الوقت_ مؤخراً، اعترفت "إسرائيل" على لسان جنرال في الجيش بأن تل أبيب فقدت حرية العمليات العسكرية البرية في الضفة الغربية، حيث بات جيش الاحتلال العسكريّ لفلسطين عاجزاً عن وقف عمليات إطلاق النار التي تستهدف قواته في الضفة الغربية المحتلة بل القيام بعمليات داخل المنطقة، وهذا ما يمكن تلخيصه من المعلومات التي تؤكدها الوقائع، في ظل الزيادة الكبيرة في معدل عمليات المقاومة في الضفة، وتأكيد مختلف الأوساط التابعة للعدو، مراراً، أنّ تلك المنطقة التي شهدت تفعيل وسائل المقاومة والمواجهة باتت خطرة للغاية على الكيان الذي تعيش أجهزته الأمنيّة ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين، نظرًا لكثافة العمليات ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة، ناهيك عن تعرض حكومة العدو لانتقادات لاذعة نتيجة لجرائمها وجاهزيتها القتالية في الضفة الغربية، في اعتراف صريح بقوة المقاومة الفلسطينية.
حرية مفقودة للإسرائيليين في الضفة
منذ مّدة يحذر ضباط في جيش الاحتلال من تزايد عمليات المقاومة في الضفة وتناميها، إذ نفذت المقاومة عمليات مكثفة خلال الفترة الماضية ناهيك عن الاشتباكات العنيفة، عقب تحذيرات مستمرة ضباط صهاينة من فقدان السيطرة الإسرائيليّة هناك، وإن حديث لواء صهيوني عن أن الجيش التابع للعدو فقد حرية العمل في الضفة الغربية، تؤكده عمليات إطلاق النار تأتي في ظل انتشار كميات من الأسلحة في الضفة وضعف سيطرة السلطة الفلسطينية في بعض المناطق وخاصة في جنين ونابلس، وخاصة أن المقاومة في غزة تواصل تقديم الدعم الماليّ للمقاومين في الضفة، في الوقت الذي تعيش فيه أجهزة الأمن الإسرائيليّة ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين لدى العدو، نظرًا لكثافة عمليات المقاومة ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة، وبالتالي برهان كبير على النظرية التي أكّدت أنّ الحكومة الجديدة للكيان الصهيوني لن تكون قادرة على وقف عمليات المقاومة الفلسطينية ضد جنود الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، فالضفة لم تعد كالسابق والمقاومة تتطور كماً ونوعاً، مع ارتفاع احتمالات أن تنفجر الأوضاع أكثر وأكثر هناك بسبب التمادي الإسرائيليّ الصادم.
وحسب اعتراف رونين ملنيس، قائد قوات الاحتياط التابعة للكيان الصهيوني، بأن هذا الجيش فقد حرية العمل العسكري البري في شمال الضفة الغربية، ما أجبر الجيش على استخدام سلاح الجو في العمليات الأخيرة في محافظة جنين، وبالتالي اعتراف جديد من "إسرائيل" بهزيمتها الكبرى في الضفة الغربية، بالتزامن مع مجموعة كبيرة من الإجراءات من عمليات المقاومة الفلسطينيّة، نتيجة جرائم قوات الاحتلال الإسرائيليّ، حيث أوضح محللون صهاينة أن العام الجديد سيسجل بالفعل أرقامًا قياسيّة في أعداد القتلى الصهاينة والعمليات الفدائية، كما أن المسؤولين الصهاينة لا يملكون حلولا كبيرة لمواجهة عمليات المقاومة المتصاعدة، بل بدأت قوات العدو تتخذ خطوات جديّة وإن كانت غير مؤثرة قلقاً من تطور الأمور بشكل مفاجئ كما حدث في الأشهر المنصرمة، وخاصة بعد أن أثبت المقاومون أنّهم قادرون على فرض معادلاتهم على العدو القاتل والسلطة الفلسطينية الخانعة.
والدليل على صحة اللواء الصهيونيّ هو الحملات الإسرائيليّة الفاشلة ضدّ المقاومين نتيجة أكثر من أمر أهمهما أنّهم غير منظمين بمقرات ومؤسسات محددة والآخر أنّهم منتشرون بكثرة في كل مناطق الضفة، ما يعني أن تل أبيب فشلت في ضبط إيقاع الساحة الفلسطينيّة، فيما يعيش مجتمعها ترنحاً لم يشهده في وقت سابق في مواجهة المقاومة تماماً مثل حكوماته، فالعمليات المسلحة في المنطقة تطورت وتصاعدت بشكل كبير وبصور متعددة، ولا مجال للعودة خطوة للوراء بالنسبة للأبطال والفدائيين الذين استطاعو بما أوتوا من قوّة احتجاز "إسرائيل" ومستوطنيها كرهائن، لكن الخوف الأكبر بالنسبة لهم في هذا المرحلة، هو مما سيأتي بعد، ويتجسد ذلك في مواجهة جديدة لا تجيدها عصابات الاحتلال التي تسعى لإبادة شعب بأكمله وسلب أرضه بقوتها العسكريّة الاستعماريّة.
مقاومة فلسطينيّة متصاعدة
أصيب عدد من الجنود الصهاينة بالصدمة في اجتياح جنين (19 حزيران) بفخاخ متفجرة للمقاومة، وبعد إصابة سبعة جنود اضطروا إلى طلب المساعدة من سلاح الجو وبعد عدة ساعات من الجهد نجحوا في إزالة كل مركباتهم المدرعة من المدينة، وتأتي تلك الأنباء بعد أنّ وصل كل فلسطينيّ لقناعة تامة بأنّ الحل الوحيد هو مقاومة هذا العدو بأبسط الوسائل، فيما يتأكّد أن تكرار استخدام القوة المفرطة من قبل الصهاينة للقضاء على حالة المقاومة بالضفة الغربية هو "خطأ استراتيجيّ" خطير، لأنّ ذلك ينعكس بشكل مباشر على حالة المقاومة، ما يفضح ضعف وفشل الكيان الإسرائيليّ الذي يعول دائماً على دمويّته المفرطة، وإنّ تطور أساليب المواجهة والمقاومة في الضفة الغربية، وتأكيد الوقائع أنّ الاحتلال بدأ يفقد السيطرة باعتراف ضباطه البارزين، يعني فشل "إسرائيل" في مواجهة المقاومة بشكل آني ومستقبليّ.
وفي ظل تطور العمليات المسلحة في المنطقة وتصاعدها بشكل كبير وبصور متعددة، صرح الناطق السابق باسم الجيش الصهيوني (23 حزيران) أن الأضرار التي لحقت بالجيش أجبرته على استخدام الطائرات أثناء العملية في جنين الواقعة شمال الضفة الغربية، ما يدل على أن جيش الاحتلال في حالة حرب، وهو ليس هجومًا بريًا في عمق الأراضي الفلسطينية، والدليل أن الأحداث أخذت منحى تصاعديّاً مختلفاً عن كل ما شهدته المنطقة وبوسائل مختلفة وصادمة للقيادة الأمنية والعسكريّة للكيان الإٍرائيليّ، ففي الوقت الذي يحاول فيه العدو احتواء الوضع في الضفة وبالأخص شمالاً (جنين، ونابلس، وطولكرم) يزداد الأمر صعوبةً عليه بعد تصاعدها جنوبًا في الخليل وتكرار عمليات إطلاق النار ضد جنوده ومستوطنيه، وتتصاعد المخاوف الإسرائيلية أكثر فأكثر من انتقالها داخل أراضي 48 المحتلة، فيما يدعو رجال المقاومة الفلسطينيّة بشكل مستمر إلى تصعيد المواجهة ضد الكيان ومستوطنيه في عموم مدن الضفة الغربية المحتلة، واستغلال ما يجري لتلتهب شعلة المقاومة من جديد وبشكل لم تعهده القيادات الصهيونيّة ولن تستطيع التعامل معه.
وحتى الآن، يتعامل الجيش الإسرائيلي –كما يقول- مع المقاومة الفلسطينية في الضفة بثلاث استراتيجيات: السيطرة على السكان، وفصل السكان عن النشطاء، والتمتع بحرية العمليات العسكرية، وقد طرح الجنرال الصهيوني هذا السؤال: "هل فقدنا هامش حرية العمل العسكري؟" الجواب نعم، واضاف ان "ما حدث مؤخرا في جنين هو تطور هائل من حيث كمية القوة النارية والمتفجرات التي يستخدمها الفلسطينيون وهذا ما اضطر الجيش لاستخدام القوة الجوية لانه لم يعد قادرا على القيام بعمليات برية"، معبرا أن "الحل لهذه المشكلة هو إعادة السيطرة الفعلية على السكان وحرية العمليات العسكرية"، مؤكداً أن ما يواجهه الجيش حاليا أصعب مما كان عليه في 2002 خلال عملية "سور الواقي" التي استولى خلالها على جميع مدن الضفة مرة أخرى.
أيضاً، تشير المعلومات إلى أن قوات الاحتلال تواجه حاليًا هياكل وتنظيمات المقاومة الفلسطينية في مناطق واسعة، ما يقلل من قدرة جيش الاحتلال على التعامل معها، مع تأكيد الإسرائيليين على أن مرحلة ما بعد محمود عباس قد بدأت، حيث شدد الجنرال الصهيوني على أن "محمود عباس" رئيس السلطة الفلسطينية لم يعد موجودًا وأن "مرحلة ما بعد أبو مازن قد بدأت بالفعل"، وأضاف: "نحن في مرحلة ما بعد أبو مازن، لطالما سألنا متى سينتهي عهد أبو مازن؟ نحن الآن في نفس الفترة، أبو مازن مات ويتحرك، ولم يعد تنظيم الحكم الذاتي موجودا ولا يمكنه القيام بواجباته.
نتيجة لكل ما ذُكر، سيشهد العالم على فشل الصهاينة الذريع - وخاصة حكومة نتنياهو- في القضاء على حالة المقاومة المتصاعدة في فلسطين، بل ستزداد الأمور بلا شك سوءاً بالنسبة للإسرائيليين عن أيام الحكومات السابقة، لأنّ الإسرائيليّ لا يجيد سوى إدارة الأمور بالسيف والنار، وباعتباره قوة احتلاليّة مدججة بكل أنواع الأسلحة أن يتخلى عن إجرامه وعنصريّته أبداً، وهذا بالضبط هو وقود الانتفاضات والثورات والمقاومة، بما ينهي أمن كيان الاحتلال للأبد، وخاصة أن جيش العدو بدأ يصطدم بالشعب أكمله، ما يشكّل معادلة قوية في الصراع مع الاحتلال الغاصب، حيث بات الشعب الفلسطينيّ قادراً على قلب الموازين في الضفة المحتلة والقدس بعد أن نجح في تحويل البيئة الأمنية لجيش الاحتلال ومستوطنيه إلى حالة من الرعب المتواصل، بما يصب في مصلحتهم للانعتاق من الاحتلال المقيت.