الوقت- رغم مرور أسبوع فقط على تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، إلا أن الجدل الذي بدأه وزراؤه في هذه الفترة القصيرة زاد من تأجيج الوضع في الأراضي المحتلة.
اقتحم وزير الأمن الداخلي في الكيان الصهيوني إيتمار بن غفير المسجد الأقصى يوم الثلاثاء 3 يناير المسجد الأقصى وكان لفعله هذا ردود فعل قوية في العالم الإسلامي الذي أدان هذا العمل الخطير ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف ضد جرائم هذا الكيان.
بينما تعتبر السلطات الصهيونية الدول العربية أصدقاءها، وأنها سوف تصبح قريبًا حلفاء للصهاينة من خلال تطبيع العلاقات، إلا أن ردود فعل القادة العرب بشأن الهجوم على المسجد الأقصى أظهر أن الواقع ليس ما هو عليه.
اعتقدت سلطات تل ابيب انها بعيدة عن الانتقاد العربي، لكن الدول العربية اتفقت على أن هجوم بن غفير على المسجد الأقصى يعد عملًا استفزازيًا سيؤدي إلى تصعيد التوتر والصراعات، ودعمت الفلسطينيين وأعلنت القدس عاصمة أبدية لفلسطين.
باعتبار أن قضية المسجد الأقصى مهمة جدا للعالم الإسلامي، لذلك كان على الوسطاء العرب في المنطقة أن يظهروا رد فعل واضح.
طالبت حكومة الإمارات سلطات الكيان الصهيوني بتقليل التوترات وعدم تنفيذ خطوات تؤدي إلى مزيد من التوترات وعدم الاستقرار في المنطقة. وقالت المملكة العربية السعودية، التي على طريق التطبيع هذه الأيام، إنها تقف إلى جانب فلسطين وتدين الأعمال الاستفزازية لمسؤول إسرائيلي في الهجوم على المسجد الأقصى.
وتواصل الدول العربية معارضة هذه الإجراءات المسببة للتوتر من أجل إجبار كيان الاحتلال على الانسحاب من مواقعه، لأن أي فشل في هذا الصدد سيؤدي إلى استمرار الصهاينة في الترويج للحرب.
النظر في قضية القدس في مجلس الأمن
ولم تكتف بعض الدول العربية بهذه الإدانات وأحالت قضية الهجوم على المسجد الأقصى إلى مجلس الأمن الدولي، حيث انعقد الاجتماع الاستثنائي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مساء الخميس، في مقر هذه المنظمة الدولية، ووصف جميع أعضاء هذا المجلس تحرك الحكومة الجديدة للكيان الصهيوني في تدنيس المسجد الأقصى بأنه استفزازي ومقلق.
قال محمد خالد الخياري، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، إن الوضع في في القدس هش للغاية، وأي حادثة أو توتر في هذا المكان يمكن أن ينتشر ويسبب العنف في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل وأجزاء أخرى من المنطقة.
وقال الدبلوماسي الأمريكي روبرت وود في هذا الاجتماع: "أمريكا ملتزمة بحل الدولتين حيث يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون بسلام جنبًا إلى جنب"، نحن قلقون من أي عمل أحادي يعرض هذا الحل للخطر ".
وحذر ممثلو روسيا والصين وأعضاء آخرين في مجلس الأمن من الأعمال الاستفزازية وأيدوا حل تشكيل حكومتين لإنهاء الصراع.
وأثار إجماع جميع أعضاء مجلس الأمن على إدانة فعل الكيان الصهيوني غضب ممثله، وعبر جلعاد أردان عن استيائه من تركيز مجلس الأمن على زيارة الوزير الإسرائيلي للمسجد بدلاً من التعامل مع العنف والبؤس في العالم. واتهم الفلسطينيين بمحاولة قطع علاقة الشعب اليهودي بالقدس.
أصبح تناول قضايا جرائم الكيان الصهيوني في مجلس الأمن إجراءً عادياً في العام الماضي، وفي هذه الحالة يبدو ان هناك إجماعاً بين الدول ضد هذا الكيان. ففي عام 2022، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة 15 قرارًا ضد جرائم الكيان الصهيوني، ما أظهر أن هذا الكيان يفقد مؤيديه الدوليين يومًا بعد يوم.
الموقف السلبي للدول العربية من الكيان
وبينما توقع الكيان الصهيوني جذب المزيد من العرب إلى طريق التطبيع، حيث أعلن نتنياهو أن إحدى أولويات خطة حكومته هي محاولة أن تكون صديقة للعرب، ولكن مع ذلك يبدو أن تل أبيب لا تستطيع تحقيق هدفها بسهولة بالعثور على حلفاء جدد.
وقال حسن هاني زاده الخبير في شؤون غرب آسيا في هذا الصدد: "حكومة نتنياهو الجديدة متطرفة للغاية، وفيها خمسة وزراء متطرفين، وأعطي منصب وزير الأمن الداخلي إلى بن غفير وهو زعيم التيارات الإسرائيلية المتطرفة، وتلا عدوانه ذلك على المسجد الأقصى غضب الدول الإسلامية.
واتخذت الأنظمة العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل موقفاً سلبياً ضد هذا العمل الاستفزازي، لكن معظم الدول العربية تابعت الموضوع من خلال مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال هاني زاده "في القرار الأخير الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إسرائيل، تم التأكيد على ضرورة أن تعلن محكمة لاهاي رأيها للأمم المتحدة بشأن الاعتداءات على المسجد الأقصى والمقدسات الفلسطينية. ويأتي هذا القرار تنفيذاً لقراري مجلس الأمن 181 و242، اللذين يعتبران القدس عاصمة لفلسطين.
لذلك، يبدو أن القرار الأخير للجمعية العامة وموقف أعضاء مجلس الأمن في إدانة الأعمال العدوانية للصهاينة، هو عمل محسوب وسيؤدي إلى عزل الكيان الصهيوني في العالم.. لذلك، وعلى الرغم من تشكيل حكومة نتنياهو المتطرفة، فإن الأنظمة العربية التي تطبعت مع الاحتلال الصهيوني ستبين موقفها المضاد بوضوح لأنها لا تستطيع إقناع الرأي العام بحكومة تل أبيب المتطرفة ".
تل أبيب تحت الضغط
موقف العالم الإسلامي من تصرفات اليمين المتطرف في الأراضي المحتلة جعل الأوضاع الإقليمية صعبة على تل أبيب. لقد أظهر العالم الإسلامي أنه لن يتنازل عن المسجد الأقصى، وإذا أراد الصهاينة مواصلة مغامراتهم فلن يسكت المسلمون أمامهم.
فكما أظهر الرأي العام غضبه واشمئزازه من الكيان الصهيوني في مونديال قطر، فإنه سيقف ضد جرائم المحتلين بكل قوته في المستقبل. منذ أن عبّر أنصار تل أبيب الغربيون أيضًا عن قلقهم من استفزازات الصهاينة في المسجد الأقصى، فقد جعل ذلك المجال أضيق على الصهاينة، ونتيجة لذلك سيكون نتنياهو أكثر حذراً في القيام بأعمال مماثلة فى المستقبل.
وحسب موجة ردود الفعل في العالم الإسلامي، يقف نتنياهو الآن على مفترق طرق. فمن ناحية، إذا عارض أحزاب اليمين المتطرف وأوقف تحركاتها، فإن حكومته المهتزة ستنهار، لأن أشخاصًا مثل بن غفير وسموتريتش قد تحالفوا معه حتى يتمكنوا من تنفيذ خططهم التدميرية بحرية، وخاصة ضد الفلسطينيين.
ومن ناحية أخرى، فإن ترك أيدي المتطرفين في الحكومة حرة، إضافة إلى أنه يؤدي إلى صراع شامل مع الفصائل الفلسطينية، سوف يدفع الدول العربية إلى الابتعاد أكثر عن مسار التطبيع يومًا بعد يوم، وهذا ضد رغبة نتنياهو.
وفي هذا الصدد، أكد هاني زاده: "مغامرات اليمين المتطرف في القدس ستستمر، وهم يحاولون دائمًا استفزاز الفلسطينيين وتهيئة الظروف للفئات الفلسطينية للدخول في صراع غير مرغوب فيه والإسرائيليون يريدون الانتقام، وهذه الأعمال ستضر بالصهاينة على المدى البعيد ". وبما أن الدول الأوروبية ليس لديها رأي إيجابي في حكومة نتنياهو الراديكالية، فإن هذه القضية ستثير في نهاية المطاف الرأي العام داخل الأراضي المحتلة ضد الحكومة، وبعد فترة ستنهار، وستجرى انتخابات مبكرة في إسرائيل مرة أخرى.
حتى أن وجود متطرفين مثل بن غفير في مجلس الوزراء أثار قلق المسؤولين السابقين في الكيان الصهيوني، ووصف يئير لبيد، رئيس الوزراء الأسبق لهذا الكيان، ردًا على هجوم بن غفير على المسجد الأقصى، أن أكثر شخصية متطرفة غير مسؤولة قد تم تكليفها بالتعامل مع المكان الأكثر حساسية. قال لبيد إنه سيكشف عن أفعال إسرائيل للعالم العربي، الأمر الذي يمكن أن يعطل عملية التطبيع.
وحذرت فصائل المقاومة مرارًا وتكرارًا من أنه إذا أخطأ العدو فسوف تُضرم النار في جميع الأراضي المحتلة، وإذا هاجم المتطرفون المسجد الأقصى، فإن هذا المكان المقدس يمكن أن يصبح مسلخًا للصهاينة ويسرع في عملية انهيار الكيان الصهيوني.