الوقت_ في الفترة الماضيّة، تتحدث تقارير إعلاميّة أنّ الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومعها الأردنية والمصرية تتساءل عن توقيت انتقال عدوى الميليشيات اليهوديّة أو ما سُمّي "الحرس الوطني الإسرائيليّ" إلى سكان المستوطنات حول جبال ومدن الضفة الغربية المحتلة، عقب المصادقة على خطة وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير بخصوص تشكيل تلك الميلشيات في استفادة من تجارب عربيّة سابقة –كما يقول البعض- في هذا السياق إضافة إلى خطة لوجستيّة تضمن التدريب والتأهيل والأهم الميزانيات الماليّة التي وفرها بحكم موقعه ومنصبه وزير المالية الاسرائيليّ يتسئيل سموتريتش، وتخضع الميليشيات المسلّحة لإمرة وزير الأمن القومي –المعروف بفاشيّته الشديدة- إيتمار بن غفير بشكل شخصيّ، وسط تحذيرات على المستويين الفلسطينيّ والصهيونيّ من كونها عصابات مسلحة وفاشية خطيرة.
خطرٌ مستقلبيّ كبير
استشعر كل المتابعين للشأن الفلسطينيّ خطراً مستقبليّاً كبيراً منذ إعلان بن غفير عن تشكيل ما أسماه “كتيبة متطوعين” في مدينة "اللد" والتي تقع على مسافة 16 كم جنوب شرق مدينة يافا (تل أبيب) ويقطنها عرب ومستوطنون صهاينة، وكانت محاولته لتأسيس مليشيات مسلحة تبطش بالعرب في المدن الفلسطينية داخل كيان الاحتلال ومواجهة المعارضين واضحة للغاية، ففي الفترة الماضية، قام وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال بزيادة منح تراخيص حمل الأسلحة الشخصية من نحو ألفين إلى 10 آلاف شهريا، ولا سيما للمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، ما اعتبر إصراراً من كيان الاحتلال الغاصب على تجربة المُجرب وإعادة تكرار الأخطاء نفسها في فلسطين، ما يُنذر بانفجارات لا يُحمد عقباها في الساحة الفلسطينيّة، في ظل توسيع سياسة منح رخص الأسلحة لعصابات المستوطنين.
وفي الوقت التي تتحدث فيه وسائل إعلام عربيّة أنّ الانطباع في عمّان ورام الله والقاهرة من الناحية الأمنيّة يشير إلى أن نظرية وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عن ربط المسارين الأمنيّ والسياسيّ في كيان الاحتلال تخرج عن صمتها وتصبح مع مفاجآت حكومة اليمين الإسرائيلي اليوميّة بلا معنى أو نكهة من أي صنف، وخاصة أن قمتي العقبة وشرم الشيخ الأمنيتين تحضران في توصيات ومحاولات يفشلها اليمين الصهيونيّ المتطرف على الواقع وما قدمه الاسرائيليون من توضيحات بخصوص المصادقة على تشكيل ميليشيا "الحرس الوطني" تحت خدعة أنها تعمل في ضوء القانون وأن السلاح فيها سيكون منضبطا ولا أهداف سياسية له فيما يتعلق باستخدام العنف ضد الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1948.
وبما أن تلك الترهات الإسرائيلية تأتي كالعادة دون أي ضمانات حقيقية، يمثل القرار الإسرائيلي تطبيقاً فعليّاً لمحاولات اليمين الصهيونيّ المتطرف لتأسيس مليشيات وعصابات مدنية مسلحة، ومن الواضح أن الشرطة التابعة للعدو تعرض تشكيل “الحرس القومي” كوحدة منفصلة عنها، تكون خاضعة مباشرة لابن غفير بصفته رجلاً سياسياً له أجندته وأهواؤه، حيث تخضع لتعليمات المفتش العام، فيما يقوم الوزير بتحديد مهامها، ما يعني إبقاء الوزير بن غفير صاحب السلطة العليا عليها تحت غطاء كتائب شرطية تطوعية، حيث يواصل كيان العدو سياسة الاستيطان والقتل المروعين بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، ما يعني باختصار ارتفاع حدّة المقاومة والمواجهة في المنطقة التي تمادت فيها قوات المحتل الباغي ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، فيما تؤكّد الوقائع أنّ حسابات تل أبيب خاطئة بامتياز، حيث بات الفلسطينيون يشعرون بأنّهم "جمر تحت الرماد"، مع إقدام الكيان الغاصب على خطوات تصعيديّة كثيرة ستؤدي بلا محالة إلى انفجار "انتفاضة عارمة" ستغير الواقع الحالي ويمكن أن تكون أكثر مما يتخيل الإسرائيليون، في ظل تلك الحرب المباشرة التي أعلنها كبير الفاشيين في حكومة الاحتلال.
مشروع إسرائيليّ خبيث
يسعى الإسرائيليون وفقاً لمصادر أمنيّة فلسطينيّة إلى الاستناد للميليشيات الرديفة كجزء من مشروع أضخم للثنائيّ الفاشيّ بن غفير وسيموريتش، ذي علاقة بتسليح كل إسرائيليّ في الاراضي الفلسطينيّة المحتلة، في ظل تحذّيرات أوساط إسرائيلية من مختلف الاتجاهات من خطورة هذا المشروع، واعتبارها لعباً بالنار وعبثاً بالأمن، فيما يبدو أن الهدف الحقيقي الذي يسعى بن غفير لتحقيقه من تشكيل "الميليشيات اليهودية" هو إشعال المدن الفلسطينيّة التي يقطنها عرب ومستوطنون عن سابق إصرار وترصد، كما أن تلك الميليشيات هجومية وليست دفاعية هدفها إشغال الشارع وضرب المواطنين العرب بيد من حديد، حيث وجه “بن غفير” شعبة ترخيص الأسلحة النارية في الوزارة باتخاذ مجموعة من الخطوات في هذا الإطار، حيث إنه من اللحظة الأولى التي تحدث فيها المكتب الوطني أنّ وزير أمن الاحتلال الداخلي، جلعاد أردان، قد صادق على إجراء تعديلات بشأن حمل السلاح، تسمح لمليون مستوطن بالحصول على رخصة سلاح، تبيّن أنّ العدو الصهيونيّ غير مستعد لأدنى تغيير في منهجه الإباديّ ضد الفلسطينيين.
"حكومة نتنياهو تمارس العنف المفرط تؤيّد ارتكاب المستوطنين اليهود جرائم الإعدام بحق أبناء فلسطين"، هذه خلاصة كل القرارات الإسرائيليّة في هذا الصدد، كيف لا وبن غفير هو تلميذ الحاخام العنصري الراحل مئير كهانا، - مجرم مدان بمخالفة القانون، متطرف، ومحرض- وإقامة وحدات الحرس القومي التابعة له، وليس للشرطة، وهو عمل عديم المسؤولية، وسيعرّض حياة المواطنين الذين لم يخالفوا القانون للخطر، وبالفعل لا ينفّك الوزير الصهيوني عن التحريض ضد الفلسطينيين، ولا يُخفي عنصريته وفاشيته المقيتة أبداً، حيث يسعى لاستهداف كلّ ما هو عربيّ وفلسطينيّ.
وفي هذا الشأن، إنّ ميليشيا “الحرس الوطني” ستستهدف بلا شك المعارضين من الصهاينة، وليس الفلسطينيين فحسب، ما يعني أن خطوة نتنياهو هذه تشير إلى استعاده للحرب الاهليّة وهذا ما يتفق مع تخمينات بعض المحللين الصهاينة، بالتزامن مع "إعلان الحرب" من حكومة العدو ضد أبناء فلسطين، بما يؤكد أن الإجرام والاستخفاف الصهيونيّ بأرواح الفلسطينيين وصل حدا خطيرا للغاية لا يمكن السكوت عنه أبداً، في وقت يعمل الصهاينة على إشعال النيران وعسكرة المدنيين وترسيخ العقلية العدوانية الأمنية تجاه المواطنين العرب، فبمجرد إعلان بن غفير عن تشكيل مليشياته الجديدة، تصاعدت عمليات إتلاف المحاصيل الزراعية وهدم المنازل العربية ومصادرة أراضي الفلسطينيين في النقب، حيث تسعى الحكومة الإسرائيلية لاستهداف الفلسطينيين وأراضيهم وبيوتهم، ضمن مَشاريع تهدف إلى إبادتهم أو تهجيرهم من وطنهم.
الشيء الآخر، هو أنّ الجزء المتبقي من الخطة الصهيونيّة هو تشكيل قوة أهلية خاصة بميليشياتيه تحرس المستوطنات في الضفة الغربية مع عمليات تمويل وتأهيل وتسليح، وبالتالي تشكيل ميليشيات خاصة بالمستوطنات، حيث تؤكّد البيانات التي نشرها الإعلام التابع لعدو قبل مدّة رغبة الحكومة وبن غفير على وجه التحديد بتوفير استجابة فورية لحوالي 9 آلاف مستوطن ينتظرون الحصول على تصريح لحمل الأسلحة، وبالاستناد إلى أنّ التسهيلات تسمح للمستوطنين من صغار بالسن، ممن ينتمي أغلبيتهم لمنظمات إرهابية "كشبيبة التلال" وعصابات "تدفيع الثمن"، حيث يثبت الكيان من جديد حقيقته الدمويّة والإجراميّة، والدليل الآخر على الخطر الشديد لهذا القرار، هو وجود نحو 145 ألف إسرائيليّ في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 يحوزون على تصاريح لحمل السلاح، وهي لا تشمل الجنود وضباط الشرطة.
سياسة رادعة
قبل مدّة، اقترحت حركة "الجهاد الإسلاميّ" في الضفة الغربية خطة في غاية الأهمية سياسيا وأمنيا وفصائليا تسير وفق سياسة "العين بالعين"، وجاءت عقب يوم واحد من قرار وزارة الأمن الداخلي "الشاباك" التابعة للعدو توسيع سياسة منح رخص الأسلحة لعصابات المستوطنين، وارتفاع حدة المقاومة والمواجهة في المنطقة التي تمادت فيها قوات المحتل الباغي ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، مع إقدام الكيان الغاصب على خطوات تصعيديّة كثيرة ستؤدي بلا محالة إلى انفجار "انتفاضة عارمة" ستغير الواقع الحالي ويمكن أن تكون أكثر مما يتخيل الإسرائيليون، مع تلك الحرب المباشرة التي أعلنتها حكومة العدو، ورد الجهاد الإسلاميّ عليها.
وحينها، تضمنت الخطة أن حركة الجهاد الإسلامي ودون حركة المقاومة الإسلاميّة حماس مستعدة تماما لتوفير بنية لوجستية تساعد في تسليح المواطنين الفلسطينيين بمعنى تسليح الشعب الفلسطيني حتى يتمكّن من الدفاع عن نفسه إزاء هجمات متوقعة ودموية وقاتلة قريبا على البلدات والتجمعات السكانية المحاذية لمناطق سي، وخاصة مع قدوم حكومة نتنياهو الفاشيّة التي بدأت تمارس العنف المفرط وتؤيّد ارتكاب المستوطنين اليهود جرائم الإعدام بحق الفلسطينيين، فيما تبدو الأجهزة الأمنية الفلسطينية حائرة من جهتها في إقرار أيّ خطة من أيّ صنف ومقيدة ومحبوسة بسلسلة من الاعتبارات ذات الصلة بمواقف الرئيس محمود عباس والسلطة الرسميّة والمواقف الفتحاوية الداخليّة.
وعقب القرار الإسرائيليّ الذي مثّل "إعلان حرب" إسرائيليّة على هذا الشعب، أشارت حركة الجهاد الإسلامي إلى وجود جاهزيّة تامة لديها لتسليم أسلحة فردية مع ذخائر كافية لكل المواطنين الفلسطينيين القادرين على حمل السلاح ومن مختلف الفصائل حتى يعرف العدو كما ورد في توصيفات المبادرة التي تقدم بها الجهاد الإسلامي بأن الشعب الفلسطيني اتخذ خطوة عملية في توفير الحماية إلى نفسه ولممتلكاته، والدليل على ذلك هو دعم عصابات المستوطنين لقتل الفلسطينيين بشكل مباشر وبمختلف الطرق.
في الختام، ترتفع احتماليّة تصعيد المواجهة داخل ومع الكيان الغاشم، في كل الأراضي المحتلة، بسبب الأزمة بين الإسرائيليين أنفسهم وارتفاع حدة الإجرام والاعتداء والاستيطان الصهيونيّ والتهويد وسرقة الأرض الفلسطينيّة لمصلحة المستوطنين في القدس والضفة الغربيّة، وقيام قوات الاحتلال والمستوطنين باستهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، ويبدو أن اقتراح المواجهة الشعبيّة من قبل حركة الجهاد الإسلامي، هو الحل الأبرز لترتيب الأمور بيت قيادات الفصائل وخاصة الميدانية منها مع الأخطار الجديدة.