الوقت_ انتشرت في الفترة الماضية تقارير إعلاميّة تتحدث عن ازعاج غربيّ وأمريكيّ من تأثير الإعلام الروسيّ الناطق بالعربيّة في الشرق الأوسط، وفي إشارة إلى نجاح قناة "روسيا اليوم" التلفزيونية في الشرق الأوسط، حذرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية من تنامي نفوذ هذه القناة، فقد اشتكى أحد الباحثين في مركز أبحاث كارنيج والعضو البارز في مركز أبحاث "رويال يونايتد" وجامعة كامبريدج، من التأثير الواسع للقسم العربيّ في القناة الروسية ضمن منطقة الشرق الأوسط، مُحذراً من عدم قمع الإعلام الروسي في المنطقة، في قلق من الرواية المضادة للدعاية الغربية والأمريكيّة، حيث يعتقدون أنّ رواياتهم ضد روسيا منتشرة في كل مكان في الغرب ومن الصعب تخيل مدى ضآلة سماعها في أماكن أخرى، وكأنّ ذلك التقرير جاء بمثابة دعوة للاستيقاظ على واقع مخالف.
بعد الحرب الروسيّة على أوكرانيا العام الماضي، اتخذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ما أسمتها إجراءات سريعة وحاسمة لمواجهة الدعاية الروسية، وحظرت قنواتها التلفزيونية التي ترعاها الدولة - روسيا اليوم، وسبوتنيك – ومنعتها من استخدام YouTube عبر حجب قنواتهم، واستمرت السياسة الغربية المتمثلة في حظر ومعاقبة وسائل الإعلام الروسية بسبب هجوم هذا البلد على أوكرانيا عبر "إجراء سريع وحاسم" لبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ضد روسيا اليوم وسبوتنيك ومع ذلك لم تشر التقارير الصادرة عن تلك الدول ووسائل إعلامها إلى حقيقة أن عداء الغرب للإعلام الروسي كان مستمرًا قبل وقت طويل من بدء الحرب في أوكرانيا.
وترى بعض التحليلات أنه بسبب عدم وجود ضغط وحظر من دول الشرق الأوسط، ازدهرت وسائل الإعلام الروسية وتطورت في هذه المنطقة، فيما تتهم هذه الوسائل من قبل الغرب وواشنطن بأنها تحاول نشر الأكاذيب في هذه المنطقة من خلال إشباع الشبكات الاجتماعية بالنقاط الرئيسية للكرملين وتدمير شخصيات المعارضة، وكأن وسائل إعلامهم في منطقتنا لا تعرض سوى "برامج الأطفال" بعد أن باتت وسائل الإعلام سلاحاً لا يقل أهميّة عن أي سلاح متطور أبداً، ويعتبر موقع روسيا اليوم العربي من أشهر المواقع الإخبارية في المنطقة، متجاوزًا قناة الجزيرة، وقد ازدادت شهرة وشعبية هذه القناة التلفزيونية الروسية منذ بداية الصراع بين موسكو وكييف، وعبر الأمريكيون عن استيائهم من فريق روسيا اليوم العربي القوي في الفضاء الالكتروني، قائلين إن هذه الشبكة "غالبًا ما تنتج ضعف أو ثلاثة أضعاف محتوى قناة الجزيرة أو بي بي سي".
ومع ذلك، نشاهد التقارير الغربية تزعم أنه في العالم الناطق بالعربية، لم تحظ المعلومات الروسية "المضللة" بنفس الاهتمام والنتيجة لذلك، رغم أن روسيا تعمل بشكل أفضل على تلك الجبهة الإعلامية في الشرق الأوسط، وإن مجرد فحص مواقع التواصل الاجتماعي مثل Twitter سيؤدي إلى نشر العديد من التقارير من المنافذ الإخبارية الموجهة للجمهور العربي، والتي تعلق أزمة القمح العالمية على الدوافع الشائنة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بدلاً من الحصار الروسي وما تلاه مما يقول الغرب إنه "رفض للتعاون".
وبالمقابل يجيش الإعلام الغربيّ أنّه في الأيام الأولى للحرب، أعلنت القنوات الإخبارية الروسية في العالم العربي بثقة لجمهورها من الملايين أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد فر من كييف، لقد قاموا بضخ الادعاء الذي تم فضحه منذ فترة طويلة بأن أوكرانيا قامت ببناء مختبرات سرية لتطوير أسلحة بيولوجية، بل نشروا في شريط فيديو مزيف عميق لزيلينسكي حيث كان يناشد جنوده إلقاء أسلحتهم والاستسلام، في وقت تكمن القوة الفريدة لوسائل التواصل الاجتماعي في مثل هذه القصص غالبًا ما تكون مكتفية ذاتيًا، وتولد زخمًا خاصًا بها بشكل فعال، مثل صخرة تتدحرج لأسفل التل، ويمكن لأي قصة يتم تجميعها في كلمات رئيسية شائعة بدرجة كافية ويؤججها الغضب أن تحافظ على ظهورها على مدار أسابيع وشهور ، وتكتسب درجة من الشرعية فقط من خلال طول العمر.
ويدعي الغرب والأمريكيون أنّ المذيعين الذين تمولهم وتدعمهم الدولة الروسية يروجون لادعاءات كاذبة يتم ضخها ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعني التواجد الكبير لـ RT Arabic على الإنترنت أن الدعاية المؤيدة للكرملين يتم تغذيتها مباشرة إلى الأجيال الشابة في العالم الناطق بالعربية، ويوجد خلف هذه الشبكات الرئيسية الممولة من روسيا أيضًا نسيج من وسائل الإعلام الأخرى في جميع أنحاء المنطقة، والتي تعمل كمتعاطفين ناعمين - يشبه إلى حد كبير ما رأيناه في الدول الغربية أيضًا، ثم تقوم هذه المصادر الإعلامية بنقل نقاط الحديث المؤيدة للكرملين والمزعجة للغرب والبيت الأبيض، وتضبط الموضوع وتنشره على الجماهير المحلية، كما يفعل الإعلام التابع لكل دولة.
وإن أكثر ما يزعج الإعلام الغربي أن هدف الروس هو إشباع الجمهور بكمية كبيرة من المعلومات التي يعاد نشرها فورًا على تويتر وتستخدم تقنية "التكرار" للتأثير على الجمهور، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى قمع أصوات المعارضة على زعمهم، ويُستخدم الفضاء الإلكتروني لنقل الدعاية المؤيدة للكرملين مباشرة إلى جيل الشباب في الدول العربية، وهذا ما يغضب أمريكا ومن خلفها، وقد تبين ذلك من سلسلة مقالات نشرتها مواقع وجهات غربية في الأسابيع الأخيرة لجذب انتباه العالم إلى ما أسموها "الهيمنة المتزايدة لروسيا اليوم عربية" في الشرق الأوسط، وزعمهم أن "آلة الكذب الروسية هي اليد العليا لموسكو في الشرق الأوسط".
وبالتالي، فإنّ المحاولات الروسيّة في تقديم ما يقول الغرب أنّه "تبرير مضلل للعدوان الخارجي الروسي" تجد أرضًا خصبة في العالم الناطق بالعربية وباعترافهم، حيث يشعر الكثيرون بخيبة أمل بسبب الكثير من السياسة الخارجية الغربية على مدى العقود الماضية، علاوة على ذلك، فإن دعم واشنطن للكيان الغاصب للأراضي العربية في احتلالها للأراضي الفلسطينية يجعل الاعتراضات الغربية على العملية العسكرية في الأراضي الأوكرانية تبدو فارغة بشكل خاص، حتى في حين يعرب الكثيرون داخل الغرب عن تعاطفهم مع الفلسطينيين، ومع ذلك، وعلى الرغم من كل ما يقوله الغرب والأمريكيون ، لا يزال الأمر كذلك في جميع العواصم الغربية ليس في العالم العربي فقط، فإن الدعاية الروسية منتشرة في كل مكان، فيما يصعب عليهم تصديق ذلك.