الوقت - ستُجرى الانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة في تركيا في غضون شهر ونصف الشهر، فيما أثّر الزلزال الأخير الذي بلغت قوته 7.8 درجات على المناخ السياسي للبلاد.
في مثل هذه الظروف، يحاول مرشحو الرئاسة تسخين الانتخابات في الأسابيع المقبلة، وبوعودهم الاقتصادية والسياسية يمكنهم جلب الرأي العام إلى صناديق الاقتراع.
بعد أشهر من التحركات السياسية، بدأ تسجيل المرشحين للرئاسة في 28 مارس، وسجل في هذه الجولة من المنافسات "محرم إنجي" من حزب "الشعب"، "سنان أوغان" من تحالف "آتا"، رجب طيب أردوغان، الرئيس الحالي، من التحالف الجمهوري بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة الوطنية، دوغو برينجك زعيم حزب الوطن، "أحمد أوزال" باسم التحالف التركي، و"كمال كليجدار أوغلو" كمرشح عن حركة المعارضة المعروفة بـ "طاولة الستة".
ومع ذلك، أكدت اللجنة العليا للانتخابات يوم الأحد أهلية أردوغان وكليجدار أوغلو لخوض الانتخابات الرئاسية. وأعلنت اللجنة أنها اطلعت على طلبات الترشيح المقدمة من الأحزاب السياسية حتى 23 آذار/مارس، في إطار الجدول الزمني المحدد للانتخابات الرئاسية والنيابية، ووفقًا للنص المنشور، فإن الوثائق التي قدمها أردوغان وكليجدار أوغلو كاملة وليس بها عيوب. وستنشر اللجنة العليا للانتخابات القائمة النهائية للمرشحين المعتمدين للانتخابات الرئاسية في 31 مارس.
يترشح أردوغان لولاية ثالثة، وبعد عام من الجهود في تحالف الطاولات الستة، تمكن كليجدار أوغلو أخيرًا من كسب رأي قادة الحزب الآخرين، وتم اختياره كمرشح نهائي لهذا التحالف. لذلك، ستكون المنافسة مثل الجولة السابقة بين أردوغان وكليجدار أوغلو.
يحاول أردوغان الفوز بالرئاسة للمرة الثالثة، لكن منافسه استخدم أيضًا نقاط ضعف أردوغان في الأشهر الأخيرة، وتمكن من زيادة فرصه في الفوز بانتخابات 14 مايو.
تتجه تركيا نحو الانتخابات فيما جعلت الأزمة الاقتصادية والزلزال المروع الأخير الحياة صعبةً على عشرات الملايين من المواطنين، وأثارت انتقادات لأردوغان والحزب الحاكم.
ماذا تقول استطلاعات الرأي؟
دراسة أوضاع الأحزاب الانتخابية والمرشحين من خلال الاقتراع في هذه الفترة أمر حساس كما في الفترات السابقة، وعلى هذا الأساس تقوم العديد من مؤسسات الدراسة الاستقصائية باستطلاعات الرأي.
على الرغم من أن جميع استطلاعات الرأي، حتى قبل شهر، أشارت إلى انتصار أردوغان النسبي، لكن في الأيام الأخيرة تم ترجيح كفة الميزان لصالح كليجدار أوغلو.
ففي أحدث استطلاع للرأي أجراه معهد ORC، حظي زعيم المعارضة في البلاد بفرصة الفوز بنسبة 52 في المئة، بينما احتل أردوغان المركز الثاني بنسبة 44 في المئة. ويشير الاستطلاع الذي أجرته شركتا "تركيا رابورو" و"أكسوي"، إلى أن كليجدار أوغلو لديه 55٪، وأن أردوغان لديه 45٪ فرصة للفوز في الانتخابات.
وفي استطلاع أجراه معهد "ماك"، قال 46.5٪ من المشاركين أنهم سيصوتون لصالح كمال كليجدار أوغلو، واختار 42.4٪ أردوغان، وکان 7.7٪ مترددين في اختيار مرشحهم المفضل، و 3.4٪ اختاروا مرشحين آخرين.
أيضًا، وفقًا لهذا الاستطلاع، إذا وصلت الانتخابات الرئاسية التركية إلى المرحلة الثانية، فإن عدد أصوات كليجدار أوغلو سيكون 53.5٪، وعدد أصوات أردوغان سيكون 39.7٪. كما تشير نتائج معهد "يونيليم" للاقتراع، إلى انتصار نسبي لحزب العدالة والتنمية وأردوغان على أحزاب المعارضة.
وأعلنت نتائج استطلاع معهد "اوبتيمار" لاستطلاع الرأي العام، الذي كانت تقديراته في انتخابات 2014 و2018 و2017 قريبةً من نتائج الانتخابات، أن أصوات أردوغان ستكون 47.4٪ وكليجدار أوغلو 45.3٪. كما أعلن معهد استطلاع الرأي العام "جونار" أنه في الاستطلاع الأخير، بلغت شعبية أردوغان 52.3٪ ونسبة تأييد كليجدار أوغلو 47.7٪.
مع أخذ هذه الاستطلاعات في الاعتبار، فإن زعيم المعارضة لديه حاليًا فرصة أفضل للفوز في الانتخابات الرئاسية، ولكن بما أن نتائج استطلاعات الرأي تتغير دائمًا، فمن المحتمل أن تكون هناك تغييرات في عدد الأصوات وشعبية المنافسين الرئيسيين في الأسابيع الستة المتبقية.
تحركات المنافسين ضد بعضهم البعض
من أجل زيادة فرصهم في الفوز، يحاول مرشحو الرئاسة التركية استغلال نقاط ضعف خصومهم.
في العام الماضي، حاول كليجدار أوغلو جاهدًا تقليل شعبية أردوغان وتمهيد الطريق لانتصاره، من خلال ركوب موجة الأزمة الاقتصادية والتضخم المتفشي في تركيا، وفي الشهرين الماضيين استخدم الزلزال الرهيب الذي تسبب في سقوط العديد من الضحايا في تركيا كذريعة وانتقد الحكومة بحدة.
واتهم كليجدار أوغلو حكومة أردوغان بعدم الكفاءة في إدارة هذه الأزمة، وقال إنه في العقدين اللذين كان فيهما أردوغان على رأس السلطة التركية، لم يجهز البلاد للزلازل وكان بإمكانه تقليل عدد الضحايا في أوقات الأزمات مع الإنشاءات المقاومة في المدن.
حتى أن كليجدار أوغلو ألقى باللوم في الفيضانات الأخيرة في مدينة "شانلي أورفا" على حكومة أردوغان، من أجل جعل حكومته تبدو غير كفوءة وتحويل الرأي العام ضد الرئيس.
کما حدد كليجدار أوغلو مواقفه في مجال السياسة الخارجية، وتعامل مع نقاط ضعف حكومة أردوغان. ففي خطابه الأخير، هدد كليجدار أوغلو المهاجرين وطالبي اللجوء والأجانب، ووعد بأنه إذا فاز في هذه الانتخابات، فسوف يتبنى سياسةً صارمةً في هذا الصدد.
وأكد خصم أردوغان أنه في حال انتخابه سيرسل الأشقاء السوريين الموجودين في تركيا إلى وطنهم خلال عام واحد على أبعد تقدير، دون وضع وصمة عار عنصرية على جبين الشعب التركي، وفي الوقت نفسه سيجعل تركيا أقوى دولة في المنطقة والبحر الأسود.
وقال مرشح ائتلاف الطاولة الستة: "لا نضر بأي دولة أو أي مواطن أجنبي، لكننا نريد أن نعيش بحرية في بلدنا ولا نريد تغيير التركيبة السكانية لتركيا".
ورغم أن زعيم أحزاب المعارضة في تركيا يلوم حكومة أردوغان على الأزمات الاقتصادية والسياسية في هذا البلد، إلا أنه لم يقدم أي مبادرات للتخلص من هذا الوضع.
حالياً، تعتبر قضية تحسين الوضع الاقتصادي ومعالجة أوضاع الملايين المتضررين من الزلزال من أولويات الشعب التركي، والشرائح الرمادية التي لم تتخذ بعد قرارها النهائي بالتصويت، حيث تدرس الظروف للتصويت لصالح مرشح ما في الأيام الأخيرة.
لقد قدّم أردوغان وعودًا وحلولًا للسنوات الخمس المقبلة، لكن كليجدار أوغلو لم يقدم بعد خطةً محددةً للخروج من هذه المشاكل. من جهة أخرى، بدأ أردوغان، الذي يرى أسس رئاسته في خطر حسب نتائج الاستطلاعات، حملته الانتخابية من المناطق المتضررة من الزلزال، ليتمكن من استقطاب الرأي العام نحو التصويت لصالحه في الفترة المتبقية. حيث وعد أردوغان المتضررين في المناطق المتضررة من الزلزال مرةً أخرى بأن الحكومة ستبني المباني المدمرة في أسرع وقت ممكن.
أيضًا، من أجل زيادة فرصها في الانتخابات، أعلنت حكومة أردوغان عزمها البدء في اختبار الدبابات المصنوعة في هذا البلد اعتبارًا من أبريل. وربما ينوي أردوغان الكشف عن هذه الدبابات باعتبارها إنجازًا كبيرًا لحكومته، وإظهار أنه قادر على جلب تركيا إلى صفوف القوى العسكرية العظمى في العالم.
يأمل أردوغان أن تعزز المشاريع العسكرية الطموحة شعبيته بين الناخبين الوطنيين والمحافظين الدينيين. وفي السابق، كان قد أشرف على مشاريع بناء الطائرات دون طيار والطائرات المقاتلة والجيل الجديد من السفن غير المأهولة.
کذلك، في الأسابيع الأخيرة حاول أردوغان أيضًا استكمال عملية تطبيع العلاقات مع سوريا بمساعدة روسيا، وربما في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات سيستخدم هذه القضية كورقة رابحة ضد خصمه.
بينما لعب أردوغان دورًا مهمًا في التطورات السياسية والاقتصادية في تركيا خلال العقدين الماضيين، إلا أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية ليست في صالحه، وتشير نتائج استطلاعات الرأي إلى احتمال الإطاحة بأردوغان من السلطة بعد عقدين.
ومع ذلك، فقد أظهر أردوغان أنه رجل الأوقات العصيبة، وعلينا أن ننتظر ونرى ما إذا كان بإمكانه جلب الرأي العام إلی جانبه في الوقت القصير المتبقي حتى الانتخابات الرئاسية، أم إنه سيسلّم السلطة لمنافسه.