الوقت – أمر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتشكيل لجنة لتقييم موقف نقل المقابر في منطقة "السيدة نفيسة" و"الإمام الشافعي" في العاصمة القاهرة، بعد اعتراضات على قرارات حكومية بإزالة مقابر شخصيات عامة بارزة.
وقال بيان للرئاسة المصرية، الاثنين، إنه "انطلاقاً من حرص مصر على تقدير رموزها التاريخية وتراثها العريق على النحو اللائق، وجه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بتشكيل لجنة برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء، تضم جميع الجهات المعنية والأثريين المختصين والمكاتب الاستشارية الهندسية، لتقييم الموقف بشأن نقل المقابر بمنطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي".
حسب البيان، ستعمل اللجنة أيضًا على "تحديد كيفية التعامل مع حالات الضرورة التي أفضت إلى مخطط التطوير، على أن تقوم اللجنة بدراسة البدائل المتاحة والتوصل لرؤية متكاملة وتوصيات يتم الإعلان عنها للرأي العام قبل يوم الأول من يوليو/ تموز 2023".
كما أمر الرئيس المصري بإنشاء ما يسمى بـ"مقبرة الخالدين" في موقع مناسب، لتكون صرحاً يضم رفات عظماء ورموز مصر من ذوي الإسهامات البارزة في رفعة الوطن، على أن تتضمن أيضًا متحفاً للأعمال الفنية والأثرية الموجودة في المقابر الحالية، ويتم نقلها من خلال المتخصصين والخبراء".
وكانت محافظة القاهرة قد أصدرت قرارًا بإزالة 2700 مقبرة، ونقلها إلى أماكن جديدة في مدينتي 15 مايو والعاشر من رمضان. وعاد الجدل حول ذلك، مع إزالة عدد من المقابر، الكائنة في نطاق ما يعرف بـ"القاهرة الفاطمية". تعتزم الحكومة استخدم المنطقة في توسعة طريق صلاح سالم، وإنشاء جسر مروري لتسهيل الحركة المرورية، وفقا لتصريحات حكومية.
الدكتور مصطفى الفقي سكرتير الرئيس المصري الراحل حسني مبارك عبر عن سعادته بتوجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء مقبرة الخالدين لرفات عظماء مصر، مشيرا إلى أنه إجراء وطني طالب به منذ نوفمبر 2022 تكريمًا للراحلين وتمكينًا للتخطيط العمراني من ألا يصطدم برموز مصر. ووجه الفقي تحية للرئيس وسلامًا لمن رحلوا عن عالمنا.
وتوقع السياسي المصري المخضرم أن تهدأ الأجواء حول هدم المقابر التاريخية وجبانات المشاهير بعد قرار الرئيس السيسي بالبدء في إنشاء (مقبرة الخالدين)، مشيرا إلى أنه ليس شرطًا أن تكون (مقبرة الخالدين) في منطقة واحدة ويمكن تصنيفها لمجموعات في أماكن مختلفة.
ولفت الفقي إلى أن الكثير من الناس لديهم فكرة سياحة المقابر، مشيرا إلى أن إنشاء (مقبرة الخالدين) سوف يخدم هذا النوع من السياحة.
وتمنى أن تضم (مقبرة الخالدين) شيوخ القضاة والحاصلين على جوائز الدولة التقديرية والضباط الأحرار مع الرموز السياسية والفكرية، متمنيا على اللجنة المشرفة على تنفيذ (مقبرة الخالدين) أن تكون موضوعية في اختيارها للفترة الزمنية والرموز الوطنية.
وذكّر الفقي بطلب الأستاذ محمد حسنين هيكل إنشاء مقبرة داخل منزله في برقاش، مشيرا إلى أن الدولة رفضت.
تذكير الفقي بقصة طلب هيكل إنشاء مقبرة داخل منزله برقاش اعتبرها البعض ذات مغزى ودلالة، وتلميحا لتأييده ما تقوم به الدولة من هدم للمقابر.
وفي ذات السياق قال الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق إن التاريخ ولا كل الأجيال القادمة من هذه الأمة العظيمة لن تغفر، جريمة هدم أي أثر من آثارها.
وأضاف النجار: “البعض يقول إنها مجرد مقابر، وهذا جهل مروع فأعظم آثار العالم القديم هي مقابر وأهمها على الإطلاق مقابر وادي الملوك والملكات والنبلاء في الأقصر. ورغم رفضي المطلق للمساس بمقابر الرموز الوطنية الكبرى في العصر الحديث وللمقابر التي أصبحت في حكم الآثار أو المصنفة كذلك بالفعل، إلا أنه حتى في حالة احتياج الدولة للأرض المقامة عليها يجب أن يتم نقلها كما هي إلى مكان جديد وليس هدمها بفعل جاهل جهول.
معبدا أبو سمبل نحتا في الصخر ولم يتم بناؤهما وكانت عملية نقلهما في غاية الصعوبة لأنها تتطلب تفكيك الجبل وإعادة تركيبه، لكن الدولة المؤمنة بالهوية الحضارية لمصر وبشخصيتها التي تنطق بها شواهدها الأثرية العظمى استنهضت همم العالم ووفرت التمويل ونقلت المعبدين في معجزة هندسية لا تقل عن معجزة بنائهما”.
واختتم النجار مطالبا بوقف هدم المقابر التاريخية المصنفة كآثار، وتغيير مسارات الطرق والجسور، أو نقلها احتراما لقيم الراحلين وقيمة ودلالة الآثار.
من جهته قال السفير فرغلي طه إن الهدم يتم منذ شهر كامل، مشيرا إلى أنه قد نال معظم تلك المقابر، ولم تعد معالمها وزخارفها ونقوشها التاريخية المعبرة قائمة ، كما أن حُرمة رفات أصحابها قد انتُهِكت بالفعل . وتساءل طه: فماذا سيضم المتحف بعد الهدم؟!
وأضاف: “لو كنا درسنا الموضوع قبل الهدم جيدا من المتخصصين لكانت المنطقة بأسرها تحاط بأسوار وتحول إلى متحف سياحي مفتوح، وتتم معالجة مشاكل المرور بطرق هندسية أخرى بعيدة عن الهدم، وكان من الممكن عمل تحويلات مرورية و"كباري" في مناطق بعيدة عنها وقبل الوصول إلى تلك المنطقة ، لتصب في المقطم والاوتوستراد وصلاح سالم”.
وخلص السفير طه إلى أنه سبق السيف العذل، مشيرا إلى أن قرار الرئيس يشبه محاولة إعادة شخص ميت إلى الحياة بإقامة مزار لضريحه لإلهاء الزوار بالدعاء له والدروشة.
من جهته أشاد خالد عبدالعزيز مقر المحور المجتمعي بالحوار الوطني بإنشاء مقبرة الخالدين لنقل رفات العظماء إليها. وأضاف إنه لا يوجد في الهندسة شيء ليس له حل وفى حالة عمل طرق وكباري، المكاتب الاستشارية ترصد الأمر على أرض الواقع وتطرح حلولًا ويكون تأثيرها أقل، مؤكدًا أن اللجنة التي وجه الرئيس بتشكيلها ستخرج بحلول جيدة.
وتضم قائمة من تتأثر مقابرهم بخطط التطوير أسماء كبيرة منها شيخ الأزهر الأسبق محمد مصطفى المراغي، والشاعر والسياسي محمود سامي البارودي، والروائي يحيي حقي والشاعر حافظ إبراهيم، والفيلسوف أحمد لطفي السيد.
والقاهرة هي إحدى المدن التاريخية المدرجة على قوائم منظمة اليونسكو منذ 1979، وتحوي مساحات كبيرة تضم مدافن ومقابر تاريخية، ولا سيما في منطقة الإمام الشافعي والسيدة نفيسة وسط العاصمة.
