الوقت_ مؤخراً، نظم آلاف المغاربة، وقفات احتجاجية ضد التطبيع مع عدو العرب والمسلمين والأحرار الأول في العالم في عدد من مدن البلاد، بالتزامن مع مرور عامين على استئناف الحكومة المغربية علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الغاصب مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة، في وقت يعتبر المغاربة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ اعتداءً على مشاعر الشعب من قبل الحكومة، وإهانة لا يمكن تغطيتها بأيّ حديث عن المصلحة الوطنيّة، وهذا ليس بجديد فقد صفع المغاربة هذا المشروع مراراً وتكراراً واقفين بوجه الإساءات التي قامت بها حكومتهم بحق المغرب أولاً وفلسطين ثانيّاً، منذ إعلان التطبيع وهبوط طائرة العدو الغاشم التي تقلّ وفداً إسرائيليّاً – أمريكيّاً، برئاسة مستشار الأمن القوميّ الصهيونيّ حينها مئير بن شبات، وبرفقة صهر ومستشار الرئيس الأمريكيّ السابق دونالد ترامب، اليهوديّ جاريد كوشنر، الراعي الرسميّ لإدخال الدول الخانعة إلى حظيرة التطبيع، وليس انتهاءً عند مونديال قطر والصفعات اللامحدودة التي تلقتها تل أبيب.
“اتفاقية التطبيع الحكوميّ مع إسرائيل لا تُمثلنا"، هذا ما قاله المغاربة بمناسبة الذكرى الثانية لخيانة حكومتهم، والتي أصبح المغرب من خلالها رابع دولة تدخل حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع الصهاينة، بعد الإمارات والبحرين والسودان، فيما يرفض الشعب المغربيّ بشكل مطلق خيانة فلسطين والقدس منذ 10 ديسمبر/ كانون أول 2020، عند إعلان الكيان والمغرب، استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد توقفها عام 2000، مقابل الاعتراف الأمريكيّ بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة التي تحتل جزءاً كبيراً منها، ما زاد من اتساع الفجوة بين الحكومة العميلة وشعبها المقاوم.
وفي هذا الخصوص، أعرب المغاربة المحتجون بشدّة على التطبيع عن موقفهم الرافض لكل أشكال تلك الخيانة، ودعمهم اللا مشروط للمقاومة الفلسطينية، فيما يعبر الشعب المغربيّ بأكمله عن شجبه للتطبيع مع العدو الصهيونيّ من خلال وسائل التواصل الاجتماعيّ، ويندد بالعلاقات مع العدو التي جاءت على حساب القضيّة الفلسطينيّة، حيث يدرك المغربيون جيداً حجم التكالب على فلسطين وداعميها من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ وإبادة كل ما هو غير يهوديّ، ومن ثم الغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة.
وفي الوقت الذي رفع فيه المحتجون شعارات مناصرة للمسجد الأقصى المبارك، أكّدوا على ارتباط المغاربة الوثيق بالقدس، ما دعّم من الموقف الشعبيّ في بلد مناصر للقضية الفلسطينية كما الفلسطينيين أنفسهم، وخاصة أنّ التطبيع يتناقض مع النزاع الحقوقيّ والدينيّ والروحيّ والأخلاقيّ، كما أنه يتم مع عدو يدنس مقدسات المغاربة ويحتل أولى قبلتهم ومسرى رسولهم يومياً، إضافة إلى أنّ الاحتلال يسعى لإقامة "الهيكل" المزعوم، ويصادر ممتلكات وأوقاف الفلسطينيين ويهدم حارة المغاربة في القدس، وبالتالي فإنّ الموقف الشعبيّ المغربيّ جاء ليصفع تل أبيب وينبهها إلى حقيقة أنّها "لم تُطبّع إلا مع بضعة مسؤولين زائلين"، في تأكيد جديد على أنّ الأكاذيب الأمريكيّة والصهيونيّة لن تنطلي على الشعوب في البلدان التي طبعت أنظمتها العميلة، بل ستكون الشعوب صخرة صلبة ضد كل من يحاول النيل من كرامة الشعوب العربية التي قالت كلمتها للعالم مؤخراً في مونديال قطر 2022.
"الاحتلال العسكريّ الإسرائيليّ سيبقى عدواً مهما تلبس بلبوس السلام"، رسالة قديمة جديدة أوصلتها مُدن بركان ووجدة ومكناس والدار البيضاء وخريبكة والجديدة وبني ملال وطنجة والراشيدية وأكادير وتازة وآسفي والمحمدية، لتؤكّد أنّ الدعم الحكومي المُطلق لكيان الاحتلال اللقيط الذي بني منذ ولادته على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها وترتكبها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، هو محض خيانة حكوميّة لا أكثر، ولا يعني الشعوب العربية الحرة الداعمة لأهم قضيّة عربيّة وإسلاميّة وتحرريّة.
ومع إيمان المغاربة بأنّ دعم حكومة بلادهم للصهاينة يزيد من التغول الصهيوني وصهينة ما تبقى من المكون اليهودي في المغرب بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية، لتحقيق حلم القادة الصهاينة في قضم أراضي الفلسطينيين وسحقهم تماماً مثلما حدث في بدايات تطبيق المشروع الصهيونيّ الذي أدى إلى عملية تطهير عرقيّ وتهجير قسريّ لأصحاب الأرض الفلسطينيين، شكّلت الوقفات الشعبيّة مناسبة لتجديد الرفض الشعبيّ المطلق للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والمطالبة بإسقاطه، في ظل رفض هيئات وأحزاب مغربية التطبيع مع تل أبيب، عبر عدد من الاحتجاجات والفعاليات والبيانات، وخاصة أن الوقوف مع فلسطين ضد الاحتلال الصهيونيّ ليس من أجل الدفاع عن فلسطين فحسب، بل من أجل الدفاع عن بلادهم من الاختراق التطبيعيّ، الذي يسعى العدو من خلاله إلى التسلل للمنظومة الحكومية في بعض الدول العربيّة لتزييف الوعيّ وجعل الرواية الصهيونيّة المخادعة هي السائدة، ومحاولة دفن القضية الفلسطينية وإرغام الشعوب والأجيال على القبول بهذا الظلم والإجرام التاريخيّ غير المسبوق.
خُلاصة القول، كما صفع المنتخب المغربي قبل أيام حكومة العدو واتفاقاتها الزائفة في مونديال كرة القدم في قطر، صفع الشعب المغربيّ العظيم بكل مكوناته تل أبيب ومن يساندها من عملاء –قِلة- على المستوى الرسميّ، وكما لوّح المنتخب المغربيّ بعلم فلسطين رفع أبناء هذا البلد أعلام فلسطين التي تُعد من أهم قضايا الإبادة في العالم، ما يضيف صدمة أُخرى لـ"إسرائيل" التي لم تتعلم الدرس ولم تتعافَ بعد من ردود الأفعال العربية على أراضي قطر، ما يفسد من جديد الاحتفاء الخادع للكيان الصهيونيّ باتفاقات العار، وبالتالي زيادة أكبر في الإرباك الشديد في حكومة الاحتلال من نتائج اتفاقيات التطبيع، وخاصة على المستوى الشعبيّ العربيّ الرافض لسماع كذبة "إسرائيل" حتى.