الوقت - تم إطلاق مبادرة الحزام والطريق الصينية في عام 2013، لربط الصين بآسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا عبر السكك الحديدية والطرق والممرات البحرية.
هذا الحزام يستحضر لنا ذكريات طريق الحرير. ووضعت هذه الخطة الصين في موقع التأثير المادي والمالي والثقافي والتكنولوجي والسياسي على المستوى الدولي.
في الواقع، ترسم الصين هندسة النظام الجديد بالتفاصيل الدقيقة لخريطة العالم، بما في ذلك السكك الحديدية والجسور والموانئ ذات الإمكانات المختلفة. وقد أثر هذا المشروع على ستين دولة في العالم باستثمارات دولية تبلغ مئتي مليار دولار.
ما هو مؤكد هو أنه إضافة إلى الآثار الاقتصادية، يمكن للصين أن تدخل في قضايا أخرى مثل السياسة والثقافة. وستقدم مبادرات مثل الحزام الصيني رؤيةً جذابةً لمركزية الصين في العالم، الأمر الذي يتطلب تعاونًا إقليميًا وخارجيًا مع جهات فاعلة مثل إيران وروسيا والهند والسعودية.
لذلك، تحاول الصين إبراز العالم من حولها وإنشاء منطقة جديدة. ومن متطلبات هذه الأقلمة وساطة الصين في الاتفاق الأخير بين إيران والسعودية. وفي الواقع، أظهرت الصين أنها تستطيع تغيير الدبلوماسية في أي جزء من العالم بشكل جيد.
إضافة إلى ذلك، حاولت الصين تغيير السياسات في النظام الدولي باستخدام أداة الاقتصاد، ومن خلال تنظيم التمويل المشترك، جعلت البنوك المملوكة للدولة في الصين من الممكن تنفيذ مشاريع بنية تحتية كبيرة على المستوى الإقليمي. لذلك، فإن التعاون بين إيران وروسيا والصين والسعودية والهند في مجال العلاقات متعددة الأطراف الإقليمية والخارجية، يمثل نقطة تحول بالنسبة للصين.
طهران والرياض نحو تخفيف التوتر
من بين العديد من البلدان، تمتلك إيران والصين تاريخًا قديمًا مشتركًا في الممرات الطرقية، وفي العصر الحديث لديهما قدرات وفرص مشتركة في مواجهة الأحادية الأمريكية.
مبادرة الحزام الصينية مفيدة للدول الواقعة على طريق هذا الممر القديم المتمثل في طريق الحرير، وتؤدي إلى تنظيم وتسهيل العلاقات الدولية الإقليمية، وخاصةً في التجارة والاقتصاد في منطقة جيران إيران على طريق ربط آسيا بأوروبا وأفريقيا. ويمكن لهذه الفكرة أن تلعب دورًا في تحقيق الأهداف المهمة لمنظمة شنغهاي للتعاون في أهداف التنمية العالمية.
ولتحقيق هذه الأهداف، تحتاج الصين إلى إعادة تنظيم السياسة الخارجية للدول وحل سوء التفاهمات الدولية، بما في ذلك بين إيران والسعودية، ومن ناحية أخرى فإن الدول الأخرى لها مصالح أيضًا.
ويمكن أن يكون لإعادة فتح السفارتين واستئناف العلاقات بين إيران والسعودية تأثير إيجابي على التطورات الإقليمية، بما في ذلك الملف السوري، لأن هذا الاتفاق يعتبر خطوةً نحو تخفيف التوتر.
إيران والسعودية دولتان قويتان في منطقة العالم الإسلامي، وهاتان الدولتان لديهما قدرات عديدة في المنطقة والقضايا عبر الاقليمية. لذلك، بعد هذا الاتفاق، ستقل التوترات الإقليمية بما في ذلك سوريا واليمن.
إذا أقيمت العلاقات بين إيران والسعودية بنوايا حسنة ودقة استراتيجية، يمكن أن تسرع التغيير في هندسة النظام العالمي الجديد. بشكل عام، إذا تم وضع هذه الاتفاقية على جدول الأعمال من خلال صياغة وتنفيذ برامج التنفيذ الاستراتيجي، فيمكننا أن نأمل في إقامة السلام في الشرق الأوسط، وستستخدم تكاليف الأعمال العدائية بين الدول لخدمة شعوب المنطقة التي مزقتها الحرب، بما في ذلك سوريا واليمن.
وبمعنى آخر، يمكن للاتفاق الأخير بين إيران والسعودية أن يحقق السلام والاستقرار، وينهي معاناة الشعبين السوري واليمني.
تحرك أمريكا نحو زعزعة الاستقرار في النظام العالمي الجديد
من ناحية أخرى، فإن الغرب، وخاصةً أمريكا وبريطانيا والکيان الصهيوني، سيضع بالتأكيد إجراءات مكثفة في خلق حالة من عدم الاستقرار والتخطيط لحرب جديدة في جيران إيران، وباستخدام أدوات الإعلام المدعومة من قبل قوى الإعلام الأوروبية والأمريكية، سوف يسعون إلى اتخاذ إجراءات أكثر جديةً في المنظمات الدولية.
وإحدى خططهم، والتي تم تنفيذها في الماضي أيضًا، هي تصميم وصياغة الحرب الهجينة، بما في ذلك تأجيج الاختلافات العرقية والدينية المختلفة بين جيران إيران المسلمين.
من خلال دراسة خلفية الحرب الإعلامية السعودية في ظهور القنوات الإخبارية والتلفزيونية الناطقة باللغة بالفارسية عبر ضخ الدولارات النفطية، بما في ذلك شبكة "إيران إنترناشيونال"، نكتشف جيدًا أن الحرب الإعلامية تعمل مثل صاروخ باليستي قوي جدًا. لأن هذه القناة الإخبارية تمكنت من منافسة قناة البي بي سي الفارسية في فترة وجيزة.
في العصر الحالي الذي يسمى القرية العالمية والعالم الافتراضي، وتعتبر وسائل الإعلام من الأدوات القوية في السياسة والحكم، تعدّ القوة الناعمة في القرية العالمية أحد مصادر سلطة القوى العظمى. وغذت هذه الوسائط المشاكل السياسية لإيران والسعودية في الماضي، بناءً على سوء فهم عميق لتاريخ ودين الشيعة والسنة.
لقد استغلت الدول عبر الاقليمية مثل أمريكا وبريطانيا والکيان الصهيوني الاختلاف في مواقف السعودية السنية وإيران الشيعية، ولكن نظرًا لأن كلا البلدين مسلمان، لم تخض إيران والسعودية أبدًا حربًا مباشرةً مع بعضهما البعض. وبعبارة أخرى، استفادت دول أخرى من الفجوات والاختلافات التي ظهر تأثيرها في النزاعات بالوكالة بين إيران والسعودية.
وحسب ما ورد ومع استمرار الشيطنة الإعلامية، فإن التوصية الاستراتيجية في هذه السطور هي أنه بعد الاتفاق بين السعودية وإيران، يجب على وسائل الإعلام إعادة تنظيم سياساتها والعمل من خلال تحديد القواسم المشتركة على أساس الوحدة الإسلامية عبر وضع اتفاقيات إقليمية جديدة على المستوى الاستراتيجي، لأن المنطقة المحيطة بإيران لديها موهبة غير عادية، ولا سيما في مجال الأمن الجماعي والاقتصادي والغذائي في المجال الإقليمي.
وينبغي التسليم بأنه في ظل الوضع الحالي للاتفاق الدبلوماسي، فإن وسائل الإعلام في كلا البلدين لديها فرصة جيدة لتطوير العلاقات والتفاعلات الدولية، من أجل تقديم خدمة كبيرة للإنسانية، وخاصةً الأمة الإسلامية. ويمكن القول إن كلا البلدين يمثلان نوعين من التفكير الديني (الشيعة والسنة)؛ لكن المهم هو أن كلاهما مسلمان.
لذلك، يجب أن يكونا أكثر حرصًا وحساسيةً في علاقاتهما الدولية، حتى يكون التوتر في المواقف الدينية صفرًا. لذلك، فإن توصية واقتراح هذا المقال هو إجراء تغييرات إعلامية استراتيجية وأساسية واسعة النطاق في الأسس الفكرية والهويائية، والتي تبدو ضروريةً لاستمرارية هذه الاتفاقية المهمة.
أثر الاتفاقيات الإقليمية على الاتفاق النووي
هناك قضية مهمة أخرى وهي العلاقة ذات المغزى نسبيًا بين الاتفاق النووي والاتفاق الأخير بين إيران والسعودية.
على الرغم من أن إعادة العلاقات بين إيران والسعودية ستساعد في استقرار منطقة غرب آسيا وتشكيل هندسة النظام الإقليمي الجديد، لكن قضية الاتفاق النووي هي مسألة تقنية نووية مختلفة. ويبدو أن هذا الاتفاق سيكون له تأثير نفسي علی الاتفاق النووي، لأن الاتفاق النووي والاتفاق الأخير بين إيران والسعودية يعتبران متزامنين نسبياً وفي الوقت المناسب للخروج من هذا المأزق السياسي.
من المؤكد أن هذا الإجراء للعلاقات في النظام الدولي سيؤدي إلى إعادة ترتيب وتنظيم السياسة الخارجية الإيرانية وإتمام قضية الاتفاق النووي، ومن المؤمل أن يحدث هذا التغيير في السلوك السياسي لدول أخرى مؤثرة في هذا الملف الإقليمي وعبر الإقليمي المهم.
وتجدر الإشارة إلى أن أنشطة إيران النووية، بما في ذلك التخصيب على مختلف المستويات، سلمية بالكامل وتتوافق مع حقوق الشعب الإيراني على أساس أحكام معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتخضع لإشراف الوكالة والتحقق منها.
تريد إيران الاستمرار في تنفيذ التزامات خطة العمل الشاملة المشتركة؛ لكن بعض الدول، وخاصةً بريطانيا والکيان الصهيوني، بذلت قصارى جهدها لقلب الحقائق وإخفائها.
كانت إيران أكثر الوفود نشاطاً خلال المفاوضات النووية، واقترحت العديد من المبادرات لسد الثغرات في المفاوضات. من أكثر المقاربات شيوعًا بين دول العالم، عدم الاهتمام بالمسألة المهمة والمثيرة للقلق للغاية المتعلقة بالبرنامج النووي العسكري للکيان الصهيوني، والذي يمثل مصدرًا لعدم الاستقرار في المنطقة وتهديدًا خطيرًا للسلم والأمن العالميين.
في ظل الوضع الحالي، فإن تشكيل هندسة النظام العالمي الجديد مع استراتيجية وحدة الدول القوية في المنطقة، بما في ذلك إيران والسعودية والصين والهند، سيساعد على تخفيف التوتر وإقامة السلام والاستقرار في المنطقة.
في المقابل، نشهد وضعاً جديداً في الكيان الصهيوني مع ديكتاتورية بنيامين نتنياهو، ومع الاضطراب الاجتماعي تدور حرب أهلية في الكيان. وأصبح الكيان الصهيوني تهديدًا خطيرًا لمنطقة غرب آسيا، وخاصةً في الدول المجاورة لإيران، بما في ذلك المنطقة الشمالية الغربية من هذا البلد، عبر إثارة الحرب في منطقة كاراباخ.
لكن يبدو أن هندسة النظام العالمي الجديد قد وجدت تشكيلها الأولي لأن تغييرات جوهرية تحدث في العالم، والتي سيكون لها بالتأكيد تأثير نفسي وغير مباشر على الاتفاقية النووية.
لكن من المهم أن نلاحظ أن قضية الاتفاق النووي، هي قضية سياسية أكثر من كونها قضيةً تقنيةً ونوويةً، ويمكن للاتفاقيات والأحداث المختلفة، بما في ذلك العلاقات الإيرانية السعودية أو عدم الاستقرار في منطقة كاراباخ، أن يكون لها تأثير غير مباشر علی ذلك.
ولذلك، يجب أن ننتظر الإجراءات الحقيقية والإيجابية من قبل مجالس التعاون، بما في ذلك مجلس التعاون الخليجي، للتعاون مع إيران في مختلف المجالات والملفات، بما في ذلك الاتفاق النووي.