.
سلطة فلسطينية منهارة
"انعكاس وانهيار السلطة"، اصطلاح واقعي مقابل قضية الميليشيات اليهودية وقتل الفلسطينيين، حيث توجد مشاركة كاملة بين "إسرائيل" والفصائل الفلسطينية والجماعات التحريرية والمقاومة في التصعيد المتبادل نتيجة الإجرام الإسرائيلي، لكن السلطة الفلسطينية خارج اللعبة، أو ربما على الهامش، أو ليست موجودة بالفعل على الإطلاق، فيما يقول محللون إسرائيليون "لقد عدنا إلى المربع الأول، لا يوجد أوسلو، ولا يوجد شيء."
ودعا المتشددون الإسرائيليون مؤخرًا، بمن فيهم إيتامار بن غفير، وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إلى عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في الضفة الغربية على غرار اجتياح المدن الفلسطينية الذي نفذته إسرائيل في عام 2002، ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية عندما هاجم انتحاريون المدن الإسرائيلية، لكن العديد من خبراء الأمن الإسرائيليين يقولون إن الظروف لا تساعد على القيام بعملية كبرى.
ويزعم الإسرائيليون أن هناك الكثير من الأسلحة في الضفة الغربية، ويقولون: "السلطة الفلسطينية لا تعمل وعلينا التعامل معها بمفردنا"، فيما ينظرون إلى جماعات المقاومة المسلحة اليوم في الضفة الغربية بأنّها قوة متصاعدة تعمل في بنية تحتية تنظيمية مختلفة عن السابق، وإضافة إلى العمل بشكل أكثر عدوانية بالتعاون مع الميليشيات اليهودية، تركز الحكومة الإسرائيلية على توسيع المستوطنات الاحتلاليّة، وقد أعلن نتنياهو عن خطط لبناء 1000 منزل للمستوطنين، ومن المتوقع أن تقدم السلطات الإسرائيلية خططًا لبناء 4000 منزل استيطاني آخر في اجتماع تخطيط الأيام المقبلة.
في النهاية، إنّ تشكيل كيان الاحتلال الإسرائيليّ لفلسطين كان قائمًا على أساس قضية الميليشيات، ولأن الجماعات الفلسطينية كانت ضعيفة في البداية من حيث القوة العسكرية ونقص الإعلام، قامت العصابات الصهيونية بالاعتداء عليهم وقتلهم وارتكاب أشنع المجازر بحقهم، وإجبارهم على الهجرة عنوة من ديارهم وأراضيهم، وإن الميليشيات اليهودية لن تفلح ابدا في رأب صدع المقاومة بعد أن فشلت كل الآلة العسكرية للاحتلال بمحو هذا الشعب، كما أن الجيل المقاوم الذي صفع "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية بالتعاون مع الفصائل الفلسطينية التحررية ماضون في المقاومة والتحرر، وكل النتائج تتحملها تل أبيب وقياداتها المتخلفة عن قراءة التاريخ، ومسألة الميليشيات الهيودية وقتل الفلسطينيين نهايتها كما غيرها من المشارع الإبادية.