الوقت - منذ حوالي أربعة أشهر، ولأول مرة، أفادت بعض وسائل الإعلام الإيرانية والدولية عن اكتشاف معدن الليثيوم في إيران.
وكان وكيل شؤون التعدين في منظمة الصناعة والتعدين والتجارة بمحافظة همدان الإيرانية، قد ذكر في شهر آذار من العام الماضي، أنه تم اكتشاف منجمين لليثيوم في سهل "قهاوند" بهمدان، وأكد أن شهادة الاكتشاف ورخصة استغلال هذا المعدن يتم الحصول عليهما.
استغرق اكتشاف هذا المنجم، الذي تبلغ مساحته من 5 إلى 6 كيلومترات مربعة وهو نفس مساحة سهل قهاوند، 4 سنوات وتم الإعلان عن الاحتياطي النهائي لهذا المعدن الاستراتيجي بـ 8 ملايين و 500 ألف طن.
إيران هي واحدة من الدول القليلة التي لديها إمكانية الوصول إلى كميات كافية من احتياطيات العناصر الأرضية النادرة والمعادن الثمينة، والتي بدأت بعد عملية اكتشاف المناطق المعدنية في عام 2013.
كان تحديد هذه الاحتياطيات أحد الأحداث التي وقعت في هذه الاكتشافات، ولوحظت معادن نادرة مثل معدن الليثيوم في مناطق مختلفة من البلاد بكميات مناسبة، والآن يبحث مشغلو التعدين عن بدء الاستخراج الصناعي لهذه المادة، ويضعونها الآن في مرحلة الاستخراج شبه الصناعي.
ما هو الليثيوم؟
"الليثيوم"، الذي يعتبر وجوده في عالم اليوم من ضروريات التكنولوجيا، معدن قلوي أبيض فضي ولين، برقم ذري 3. وهذا العنصر هو أخف معدن وأقل عنصر صلب كثافةً، في ظل الظروف القياسية لدرجة الحرارة والضغط.
في الظاهر، يبدو أن الليثيوم ليس له دور في حياة الحيوانات والنباتات، ويمكنهم البقاء على قيد الحياة دون الليثيوم، ولكن من الناحية العملية، يمكن العثور على آثار خافتة جدًا من الليثيوم في جميع الأعضاء الحية.
يؤثر أيون الليثيوم، الموجود على شكل أملاح مختلفة، على الأعصاب البشرية، ويمكن أن يساعد كدواء في علاج الاضطراب ثنائي القطب.
تم اكتشاف الليثيوم لأول مرة في عام 1817 في السويد، واتضح أن سبيكة هذا المعدن مع الألمنيوم والكادميوم والنحاس والمنغنيز، يمكن استخدامها في بناء أجزاء الطائرات عالية التحليق.
إن وجود الليثيوم مبعثر للغاية، ولكن نظرًا للفاعلية الكبيرة، فإنه لا يوجد في الطبيعة في شكل حر، ويُنظر إليه دائمًا على أنه مزيج من عنصر واحد أو أكثر أو مركبات أخرى. ويشكل هذا المعدن جزءًا صغيرًا من جميع الصخور النارية، وهو موجود أيضًا في العديد من المحاليل الملحية الطبيعية.
کما أن الليثيوم عنصر مهم في البطاريات القابلة لإعادة الشحن، المستخدمة في الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والمركبات الكهربائية. وحاليًا، يتم استخدام سبيكة من الليثيوم والألمنيوم في صناعة الطائرات، وهي خفيفة ومرنة وقوية ومقاومة.
إضافة إلى ذلك، يتمتع الليثيوم بقوة شد كبيرة، وبسبب وزنه الخفيف فهو خيار مناسب جدًا للبطاريات خفيفة الوزن وعالية الطاقة. أيضًا، ينتج هذا المعدن جنبًا إلى جنب مع الرصاص، سبيكةً تُستخدم في صنع محامل عجلات القطار. ومن الاستخدامات الأخرى لليثيوم، استخدامه في صناعة الأدوية.
ومع ذلك، فيما يتعلق باستخدام الليثيوم في كل من الصناعات والمستحضرات الصيدلانية، فمن المهم للغاية الانتباه إلى نقطة واحدة؛ لأن الحد الفاصل بين فائدة هذه المادة وسميتها للإنسان والبيئة، رقيق للغاية وهش.
ما هي دول العالم التي لديها "الليثيوم"؟
مع 8 ملايين طن من احتياطيات الليثيوم، تمتلك شيلي أكبر كمية من احتياطيات هذا المعدن في العالم. بعد ذلك، تحتل أستراليا والأرجنتين المرتبة الثانية والثالثة في العالم باحتياطي 2 مليون و 700 ألف طن و 2 مليون طن من احتياطي الليثيوم، على التوالي.
لم يصل الليثيوم في إيران إلى الإنتاج والتكنولوجيا، والطبيعة الاقتصادية لاستكشاف ومعالجة الليثيوم مهمة للغاية، لأن المعالجة والمعرفة الفنية المتعلقة بها تحت تصرف الدول المتقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية. والاستحواذ على سوق السيارات الكهربائية، هو سبب الاهتمام بسوق الليثيوم في إيران.
في عام 2017، تم بيع الليثيوم على شكل معدن في الأسواق العالمية بسعر حوالي 160 دولارًا للكيلوغرام الواحد؛ أيضاً، يتم تزويد مركزه بصفات جودة بطارية "كربونات الليثيوم" والمركز الشائع، والذي يباع بحوالي 20.000 دولارا للطن و 9.39 دولارات للكيلوغرام و 5 دولارات للكيلوغرام، على التوالي.
ردود الفعل الدولية على اکتشاف مصادر الليثيوم في مدينة همدان الإيرانية
في الوقت نفسه الذي تم فيه الإعلان عن اكتشاف مصادر الليثيوم في إيران، واجهت هذه القضية ردود فعل دولية.
ومن بينها، نشر موقع صحيفة "إنديان إكسبريس" الهندية تقريرًا عن هذا الحدث المهم، جاء في جزء منه: "هذا الاكتشاف سيكون إنجازًا كبيرًا لإيران، التي تضرر اقتصادها منذ عقود في ظل العقوبات الأمريكية. ونظرًا للدور المهم لليثيوم في تصنيع البطاريات، فمن المتوقع أنه في العقود القادمة وفي الوقت نفسه الذي يفضل فيه العالم استهلاك الطاقات النظيفة والجديدة بدلاً من الطاقات الأحفورية، سيصبح دور المعادن مثل الليثيوم أكثر أهميةً من اليوم. وهذا هو أول اكتشاف لمعدن الليثيوم في إيران".
أيضًا، في إشارة إلى اكتشاف موارد الليثيوم في إيران، كتب موقع كوارتز: "تمتلك إيران الآن أكبر احتياطي من الليثيوم خارج أمريكا الجنوبية. في العام الماضي، قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إجمالي احتياطيات الليثيوم في العالم بحوالي 89 مليون طن، ما يعني أن هذا الاكتشاف قد يكون قريبًا من عُشر الليثيوم في العالم".
کذلك، بعد وقت قصير من إعلان إيران عن اكتشاف الليثيوم، قالت وكالة سبوتنيك الإعلامية الروسية إن احتياطيات الليثيوم "جعلت العقوبات الغربية عديمة الجدوى"، واصفةً هذا النبأ بأنه انتصار لدولة معزولة اقتصادياً بسبب العقوبات.
لعبة الليثيوم في العلاقات الصينية الإيرانية
تبحث الصين، الحليف الاقتصادي الرئيسي لإيران، عن مصادر جديدة للليثيوم لصناعة البطاريات سريعة النمو.
لقد استثمرت الصين، موطن أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، بكثافة في زيادة إنتاج الليثيوم في الأسواق الجديدة، بما في ذلك الاستثمار الأخير بمليار دولار في مصفاة الليثيوم التي تديرها الدولة في بوليفيا.
تتمتع الصين بعلاقات اقتصادية وثيقة مع إيران، وأصبحت المشتري الرئيسي للنفط من هذا البلد بعد أن أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض العقوبات على إيران في عام 2020. ومن المحتمل أن تستفيد إيران والصين من احتياطيات الليثيوم الجديدة هذه.
قلق تل أبيب من الليثيوم الإيراني
تقول "عنات هوخبرع"، الخبيرة في القضايا الجيوسياسية، في مقابلة مع صحيفة معاريف الصهيونية، إن اكتشاف موارد الليثيوم في إيران يمكن أن يؤدي إلى تغيير في ميزان القوى الإقليمية، ويمنح طهران مكانةً جيوسياسيةً واقتصاديةً غير مسبوقة. وأضافت: "إسرائيل تتابع هذا الموضوع باهتمام، لمعرفة كيف ستحاول طهران استغلال هذا الاكتشاف لصالحها".
وكتبت صحيفة معاريف كذلك: "إن القوة العسكرية لإيران واستئناف العلاقات مع الدول العربية، وخاصةً السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بالإضافة إلى التدريبات البحرية لهذا البلد مع دول مثل الهند وباكستان، هي مصدر القلق الرئيسي لإسرائيل".
وتوقعت صحيفة معاريف: "قريباً، سيزداد الوضع الاقتصادي والنفوذ الجيوسياسي لإيران بشكل حاد، ويحدث هذا بينما تم اكتشاف حقل كبير لليثيوم يحتوي على 8.5 ملايين طن – وهو ثاني أكبر حقل لليثيوم في العالم بعد تشيلي - في مقاطعة همدان الواقعة في غرب إيران".
وتابعت معاريف: "وبهذه الطريقة، تمتلك إيران 10٪ من احتياطيات الذهب الأبيض في العالم، والتي تقدر حاليًا بنحو 89 مليون طن. وهذا الاكتشاف الذي يمكن أن ينقذ الاقتصاد الإيراني ويلغي على ما يبدو فاعلية العقوبات المفروضة عليها، يعتبر ورقةً رابحةً لهذا البلد".
وفقًا لعنات هوخبرع، يمكن أن يكون لهذا الاكتشاف تأثير كبير على أسواق الطاقة والتعدين العالمية، فضلاً عن الصناعات العالمية لبطاريات الليثيوم والمركبات الكهربائية، ومن المتوقع أن تؤدي كل هذه الأمور إلى تغييرات واسعة النطاق في الاقتصاد والسياسة العالمية، ومرةً أخرى سيصبح الشرق الأوسط مركز الثقل".
ثم أقرت صحيفة معاريف بأن هذا الاكتشاف يمنح إيران فرصةً غير مسبوقة وكبيرةً في الاقتصاد وقطاع الطاقة، لأنه "من الواضح أنه على الرغم من أن جودة وتكلفة تعدين هذا الليثيوم الاستكشافي معروفة، لكن الحفاظ على حوالي عُشر استهلاك الليثيوم في العالم والسيطرة على هذه المادة الخام الاستراتيجية، سيجعل إيران لاعبًا جيوسياسيًا مهمًا في السياسة والاقتصاد العالميين".
ووفقًا لهذا التقرير، في ظل أزمة المناخ المتفاقمة، سيكون اكتشاف حقل الليثيوم هذا - إلى جانب مصادر الطاقة الأخرى، بما في ذلك الطاقة النووية - مصدر قوة وتأثير سياسي واقتصادي وفي مجال الطاقة للحكومة الإيرانية. ومن المتوقع أن تستغل إيران كل هذه الأمور وانعكاساتها في دول المنطقة، وحتى على الساحة الدولية.
ولذلك، لن تؤدي هذه القضية إلى زيادة نفوذ إيران إلى حد كبير فحسب، بل ستتغلب أيضًا على نفوذ الدول الخليجية، وعلى وجه التحديد منتجي النفط الرئيسيين في العالم، وعلى رأسهم السعودية والإمارات، بل قد تغير ميزان القوى الإقليمية لصالح إيران.
وحسب معاريف، فإن هذا الموضوع يعزز موقف إيران التفاوضي في إطار مختلف التحالفات والاتفاقيات الاقتصادية والأمنية، ويحولها إلى ثقل بين مختلف اللاعبين في الشرق الأوسط، وينقل بؤرة الاهتمام من سوق النفط إلى صناعات "الذهب الأبيض" وتعدين الليثيوم في المنطقة.