الوقت - بينما لم يكن قادة مجموعات "قوات سوريا الديمقراطية" المعروفة بـ QSD قد وافقوا سابقاً على اقتراح روسيا بالتفاعل مع الحكومة السورية وإسناد أمن المناطق الواقعة تحت سيطرتهم إلى قوات الجيش، إلا أن الأحداث أجبرت قادتهم على مراجعة سياساتهم. وفي هذا الصدد، زار دمشق مؤخراً وفد من القادة الأكراد برئاسة بدران ضياء كردي، مسؤول العلاقات الخارجية في المنظمة المعروفة باسم "إدارة الحكم الذاتي لشمال وشرق سوريا".
وحسب مصادر كردية، التقى هذا الوفد بعدد من المسؤولين في الحكومة السورية لم تسمهم، وناقش الطرفان آخر التطورات في المناطق الكردية، ووجود القوات التركية، وضرورة الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، وقضايا ثنائية أخرى.
واستغرقت هذه الرحلة ثلاثة أيام، وتفاوض الطرفان على اتفاق خفض منطقة التوتر في 2019، ووجود الجيش السوري على الحدود مع تركيا، وتقول بعض المصادر الكردية إنه تم التوصل إلى تفاهمات أولية حول المبادئ الأساسية مثل وحدة الأراضي والعلم الوطني، وحسب هذه المصادر فإن أجواء الاجتماع كانت إيجابية. وتقول هذه المصادر إن الحكومة السورية اتخذت قرارا جادا بعدم تحسين علاقاتها مع هذا البلد قبل انسحاب القوات التركية من سوريا. كما أكد الجانبان على ضرورة استمرار المحادثات وإيجاد النقاط المشتركة لاستخدامها في المفاوضات المستقبلية.
تأتي هذه الرحلة في وقت نفذت فيه تركيا هجمات جوية ومدفعية على مناطق يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا خلال الشهر الماضي، ويحاول القادة الأكراد تجنب هذه العملية بمساعدة سوريا، ولهذا يطلبون يد العون من دمشق.
منذ عدة سنوات، استغل الأكراد فرصة وجود الجماعات الإرهابية في سوريا وبدعم عسكري من الولايات المتحدة، وأخذوا أجزاء من شمال سوريا تحت سيطرتهم وأداروها بشكل مستقل، وهو إجراء كان جزءًا من مؤامرة أمريكية لتقسيم سوريا، لكن السلطات السورية تؤكد بشدة على وحدة أراضي هذا البلد وأنها ستتعامل مع مثل هذه الخطط.
لذلك، إذا كان القادة الأكراد يحاولون حقًا عقد اتفاق مع الحكومة السورية، فعليهم احترام وحدة أراضي هذا البلد وعدم الانخراط في ألعاب واشنطن الخادعة في المنطقة، كما يبدو من المحادثات بين القادة الأكراد ودمشق، أنهم متفقون على هذا الموضوع.
كذلك، بما أن توفير الأمن والسلاح يجب أن يكون في يد الجيش، فإن وجود الميليشيات الكردية المسلحة في المناطق الشمالية ينبغي اعتباره عقبة في طريق ممارسة سيادة الحكومة المركزية. من ناحية أخرى، فإن الأسلحة المتبقية في أيدي الجماعات الكردية ستكون فرصة لتركيا لمواصلة هجماتها على هذه المجموعات بحجة التهديدات الأمنية. لذلك فإن موضوع السلاح الكردستاني من القضايا التي تحاول دمشق التوصل إلى اتفاق بشأنها.
الوضع غير المواتي للمناطق الكردية
يحلم الأكراد بإنشاء منطقة حكم ذاتي مثل إقليم كردستان العراق ليكون لهم حكومتهم المنشودة. وهو برنامج يتعارض مع وحدة أراضي سوريا وسيادتها، ومن غير المرجح أن توافق سلطات دمشق على هذه المطالب. ومع ذلك، فإن القادة السياسيين الأكراد ليسوا في وضع يسمح لهم بوضع شروط للحكومة السورية لتلبية مصالحهم بالكامل.
الآن السكان المحليون للمناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات الكردية، التي تضم قبائل عربية وحتى تركمان يريدون العودة إلى حكم الحكومة المركزية، لديهم ظروف غير مواتية من الناحية الأمنية والاقتصاد والخدمات، وهذه القضية تسبب أزمة لشرعية الإدارة الذاتية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وجناحه العسكري قوات سوريا الديمقراطية (SDF).
أصبحت هذه الجماعات الآن أدوات الاحتلال الأمريكي ولا يمكنها فقط توفير الأمن للأكراد، بل إنها عرّضت أمن الشعب للخطر بوجودهم، وهجمات تركيا العرضية هي أيضًا للتعامل مع هذه الجماعات.
منذ عدة سنوات، ومن أجل الضغط على سوريا، خفضت تركيا حجم المياه من نهري دجلة والفرات إلى هذا البلد، وأدى هذا الإجراء إلى جفاف ونقص في المياه في المناطق الكردية. تسبب نقص الموارد المائية في مشاكل لزراعة المنتجات الزراعية، ولهذا السبب تتزايد المشاكل الاقتصادية في هذه المناطق يوما بعد يوم. وتشير تقارير إعلامية إلى أن المناطق الكردية تواجه الآن أزمة إمدادات غذائية، وبسبب إغلاق المعابر الحدودية مع تركيا، تمت إعاقة طرق المساعدات الدولية إلى الأكراد.
تخوف من تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق
تأتي الانعطافة الجديدة للقادة الأكراد في وقت ترددت فيه أنباء عن تحسن العلاقات التركية السورية مؤخرًا ويقال إن رئيسي البلدين سيلتقيان في موسكو قريبًا، ويمكن القول إنهما إذا اتفقا على المواقف الماضية، سيكون الخاسر الأكبر في هذه التطورات السياسية هو الأكراد.
تشعر الجماعات الكردية، مثل الإرهابيين في إدلب، بالقلق من قرب أنقرة ودمشق وتخشى أن تتعرض مصالحهم للخطر في هذه العلاقات. وتعتبر تركيا وجود الجماعات الكردية، التي تعتبرها تابعة لجماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، على حدودها الجنوبية تهديدًا لأمنها القومي، ولهذا السبب نفذت منذ عام 2016 ثلاث عمليات كبرى في البلاد.
سوريا التي تمكنت من الاستيلاء على أجزاء من المناطق احتلت شمال هذا البلد. وعليه، فإن التعامل مع تهديدات وجود الميليشيات الكردية هو أحد القضايا الرئيسية التي أثيرت في المفاوضات بين أنقرة وسوريا. لذلك جاء قادة قسد إلى دمشق لكسب رأي السلطات السورية وتقليل الضرر في هذه التطورات.
إن كفاح تركيا والدول العربية الداعمة للإرهابيين لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية هو إشارة للأكراد لإدراك حقيقة أن كل الأعداء سيعودون في المستقبل إلى دمشق، وفي هذه الأثناء فإن المجموعات الكردية التي علقت آمالها على الوعود الفارغة للولايات المتحدة تخسر أيضا، ولهذا الغرض هم يحاولون الدخول في صفقة مع دمشق حتى لا يسقطوا وراء قافلة التطبيع.
في السنوات الأخيرة، تخلت أمريكا دائمًا عن حلفائها في أوقات الأزمات ولم تقدم لهم أي دعم، وفي الهجمات التركية على كوباني في أكتوبر 2019 وفي العمليات الأخيرة، تركت الساحة لتركيا بالكامل. رغم أن بعض المصادر تعتقد أن الولايات المتحدة استأنفت دورياتها مع الأكراد في مناطق شمال سوريا في الأيام الأخيرة وتحاول زيادة الأمن في هذه المناطق من خلال نقل ذخيرة جديدة، ويقال إنه عشية زيارة وزير الخارجية التركي لواشنطن، سيحاول مسؤولو البيت الأبيض تشجيع هذا البلد على المصالحة مع الأكراد بدلاً من تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية. لكن المؤكد أن أنقرة أظهرت خلال العقد الماضي أنها لن تتفاعل مع وحدات الحماية الشعبية، وهي جزء من قوات سوريا الديمقراطية، وتطالب بنزع سلاحها بالكامل. طرحت الولايات المتحدة مؤخرًا خطة من ست نقاط لتوسيع نفوذها وحلفائها في شمال سوريا، لكن يبدو أن الجماعات الكردية لم تعجبها واعتبرت خطة دمشق أكثر ملاءمة لمصالحها.
في الوضع الحالي، يبدو أن الأكراد السوريين ليس لديهم خيار سوى التوجه نحو الحكومة المركزية، مع الأخذ في الاعتبار أن سلطات دمشق أعلنت أيضًا استعدادها لقبول الجماعات التي نأت بنفسها عن الحكومة في أزمة عام 2011، يمكن للأكراد اغتنام هذه الفرصة، واستغلالها للتلاقي مع الحكومة المركزية وضمان أمن المناطق الشمالية ضد التهديدات العرضية من تركيا في ظل الحكم الموحد للحكومة المركزية.