الوقت - رد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بإجابة حاسمة على سؤال وجه له خلال المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبورغ حول حقيقة تعرض بلاده لضغوط غربية لوقف شراء السلاح من روسيا.
وقال تبون وفق بيان للرئاسة الجزائرية: “أجيب بجملة واحدة.. الجزائريون ولدوا أحرارا وسيبقون كذلك”.
وفي فبراير/شباط الماضي دافع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، عن الجزائر، ضد مساعٍ يقودها أعضاء بالكونغرس الأمريكي لتفعيل القانون الخاص بمعاقبة “أعداء أمريكا”، بسبب شراء الجزائر أسلحة روسية.
وكان لافروف يرد وقتها على سؤال حول “رغبة واشنطن في معاقبة الجزائر لعدم مشاركتها في العقوبات ضد روسيا”.
وقال وزير الخارجية الروسي: “سمعت أن هناك مجموعة من أعضاء الكونغرس، 27 شخصاً على ما أعتقد، أرسلوا رسالة خاصة إلى وزير الخارجية (الأمريكي أنتوني) بلينكن، معربين عن استيائهم من عدم مشاركة الجزائر في العقوبات، واقترحوا في هذا الصدد معاقبة الجزائر بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات”.
وتابع لافروف: “كما تعلمون لدينا مثل شعبي يقول: (هاجمتم الشخص الخطأ)… فالجزائريون ليسوا ذلك الشعب الذي يمكن أن يملي عليه أحد ما يجب أن يفعله، أو أن يتوقع منه بفرقعة أصبع من وراء المحيط تنفيذ توجيهات تتناقض بشكل مباشر مع مصالحه الوطنية. الجزائر، مثل غالبية الدول الأخرى، تحترم نفسها وتاريخها ومصالحها، وتبني سياستها استناداً إلى مصالحها، وليس استناداً إلى اتفاقيات من خلف الستار مع أولئك الذين يعدونك بالحلوى، وهم في الواقع يحاولون انتهاك المصالح الشرعية لمن يسمونهم شركاءهم”.
و الخميس، وقعت الجزائر وروسيا إعلان الشراكة الاستراتيجية العميقة بين البلدين، في إطار زيارة دولة بدأها تبون الثلاثاء إلى موسكو لتعزيز التعاون، هي الأولى له منذ توليه الحكم نهاية 2019.
وحرص تبون الذي رفع في بلاده شعار "2023 سنة اقتصادية"، أن يكون الملف الاقتصادي الغالب على هذه الزيارة، مع التأكيد على التوافق بين البلدَين في القضايا الدولية ذات الأولوية للجزائر، كالقضية الفلسطينية والصحراء الغربية والوضع في مالي وليبيا.
لم تكن الزيارة التي أداها تبون إلى روسيا تأكيدًا على تمسُّك الجزائر بعلاقاتها التاريخية مع موسكو فقط، إنما رسالة عن استقلالية البلاد في مواقفها الدولية رغم الضغوط التي تمارَس عليها لتصطفّ في الصراع الروسي الأوكراني، لأنه لو لم تكن هذه الزيارة ضمن التغيرات الدولية الحالية لما شكّلت هذا اللغط المحلي والدولي.
وكان الرئيس تبون صريحًا في كلمته أمام نظيره الروسي، حين قال إن "الضغوط الدولية لن تؤثر على علاقتنا مع روسيا"، وأعرب في تصريح مشترَك مع بوتين عن "ارتياحه لتوافق الرؤى تجاه الملفات التي تمَّ تناولها خلال المحادثات، ومنها قضية الصحراء الغربية والوضع في منطقة الساحل والقضية الفلسطينية، وكذا التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عمّا يجري في ليبيا".
وتشكّل هذه القضايا الدولية أولوية للدبلوماسية الجزائرية التي ستكون بداية العام المقبل عضوًا غير دائم بمجلس الأمن، وكان تبون واضحًا في بعض القضايا التي من الممكن أن تشكّل خلافًا بين البلدَين، وفي مقدمتها مالي التي تقول تقارير غربية إن قوات فاغنر الروسية موجودة فيها، حيث قال تبون في هذا الشأن: "نطلب من روسيا أن تساعدنا في حل الأزمة بمالي وفق اتفاق الجزائر 2015"، ومعلوم أن الجزائر هي من ترأّس الوساطة الدولية في مالي.
وقال تبون نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، إن الأموال التي تدفعها دولة مالي لمجموعة فاغنز الروسية ستفيد أكثر إذا اُستثمرت في التنمية، مبيّنًا أن الحل هناك اقتصادي أكثر من كونه أمنيًّا.
وأوضح تبون أن زيارته لروسيا "تندرج في إطار الجهود التي يبذلها بَلداننا لتوطيد علاقتهما الثنائية وتعزيز ديناميكية التعاون بيننا"، واصفًا المحادثات التي جمعته بنظيره الروسي بـ"المثمرة والصريحة والصادقة".
وفي الحقيقة، لا يشكّل هذا التوافق أمرًا جديدًا بين البلدَين الحليفَين اللذين احتفلا العام الماضي بمرور 60 عامًا على اتفاق الصداقة بينهما، والذي جعل الجزائر تحسَب على الدوام على المعسكر الشرقي، رغم محاولاتها لتنويع شركائها وبالخصوص الاقتصاديين في السنوات الأخيرة.
وبالنظر إلى حالة الاقتصاد الجزائري، فإن البدء بعضوية غير كاملة يصبّ في مصلحته، بالنظر إلى أنه يتطلب كثيرًا من الإصلاحات وبالخصوص في التعاملات البنكية، وتطوير التجارة الإلكترونية والمعاملات الرقمية، إضافة إلى حاجته للتحرر من التبعية للمحروقات، وهو الهدف الذي بدأ يتحقق بتحقيق صادرات بـ 7 مليارات دولار خارج المحروقات عام 2022، والسعي لرفعها هذا العام إلى 15 مليار دولار.
وترى الجزائر في الانضمام إلى "بريكس" تنويعًا في شركائها، بحيث تتحرر من الارتباط اقتصاديًّا بأوروبا، لذلك دعا تبون المتعاملين الاقتصاديين الروس إلى "الاستثمار في الجزائر التي تتوافر فيها اليوم بيئة استثمارية ملائمة، بفضل الإجراءات التحفيزية والامتيازات التي يتضمنها القانون الجديد للاستثمار"، وفق ما قاله الرئيس الجزائري.
وتأمل الجزائر أن تستفيد من كل القطاعات الاقتصادية التي تحقق روسيا فيها تقدمًا، إضافة إلى إمكانية تحفيز موسكو سيّاحها على زيارة الجزائر التي أصدرت بداية هذه السنة تسهيلات في التأشيرة لزيارة ولاياتها الجنوبية.
ويظهر أنه رغم عدم وجود علاقات اقتصادية كبيرة بين الطرفَين، إلا أن كل طرف يتفهّم خطط الآخر في هذا المجال، إذ لم تبدِ موسكو انزعاجها على الإطلاق من طرح الجزائر نفسها كمموّن طاقوي موثوق لأوروبا، قد يكون معوّضًا لموسكو التي ساءت علاقاتها مع جيرانها في القارة العجوز جرّاء الحرب في أوكرانيا.
وبالنسبة إلى الجزائريين، لا أهمية كبيرة للشعارات والقراءات التي رافقت زيارة الرئيس تبون إلى روسا لأنها تظل مجرد خطابات للاستهلاك الإعلامي، حيث الأهم يبقى تحقيق المبتغى من الزيارة، والمتمثل في مدى القدرة على إخراج التعاون مع روسيا من المجال العسكري إلى قطاعات اقتصادية، ليكون التبادل التجاري مبنيًّا على مبدأ التكافؤ والربح الثنائي.