الوقت - حل أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الإثنين، البرلمان داعيا لتنظيم انتخابات جديدة، بعد أن تعرضت البلاد لأزمات سياسية متكررة.
وقال ولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في كلمة ألقاها نيابة عن أمير البلاد إنه “احتكاما للدستور، قررنا حل مجلس الأمة 2020 المعاد بحكم المحكمة الدستورية والعودة إلى الشعب في انتخابات جديدة خلال الفترة المقبلة”.
وأوضح ولي العهد: “الخروج من تداعيات المشهد السياسي الحالي يتطلب الرجوع إلى الدستور باعتباره المرجعية ووثيقة الحكم والالتفاف حول الشعب وتنفيذ رغباته”.
وتابع: “ترتيبا على كل ما تقدم واحتكاما للدستور ونزولا واحتراما للإرادة الشعبية قررنا حل مجلس الأمة 2020 المعاد بحكم المحكمة الدستورية حلا دستوريا استنادا للمادة 107 من الدستور والدعوة لانتخابات عامة في الأشهر القادمة”.
وأضاف إن “سبب حل مجلس الأمة 2020 هو الانتصار للإرادة الشعبية ما يتطلب معه ضرورة العودة إليها في انتخابات جديدة”، تصحبها “إصلاحات سياسية وقانونية مستحقة لنقل الدولة إلى مرحلة من الانضباط والمرجعية القانونية”، لكنه لم يحدد هذه الإصلاحات.
وفي 9 نيسان(أبريل) الماضي، أبصرت حكومة جديدة هي السابعة في 3 سنوات، النور برئاسة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح، بعد أقل من 4 أشهر من استقالة الحكومة السابقة عقب أزمة سياسية مع البرلمان.
تعيش الكويت منذ حكم المحكمة الدستورية في 19 مارس/ آذار الماضي، القاضي بإبطال انتخابات مجلس الأمة التي جرت في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، بسبب بطلان مرسوم حلّ البرلمان السابق، وبطلان الدعوة إلى الانتخابات، وبعودة مجلس 2020 المنحلّ، حالة من التوتر في المشهد السياسي.
ويأتي هذا التوتر خصوصاً بعدما جاء الحكم مفاجئاً لتوقعات الشارع الكويتي، وعلى خلاف حالة التفاؤل التي صاحبت أجواء الانتخابات الأخيرة، والضمانات التي منحها أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، عبر خطابه الذي تلاه نيابةً عنه وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في 22 يونيو/ حزيران الماضي، والذي أعلن فيه إنهاء فصول الأزمة السياسية الممتدة بين البرلمان والحكومة، وبدء فصل جديد في العلاقات بينهما، بحلّ مجلس الأمة، وتكليف رئيس جديد للحكومة، والدعوة إلى انتخابات عامة، وتأكيده على إجرائها بعد إعداد الترتيبات القانونية اللازمة لها.
في البداية، تباينت ردود الفعل الأولى على حكم المحكمة الدستورية، ولكن لاحقاً تمايزت بموقفين رئيسيين؛ الأول موقف رئيس مجلس 2020 العائد مرزوق الغانم، مع عدد من أعضاء المجلس أبرزهم نائبه أحمد الشحومي، ورئيس اللجنة التشريعية أستاذ القانون عبيد الوسمي.
وعقد الثلاثة أكثر من مؤتمر صحفي، داعين إلى التعامل مع عودة البرلمان المنحلّ على أنه أمر واقع، وإلى إقرار جملة من القوانين باتجاه إصلاح إجراءات العملية الانتخابية قبل العودة إلى صناديق الاقتراع، أهمها قانون إنشاء المفوضية العليا للانتخابات.
بينما كان الفريق الآخر هو فريق المعارضة نفسها التي أطاحت برئيس الحكومة السابق الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وقادت إلى حلّ البرلمان، بزعامة النائب محمد المطير. وهؤلاء رفضوا رفضاً قاطعاً عودة مجلس 2020، ورفضوا التعامل معه أو مع رئيسه الغانم، واتخذوا عدة خطوات تصعيدية بهذا الشأن، آخرها عقدهم مؤتمرا صحفيا، يوم السبت الماضي، بعد إعلان تشكيل الحكومة الكويتية الجديدة برئاسة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، جددوا من خلاله تأكيدهم رفض استمرار الوضع القائم، والذي استجاب أخيراً لمطالبهم أمير الكويت، بإعلانه إعادة حلّ المجلس العائد بحكم المحكمة الدستورية.
وحول ذلك، يعتقد الباحث السياسي عمر العبدلي، أنّ خطوة إعلان أمير الكويت حلّ مجلس الأمة 2020 مُجدداً جاءت "استجابة لمطالب شعبية واسعة يُمثلها أعضاء المجلس المُبطل 2022، كما تعني أنّ القيادة ليست في خضمّ الصراع مع الشعب، على عكس المرحلة ما بين 2011 و2014"، ولفت إلى أنّ "ما يميز هذا الخطاب عما سبقه هو التطرق إلى الإصلاحات السياسية".
وأضاف: "أعتقد أنّ هذه الخطوة بوابة لمسار جديد ما زال عالقاً، بمعنى أنّه دونها لا معنى للحديث عن تصحيح المسار، وهو ما أعلنه وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد، نيابةً عن سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، إذاً فإنّ الخطوات التالية لهذه الخطوة هي ما ستُحدد لنا إذ ما كنا سنتجاوز الحالة الراهنة أو عدمها".
ويرى العبدلي أنّه يجب أن يتبع هذه الخطوة "قيام رئيس الحكومة وبقية وزرائه عقد عدة مؤتمرات صحفية موسعة لتوضيح برنامج عمل الحكومة، ووجهات نظرها ومواقفها من مختلف القضايا إلى الشعب بشكل مباشر، بدلاً من ترك النواب والمحللين السياسيين لتأويل مواقفها وفق ما يريدونه، فهي حكومة الكويت ولديها التزام أمام شعب الكويت، وهو ما تفتقر إليه الحكومات المتعاقبة، وخاصة حكومات الشيخ أحمد النواف".
أما من ناحية دور المعارضة في المرحلة المقبلة، فقال الباحث السياسي: "أنا لست متأكداً من جدوى استخدام مصطلح المعارضة، لكن من الضروري أن يعمل الائتلاف الأوسع في البرلمان على مناقشة برنامج عمل الحكومة لتوضيح ما هو مقبول وما هو مرفوض وما هو قابل للنقاش، كما أنّه من الضروري أنّ يُقدّم هذا الائتلاف عدداً من القوانين التي يراها ذات أولوية وبشكل صريح وعلني، بدلاً من الاختباء خلف شعارات الإصلاح والتنمية ومحاربة الفساد، وهذا ما لم يكن حاضراً منذ عام 2020".
من جانبه، يرى رئيس "مركز طروس للدراسات" محمد الثنيان، أنّ "جملة الإصلاحات التي أشار إليها الخطاب الأميري تتعلق بتحديد اختصاصات المحكمة الدستورية، وتقديم بعض القوانين التي تحافظ على سير الانتخابات من كل الشوائب، والتأكد من خلوها من الثغرات الدستورية".
ولفت الثنيان إلى أنّ "القوى السياسية لا تمتلك رؤية واضحة، وسوف تتعامل مع الخطاب الأميري في جزئية حلّ مجلس الأمة، والترشح للانتخابات عبر دفع ممثليها للبرلمان"، وأضاف: "المرحلة تستدعي أن يكون لديها مشروع سياسي يلتف حوله الشعب ويُدعم من كل مكونات المجتمع الكويتي".
وتابع الثنيان: "الانتخابات المُقبلة هي أصعب انتخابات برلمانية، ولن تكون سهلة على كل الأطراف، ومن المتوقع أنّ تكون في صالح توازن القوى بين الأطراف المتصارعة في المشهد السياسي".
من جانبه، قال الناشط السياسي والمرشح السابق لانتخابات مجلس الأمة سعد خالد الفجي، إنّ "الخطاب الأميري درأ الفتنة، وأخمد النار التي كان من الوارد أنّ ينجرف إليها الشارع، بعد تزايد غضب الناس من عودة مجلس 2020 الساقط شعبياً، ومن المؤتمرات الصحفية الاستفزازية التي عقدها مكتب المجلس برئاسة مرزوق الغانم".
وأوضح أنّ "خطاب القيادة السياسية كان منتظراً من الشعب الكويتي قاطبةً لوضع النقاط على الحروف، وهو ما تم وأثلج الصدر عندما أكّد على العودة إلى الدستور لحلّ الأزمة السياسية، وأنهى الجدل الدائر منذ أسابيع في الشارع والدواوين".
ولفت الفجي إلى أنّ "المرحلة المقبلة تتطلب تضافر الجهود حتى نعبر إلى مسار جديد من تاريخ الكويت على كل المستويات، وتحقيق مقولة (العهد الجديد) على أرض الواقع، ابتداءً من إصلاح العمل السياسي الذي يمتد بطبيعة الحال إلى بقية المجالات".
واستطرد: "الكويت منذ أكثر من 14 عاماً في مكانها نفسه في ظل أزماتها السياسية المختلفة، وقوى سياسية كثيرة أثبتت فشلها، والعديد من النوّاب الذين تكرروا ما يزيد على أربع دورات برلمانية، لذلك يجب على عدد واسع من أطراف المراحل السابقة أنّ يتنحى، ويُعطي مجالاً لغيره من أجل تحقيق الإصلاح في البلد، والمسؤولية الآن تقع على الناخب الكويتي لحسن الاختيار".
وفي حال جرت انتخابات جديدة في الكويت خلال الأشهر القادمة، فإنها تُعتبر الانتخابات الثالثة التي تُعقد في عهد حاكم البلاد الشيخ نواف الأحمد، منذ تقلده منصب الأمير في أواخر سبتمبر/ أيلول 2020.