الوقت - إن تنفيذ سيناريو سياسي معقد في باكو، بالتزامن مع إعادة فتح سفارة جمهورية أذربيجان في الأراضي المحتلة، أمر مهم.
في الأسبوع الماضي، أعلن إيلي كوهين، وزير خارجية الکيان الصهيوني، مع نظيره الأذربيجاني، عن "تشكيل جبهة موحدة ضد إيران". العلاقة بين الکيان وجمهورية باكو أثارت رد فعل السلطات الدبلوماسية الإيرانية، وكتب كنعاني المتحدث باسم الخارجية الإيرانية في عدة تغريدات "طلبنا من الحكومة الأذربيجانية شرح ما قاله وزير خارجية الکيان الصهيوني، بخصوص الاتفاق مع أذربيجان على "تشكيل جبهة موحدة ضد إيران".
الناطق باسم وزارة الخارجية الأذربيجانية تهرب من الإجابة وأطلق اتهامات جديدة ضد إيران. وبالتالي، أليس استمرار الصمت هو موافقة ضمنية على تصريحات الشريك الاستراتيجي لباكو؟
كما أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية تقارب الكيان الصهيوني من دول المنطقة، وكتب قائلاً: "الکيان الصهيوني المجرم ليس له غرض سوى خلق الخلافات والانقسامات في الأمة الإسلامية، من خلال الاقتراب من الدول الإسلامية من أجل تحقيق طموحاته التوسعية. ننصح الإخوة والأخوات المسلمين في أذربيجان بمعرفة النوايا الحقيقية للکيان الصهيوني".
التواصل العلني بين قادة باكو والکيان الصهيوني من خلال رسم خط معاد لإيران، کان يحتاج إلى خلفية سياسية بين الشعب المسلم في جمهورية أذربيجان، وكانت مراكز التحليل الصهيونية تعلم جيدًا أنه لا يمكن إحداث فجوة بين دولتي إيران وأذربيجان بوجود مجال حضاري مشترك، ولذلك حاولوا في الأشهر الأخيرة تضخيم الخط المعادي لإيران من خلال القيام بعمليات إرهابية.
عملية اغتيال من دون وجود وثيقة ضد إيران
يجب تقييم اغتيال فاضل مصطفى زعيم حزب النظام الکبير وعضو برلمان هذا البلد، على أنه فرصة ضرورية لدفع هذا الخط، ومقدمة لتشكيل الجبهة الصهيونية المناهضة لإيران من خلال استغلال جشع حكام باكو.
واللافت للنظر أن الهجوم المسلح على فاضل مصطفى وقع بعد أيام قليلة من افتتاح سفارة جمهورية أذربيجان في الکيان الإسرائيلي، وقبل يوم واحد من اجتماع وزيري خارجية البلدين.
يشار إلى أن وزارة الأمن القومي لجمهورية أذربيجان، تقول إن التحقيق في محاولة اغتيال عضو برلمان هذا البلد أمام منزله قد بدأ. وأعلنت وزارة الصحة الأذربيجانية أنه على الرغم من إصابة هذا النائب برصاصتين من كلاشينكوف على كتفه وساقه، فإن حالته البدنية مرضية.
كما طلب مكتب المدعي العام في باكو من وسائل الإعلام تجنب نشر تقارير عن اغتيال السيد مصطفى لم تتم الموافقة عليها من قبل المؤسسات الأمنية والقضائية، لكن وسائل الإعلام التابعة لقناة إخبارية صهيونية حاولت جرّ إيران إلى هذه القصة الغريبة.
بينما لم يتم خلال الأيام الماضية الحصول على دليل بسيط واحد على دور طهران في هذا الاغتيال السياسي، ادعى المتحدث الرسمي باسم وزارة خارجية باكو، أن التحقيق الأولي في العمل الإرهابي ضد فاضل مصطفى(النائب في البرلمان)، يشير إلى دور إيران وهذا العمل استمرار للهجوم الإرهابي على سفارة جمهورية أذربيجان في طهران.
فك شيفرة الاغتيال وأهدافه
فاضل مصطفى البالغ من العمر 58 عامًا، هو ممثل الشعب في برلمان جمهورية أذربيجان منذ عام 2005. كان فاضل أيضًا مرشحًا لرئاسة أذربيجان في الانتخابات الرئاسية لعام 2008، ويعتبر أيضًا منافسًا سياسيًا محتملاً لإلهام علييف.
وكان مصطفى أحد قوات النورسي القليلة في جمهورية أذربيجان، والذي ليس فقط لم يعتقل خلال قمع هذه القوات في جمهورية أذربيجان، ولكن الغريب أنه حصل على المزيد من الامتيازات، ويرى الخبراء أن هذا ناتج عن ولاء فاضل مصطفى لرجب طيب أردوغان.
ذكر فاضل مصطفى في مقابلاته علاقاته الواسعة مع الحكومة التركية، واعترف بأنه يقضي معظم العام في تركيا. وربما لهذه الأسباب، فإن التعامل مع قبيلة النخجوانيين أصعب قليلاً ومختلف بالنسبة لطائفة الباشيفيين عن غيرهم.
أيضًا، فاضل مصطفى هو أحد القوات القليلة المتبقية في ظل عشيرة النخجوانيين في هيكل الحكم الحالي لجمهورية أذربيجان. في السنوات الماضية، وبسبب المنافسة، والأصح بسبب الصراع علی السلطة بين العشائر ضمن سيادة جمهورية أذربيجان، تم القضاء على جميع القوات المنسوبة إلى عشيرة النخجوانيين من هيكل السلطة في جمهورية أذربيجان.
وكان آخر ضحية لهذه الحرب فاسيف طالبوف، رئيس المجلس الأعلى لجمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي. أصبحت هذه العملية أكثر حدةً بعد حرب كاراباخ الثانية. ومن المفارقة أن هذا العضو في البرلمان لديه العديد من التصريحات المعادية لإيران.
المهم هو أنه خلال كل هذه السنوات الأخيرة، استغل هذا السياسي الراديكالي كل فرصة لإذلال شيعة هذا البلد وإثارة التوتر مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بلسانه وقلمه(أكثر من 80٪ من شعب جمهورية أذربيجان هم من الشيعة).
إن مواقف فاضل مصطفى المتطرفة ونظرته إلی الإحلال محل علييف، جعلت من هذه الشخصية المثيرة للجدل شخصيةً مناسبةً لفرق الإرهاب الصهيونية.
كان اغتيال فاضل مصطفى ضرب عصفورين بحجر واحد، فقد خلق من جهة فرصةً للدعاية المعادية لإيران وتعزيز الجبهة الموحدة ضد طهران في القوقاز، ومن جهة أخرى قضی على بديل متطرف ضد الحكومة القائمة.
بسبب مواقفه الحادة والمتعرجة، لم تثق السلطات السياسية في جمهورية أذربيجان بفاضل مصطفی، وعلاقاته الوثيقة مع تركيا يمكن أن تجعله الورقة الرابحة لأردوغان في التطورات السياسية في المنطقة. لذلك، كان القضاء عليه ذا فائدة كبيرة للجهات المعادية في المنطقة.
لماذا تصر باكو على تدمير علاقاتها مع طهران؟
المبالغة الغريبة من قبل سلطات جمهورية أذربيجان في حادثة العداء الشخصي في قضية إطلاق النار على سفارة باكو في طهران، وأيضًا الارتباط غير الموثق باغتيال سياسي في ذلك البلد بالتزامن مع الارتباط العضوي بين أذربيجان والکيان الصهيوني، يثير التساؤل التالي لماذا تصر باكو على تدمير العلاقات الطيبة مع إيران؟
من المعتاد في الشؤون الدبلوماسية بين الدول أن يحاول الطرفان ضبط النفس، والامتناع عن التعليقات والسلوك العاطفي من أجل الحفاظ على علاقات جيدة، لكن قادة جمهورية باكو تخلوا تمامًا عن هذه الاستراتيجية المنطقية في الأشهر القليلة الماضية.
خلال الأحداث الأخيرة، بينما كانت السلطات الأذربيجانية تبحث دائماً عن ذريعة لردود الفعل الهيستيرية على طهران، حاولت السلطات الإيرانية تهدئة التوتر باتباع نهج منطقي قائم على مبدأ الجوار والعلاقات الأخوية، في ظل المجال الحضاري المشترك والرد على غموض الجار الشمالي بشکل واضح، ومع ذلك لم تغير باكو نهجها بأي شكل من الأشكال.
لقد تصرفت الحكومة الأذربيجانية على عجل في قضية إطلاق النار على السفارة الأذربيجانية في طهران وكذلك في قضية اغتيال فاضل مصطفى، وبدأت توجّه الاتهامات ضد إيران دون وثيقة واضحة، ويبدو أنه خلف كواليس كل هذه الأمور السياسية والأمنية المعقدة، هناك طرف ثالث يعدّ المواقف المتسرعة في باكو.
الکيان الصهيوني، بعد يأسه الكامل من تشكيل جبهة موحدة مناهضة لإيران بنكهة عربية، استثمر منذ فترة في المحور التركي، وتشير الرحلات التي قام بها ضباط الموساد ووكالة المخابرات المركزية إلى باكو، إلى أن السياسة الخارجية لجمهورية أذربيجان قد خرجت منذ فترة طويلة عن سيطرة سلطات هذا البلد، وتحاول الحكومات المعادية الحفاظ عليها من خلال إظهار الهيمنة الكاملة لأذربيجان على ممر زانجيزور.
من خلال تشجيع الكيان الصهيوني على مواصلة دعم أذربيجان في الحرب مع أرمينيا والتوتر مع إيران، يحاول الأمريكيون زيادة سيطرتهم وإشرافهم على أنابيب النفط والغاز من آسيا الوسطى إلى أوروبا.
ويقول بول جوبيل، كبير عملاء وكالة المخابرات المركزية، في وصف هذه الحرب: "يجب أن تستمر الحرب حتى الفصل الاستراتيجي لأرمينيا عن روسيا، حتى تتوافق مصالح يريفان مع رغبات ومصالح أمريكا".
بالطبع، ردّت طهران على هذه الحسابات الخاطئة من قبل. ومرور دبابات الحرس الثوري الإيراني عبر نهر أراس هو تحذير سياسي وعسكري لباكو، حيث قد يمتد هذا الحريق إلى أبراج اللهب في باكو. والسيطرة على هذا المستقبل المشؤوم، تعتمد على السلوك الدبلوماسي للسلطات الأذربيجانية في المستقبل.