الوقت- أعلنت الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان الأسبوع الماضي أنهما توصلتا إلى اتفاق حول كيفية تصدير النفط والغاز. في الواقع، اعتبرت هذه الاتفاقية خطوة مهمة وأمامية لحل القضايا العالقة بين بغداد وأربيل.
حكم هيئة المحلفين الدولية
أعلنت وزارة النفط العراقية في 23 آذار / مارس الجاري في بيان أن هيئة التحكيم في باريس صوتت لصالح العراق بشأن شكوى العراق ضد تركيا بشأن تصدير النفط الإقليمي عبر هذا البلد. وحسب هذا القرار، كان من المفترض أن يحصل العراق على تعويضات "بمبلغ 1.4 مليار دولار".
حيث كانت شكوى العراق حول عدم امتثال تركيا لاتفاقية 1973 بشأن نقل النفط العراقي عبر هذا البلد. من وجهة نظر العراق، كان على تركيا أن تتعاون مع الحكومة المركزية العراقية في مجال نقل النفط عبر أراضيها إلى جميع أنحاء العالم، وليس فقط مع الحكومة الإقليمية.
تركيا ومشكلة نفط العراق
وأدى قرار التحكيم هذا إلى قيام تركيا بوقف عملية تصدير النفط والغاز عبر أراضيها - وتحديداً ميناء جيهان، كما أوقفت شركات النفط الغربية والأمريكية مؤقتًا عملية استخراج النفط من "كردستان وكركوك" تنفيذاً لقرار هيئة التحكيم والانتظار حتى تتوصل الحكومة الفيدرالية والحكومة الإقليمية إلى اتفاق مرضٍ بين الطرفين.
وبهذا التصويت توقف الإقليم مؤقتا عن تصدير حوالي 500 ألف برميل من النفط العراقي عبر ميناء جيهان في تركيا (حوالي 400 ألف منها مرتبطة بالإقيلم وحوالي 100 ألف منها تتعلق بكركوك)، ولم يكن هذا التوقف بلا أثر. من حيث ارتفاع أسعار النفط العالمية.
راحة البال التركية تأتي من القرار
الشيء المثير للاهتمام في إصدار قرار التحكيم هذا هو موقف تركيا. وسرعان ما أعلنت البلاد أنها ستقبل التصويت ووقف تصدير النفط عبر مينائها حتى تقرر الحكومة الفيدرالية في العراق ذلك. لكن هذا الموقف الإيجابي لتركيا كان له سبب آخر.
والواقع أن شكوى العراق ضد تركيا أمام هيئة التحكيم تتعلق بخمس قضايا طالب العراق خلالها بـ "مبلغ 58 مليار دولار" من تركيا. ومع ذلك، في إحدى هذه الحالات، تم الاعتراف بحق العراق في الحصول على تعويضات، وفي بقية الحالات، رفضت هيئة التحكيم شكوى العراق.
إضافة إلى ذلك، وبسبب أمور مثل عدم دفع الرسوم المتعلقة بالنقل إلى تركيا، كان يحق لهذا البلد أيضًا الحصول على 600 مليون دولار من العراق. أيضًا، وفقًا لاتفاقية نقل النفط بين أنقرة وأربيل عام 2013، لن تدفع أنقرة هذا المبلغ البالغ 1.4 مليار دولار، لكن وفقًا لهذا الاتفاق، ستكون الحكومة الإقليمية مسؤولة عن دفع التعويضات.
ومع ذلك، أرادت تركيا بشدة حل المشكلة بين بغداد وأربيل من خلال اتفاق يتفق عليه الطرفان، وأعلنت هذا الموقف مرات عديدة بشكل رسمي وغير رسمي خلال هذه الفترة. ويعود السبب في ذلك لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية.
سياسياً، لم ترغب تركيا في أن تكون في وضع يمكنها من الاختيار في تعاونها بين الحكومة المركزية والحكومة الإقليمية. من الناحية الأمنية، تركيا لديها تعاون كبير مع "الحزب الديمقراطي للإقليم" ضد "قوات حزب العمال الكردستاني" وأخيراً من الناحية الاقتصادية لا تريد تركيا أن تفقد امتياز خط نقل النفط عبر أرضها إلى أوروبا.
خلافات بين بغداد واربيل
وبعد قرار هيئة التحكيم سافر وفد من الإقليم إلى بغداد للتفاوض بشأن القضايا المتنازع عليها. كانت هذه الخلافات على النحو التالي:
1. أرادت الحكومة المركزية بيع نفط الإقليم تحت إشراف "شركة تسويق نفط العراق (سومو)”، لكن ةلإقليم أراد بيع النفط تحت إدارة مشتركة بين شركة سومو والإقليم.
2. أرادت الحكومة المركزية أن تعين بنفسها منصب "نائب وزير الموارد الطبيعية للإقليم"، لكن الإقليم أراد أيضاً أن يكون منصب "نائب مدير شركة سومو" من نصيبها.
3. أرادت الحكومة المركزية أن تكون عائدات بيع النفط في حساب في البنك المركزي تحت إشراف بغداد، لكن حكومة الإقليم أرادت أن تودع الممتلكات في بنك آخر غير البنك المركزي وأن أربيل لديها الحق في الانسحاب منه بحرية.
أحكام اتفاقية بغداد - أربيل
وأخيراً، وبعد المفاوضات بين الطرفين، تم التوصل إلى اتفاق جاء على النحو التالي:
1 - تصدير النفط العراقي يجب أن يتم فقط من خلال شركة سومو، وفي المقابل يتم استحداث منصب يسمى "نائب رئيس شركة سومو" ويكون ملكا للأكراد، ومنصب نائب وزير الثروات الطبيعية، من الحكومة الإقليمية ستنتمي أيضًا إلى الحكومة الفيدرالية.
2. حتى الموافقة على الميزانية أو الموافقة على قانون النفط والغاز، سيتم تشكيل لجنة من 4 أشخاص تتكون من ممثلين اثنين من وزارة النفط وممثلين 2 من وزارة الموارد الطبيعية، والتي ستشرف على عملية بيع النفط في الإقليم. وهذا يعني أن هذه اللجنة هي لجنة مؤقتة لحين الموافقة على أحد القوانين سالفة الذكر، وبعد الموافقة على أحدها ستكون مسؤولية "شركة سومو" هي الإشراف على بيع النفط.
3. سيستعين الإقليم بخبراء من وزارة النفط لتكييف اتفاقياتها مع شركات النفط العالمية مع الاتفاقية الجديدة.
4. تم أيضًا الاتفاق على إيداع الواردات التي تم الحصول عليها من بيع النفط إلى حساب البنك المركزي أو حساب مصرفي معتمد من قبل البنك المركزي، وفقط "رئيس وزراء الإقليم" مع السلطة الممنوحة من قبل "محكمة الرقابة المالية" ضمن موازنة عام 2023 يسمح له بالتصرف بها.
الأطراف بحاجة إلى الاتفاق
بشكل عام، تم التوصل إلى الاتفاق، ومضمون فقراته يشير إلى انتصار كبير لحكومة السوداني، وبالتالي لحلفائها السياسيين، أي "إطار التنسيق الشيعي". طبعا تجدر الإشارة إلى أن هذا الانتصار جاء بفضل حكم المحكمة الدولية الذي جعل الإقليم عمليا بلا قوة مناورة في التفاوض. ولكن للأسباب التالية، كان على الأطراف التوصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن:
1. لم ترغب حكومة السوداني وحلفاؤها الشيعة في أن يكونوا عقبة أمام تصدير النفط إلى أوروبا. من ناحية أخرى، كانت حكومة الإقليم تعلم جيدًا أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فسيتعين عليها دفع 1.4 مليار كتعويض.
2. الإطار التنسيقي الشيعي يحتاج إلى تعاون الإقليم لإقرار قوانين مثل الموازنة. من ناحية أخرى، يحتاج الإقليم إلى أموال مودعة من الحكومة الاتحادية لدفع رواتب موظفيها الحكوميين.
العلاقات بين بغداد واربيل
في هذا السياق وتحديداً - سياقه الاقتصادي - ينبغي القول إنه على الرغم من التوصل إلى الاتفاق نتيجة للمفاوضات بين الأطراف، كان العامل الدافع عاملاً خارجيًا وليس عاملاً داخليًا (رأي هيئة التحكيم في باريس).
كما أن الاتفاقية الموقعة ليس لها أي ضمان قانوني عمليًا، ومعظم ضمان إنفاذها هو القوة السياسية للأحزاب، ما يعني أنه إذا خرجت الإقليم، على سبيل المثال، من وضعها السياسي والاقتصادي السيئ، فمن المحتمل أن تتنصل من التزاماتها.
لهذا السبب يمكن اعتبار هذه الاتفاقية "سلاما اقتصاديا مؤقتا" بين بغداد واربيل، وحالما يتغير ميزان القوى، سيمكن تغيير بنود هذه الاتفاقية.