الوقت - في ظل النقاش الدائر في المغرب حول التطبيع مع إسرائيل، تنشر الصحافة خبر عودة مرتقبة للسفير الإسرائيلي في المغرب، ديفيد غوفرين، المتهم بالتحرش الجنسي، وهو ما يضع المغرب في موقف حرج، حيث تشير المعطيات إلى صعوبة قبول الرباط بعودته.
وكانت إسرائيل قد استدعت خلال سبتمبر الماضي غوفرين الذي كان يشغل منصب رئيس مكتب الاتصال، ولا يصل إلى مستوى السفير، وذلك بعد اتهامات مفترضة بتورطه في التحرش بثلاث مغربيات ويهودية. ويُعتقد أن النساء رفضن التوقيع على دعوى علنية خوفا من ظهور أسمائهن في الإعلام، ما سيسبب لهن حرجا عائليا واجتماعيا.
وبقي منصب مدير مكتب الاتصال فارغا طوال هذه المدة، رغم الحديث عن عدد من الأسماء التي كانت ستتولى المنصب. في الوقت ذاته، تراجعت العلاقات بين المغرب وإسرائيل جراء امتناع الأخيرة عن الاعتراف بمغربية الصحراء، رغم أن الملك محمد السادس طالبها بذلك في خطاب سابق له. ثم بسبب إحجامها عن الدفاع عن المغرب في ملف بيغاسوس، أي نفي بيع البرنامج للمغرب.
غير أنه مع التطورات السياسية الحاصلة في إسرائيل بوصول اليمين القومي الديني المتطرف إلى سدة الحكم في ائتلاف يقوده بنيامين نتنياهو، حدث تغير في مختلف شُعب وزارة الخارجية، حيث عاد أصدقاء ديفيد غوفرين، وبالتالي أقنعهم بعودته إلى المغرب. وأفادت الإذاعة العبرية العامة الأحد، بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية أعادته إلى الرباط.
ويقول المصدر: “غوفرين يضغط على وزير الخارجية إيلي كوهين لإعادته إلى المغرب وليس إلى أي بلد آخر، ولو لمدة قليلة قبل رفع التمثيلية الدبلوماسية إلى مستوى سفارة من باب رد الاعتبار والشرف”.
ويضيف المصدر الخبير بالعلاقات بين المغرب وإسرائيل، بوجود معارضة شديدة من طرف اليساريين والليبراليين في الخارجية الإسرائيلية التي تعارض عودة غوفرين إلى المغرب، في حين يريد الحرس القديم المرتبط بنتنياهو إعطاء فكرة أن لا أحد وخاصة دولة خارجية، يمكنها إملاء قرارات على إسرائيل، لتعيين هذا الدبلوماسي أو ذاك.
ورغم عدم تعليق الرباط على خبر عودة غوفرين، فمن المستبعد قبول المغرب بعودته في هذه الظروف، ولاسيما في ظل حكومة إسرائيلية منبوذة دوليا. فمن جهة، يتساءل الرأي العام المغربي ماذا استفاد المغرب من التطبيع بعدما تبين عدم دعم إسرائيل للمغرب في ملف الصحراء، ثم إن الدعم العسكري هو حبر على ورق، ومجرد تصريحات باستثناء بعض برامج الحرب السيبرانية، وعدم مساعدة اللوبي الغربي للمغرب أمام المؤسسات المالية الدولية، بل حتى في الكونغرس الأمريكي.
كما أفادت بعض المصادر بأن ما راج حول عودة “دافيد غوفرين” إلى مزاولة مهامه على رأس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، لا يعدو أن يكون “حملة وراءها غوفرين نفسه” للضغط على خارجية الاحتلال الإسرائيلي.
وأضافت المصادر، إن وزارة الخارجية الإسرائيلية لم تتخذ أي قرار بخصوص عودة “غوفرين”، المتهم بالتحرش جنسيا بمغربيات وبالفساد المالي وإن “ما يحدث فعلا هو أن ديفيد غوفرين يضغط ويشترط إعادته إلى المغرب”.
وأوضحت أن حزب “شاس” الذي يقوده المتطرف “أرييه درعي” وهو من أصول مغربية، يحاول انتزاع تعيين سفير إسرائيلي في المغرب من وزارة الخارجية، على اعتبار أن الحزب ذا نفوذ إسرائيلي مغربي.
وحسب المصادر فإن حكومة “نتنياهو” تعيش على وقع صراع بين اليمين المتطرف الذي يسعى إلى أن يحظى بامتياز تعيين سفير للاحتلال الإسرائيلي في المغرب، وبين وزارة الخارجية التي تريد احتكار هذا الحق.
من جانبها أشارت جريدة “تايمز أوف إسرائيل”، في وقت سابق ، إلى أن “أكثر التهم جدية” تتعلق باستغلال عدة نساء محليات، “وهو أمر قد يؤدي إلى اضطراب دبلوماسي عميق مع المغرب. إضافة إلى تهم بالتحرش داخل البعثة ذاتها”.
وذكرت أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تحقق في عدد من “المشكلات المالية والإدارية، من بينها اختفاء هدية قيّمة للغاية أرسلها ملك المغرب بمناسبة يوم قيام الكيان”.
ويتواصل الرفض الشعبي في المغرب للتطبيع مع الكيان الصهيوني الذي يشكل إهانة لكرامة المغاربة، رغم كل محاولات النظام فرض هذه العلاقة السامة التي تهدد أمن واستقرار المملكة و المنطقة برمتها.
وفي السياق، أكد الكاتب المغربي علي انوزلا، في مقال له تحت عنوان “القضية الفلسطينية قضية كل الشعب المغربي”، إن التطبيع مع الكيان الصهيوني “فرض على أغلبية الشعب المغربي، وأن القضية الفلسطينية ستبقى قضية الشعب المغربي برمته، وأنه كلما أثخنت السلطة في التطبيع مع الكيان الصهيوني يكبر الرفض الشعبي له، ومعه يفقد المطبعون شعبيتهم وشرعيتهم”.
واستدل في هذا الإطار بما وقع لحزب العدالة والتنمية في المغرب، موضحا أن “هذا الحزب كان من أكبر الخاسرين عندما عاقبه الشعب المغربي في انتخابات خريف عام 2021, واحتل فيها الحزب الذي كان يقود الحكومة ويتصدر الأحزاب السياسية المغربية، مرتبة متدنية أفقدته مواقعه داخل البرلمان وداخل المجالس المنتخبة”.
وبهذا الخصوص، عبر عن أسفه لتناقض المواقف والقرارات الرسمية للدولة المغربية مع تصريحاتها بخصوص دعم فلسطين، قائلا إن لقاءات مسؤوليها مع مسؤولي الكيان الصهيوني والصمت الرسمي المغربي عن التنديد بالانتهاكات الصهيونية اليومية لحقوق الفلسطينيين، والهرولة “المفزعة” نحو التطبيع بكل أشكاله المهينة لكرامة الشعب المغربي، “لا تترجم البتة الموقف الأصيل لأغلبية الشعب المغربي الذي يرفض كل أشكال التطبيع” مع الكيان الصهيوني.
وشدد على أنه “لو أتيحت الفرصة لأغلبية الشعب المغربي وقواه الحية، للتعبير عن رأيه بحرية من التطبيع لكان جوابه هو الرفض”, وهذا الأمر، يضيف، “تدركه السلطة في المغرب، التي تمنع كل أشكال التظاهر الشعبية ضد التطبيع، أو تلك المناصرة للقضية الفلسطينية”.
من جهته، حذر الكاتب المغربي تيتي لحبيب، في مقال له من تداعيات التحالف المخزني-الصهيوني، معربا عن يقينه الراسخ أن مصلحة الشعب المغربي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية هي التحرر من قبضة الرجعية بالمملكة وقبضة حلفائها التقليديين والصهاينة.
وأردف قائلا إنه “على القوى المناضلة بالمغرب وفي فلسطين أن تكثف الجهد وتتوحد في جبهة نضالية قوية ضد الرجعية والإمبريالية والصهيونية”، مشددا على أن مناهضة التطبيع باتت تتجاوز البعد القومي أو الإسلامي أو التاريخي على أهميته وأصبح يرتكز على البعد الاقتصادي والسياسي والعسكري-الأمني.
ونبه في هذا الإطار إلى أن مصالح الكتلة الطبقية السائدة الاحتكارية في المغرب تشابكت مع مصالح الكيان الصهيوني وباتت هذه المصالح تضرب في الصميم القدرة الشرائية للجماهير، كما أصبحت القوى الرجعية الصهيونية المتحالفة مع النظام تنهب خيرات البلاد.
وخلص التيتي الحبيب إلى أنه “من خلال هذه الأبعاد لعملية التطبيع الجارية بالمغرب، وردا على مصالح الجماهير الشعبية، تصبح عملية مقاومة التطبيع شأنا شعبيا بامتياز”.