الوقت- استضاف مركز الملك الحسين بن طلال للمؤتمرات الأردني، يوم الثلاثاء الماضي، اجتماعا إقليميا عقد بحضور قادة عدة دول من غرب آسيا وشمال إفريقيا، إضافة إلى فرنسا وعدد من المنظمات الدولية. ومن المفترض أن تناقش هذه القمة التي تعرف بـ "بغداد 2" مختلف القضايا الإقليمية. والغرض من عقد هذه القمة هو تبادل وجهات النظر حول تحديات مثل الأمن الغذائي والأمن الدولي وأمن الطاقة في المنطقة والعالم. وقال المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف، إن اللقاء الأردني هو تأكيد على دعم الدول المشاركة للعراق في العديد من المجالات، مثل سيادة العراق وأمنه واستقراره، فضلا عن دعم العملية السياسية والعملية الاقتصادية وإعادة بنائها. وهذا الاجتماع له العديد من الآليات التعاون الإقليمي مع العراق في مجالات عديدة منها مكافحة الإرهاب والأمن الغذائي والأمن المائي والطاقة وبعض المجالات الأخرى.
وحسب تقارير إعلامية، عقدت الجولة الثانية من قمة "بغداد للتعاون والشراكة" بحضور مسؤولين من الأردن والسعودية والإمارات والكويت وقطر ومصر وعمان والبحرين ودول أخرى مثل فرنسا، وإيران وتركيا. وألقى وزير الخارجية حسين أميرعبد اللهيان، الذي سافر إلى الأردن نيابة عن إيران، كلمة في الاجتماع الرسمي في بغداد 2 وعرض وجهات نظر إيران بشأن أمن العراق وتنميته، والتقى مع بعض المسؤولين المشاركين في هذا الاجتماع. وقال أمير عبد اللهيان قبل توجهه إلى الأردن عن هذا اللقاء "اجتماع بغداد 2"، "يمكن أن يكون خطوة للخروج من الأزمات الحالية ونحن مستعدون للتعاون بعيدا عن التدخلات الخارجية".
ماذا كانت نتائج مؤتمر "بغداد 1"؟
عقدت الجولة الأولى من مؤتمر بغداد في آب 2021 في بغداد بحضور مسؤولين من 10 دول عربية وأجنبية إلى جانب عدد من المنظمات الإقليمية والدولية. وعقدت القمة بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وفي البيان الختامي للمؤتمر الأول، تم التأكيد على الدعم الأمني والاقتصادي للعراق بما يتماشى مع استقرار وسيادة ووحدة أراضي هذا البلد، وأكدت الدول الحاضرة فيه على التعاون للتعامل مع التحديات المحيطة. وقرر المشاركون في هذا المؤتمر تشكيل لجنة من وزارات خارجية الدول المشاركة من أجل تمهيد الطريق لعقد اجتماعات دورية لهذا المؤتمر لمراجعة المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية والاستثمارات المشتركة التي قدمت للعراق. كما أكد المشاركون في هذا الاجتماع على دعم جهود العراق في مجال إعادة الإعمار وتقديم الخدمات ودعم البنى التحتية للبلاد. كما تم الاتفاق على ضرورة توحيد الجهود للتعامل مع التحديات التي يسببها تغير المناخ والاحتباس الحراري.
وواجه العراق أزمات سياسية واقتصادية وأمنية في العقد الماضي، وزاد انتشار الإرهابيين في هذا البلد من المخاوف من انتشار حالة انعدام الأمن إلى دول المنطقة، وبالتالي فإن إرساء الاستقرار والأمن في العراق يعتبر أمراً مهماً لدول المنطقة. ومن ناحية أخرى، ونظراً لموقعه الجغرافي السياسي، يمكن للعراق أن يكون جسراً بين إيران والعالم العربي لتعزيز مستوى التعاون الثنائي و كلما كان العراق أكثر استقراراً، كانت دول المنطقة أكثر أمناً، ولهذا السبب سيكون من المفيد عقد اجتماعات إقليمية في هذا الاتجاه.
وتأمل الحكومة العراقية الجديدة أن تكون قمة بغداد نقطة انطلاق لتعزيز العلاقات بين بغداد ودول المنطقة، لا سيما في مجال الشراكات الاقتصادية. ويحتاج العراق، الذي خرج للتو من أزمة سياسية استمرت لمدة عام، إلى مساعدة الدول الأخرى لحل المشاكل الاقتصادية والمعيشية التي تم إهمالها في السنوات الأخيرة. ويصدر العراق 3 ملايين برميل من النفط يوميًا، لكن سوء الإدارة في هذا البلد جعل تأثير هذه الإيرادات على الاقتصاد أقل وضوحًا. وبسبب موارده النفطية الضخمة، يمكن للعراق تقديم العديد من الخدمات للدول المحتاجة، بما في ذلك الأردن ومصر، ولقد وافقت الدول الثلاث على نقل النفط العراقي إلى مصر والأردن عبر خط أنابيب على أساس اتفاقيات بلاد الشام الجديدة، ولكن هذا المشكلة أيضا تتطلب مساعدة دول المنطقة ليتم تنفيذها.
"بغداد 2" مقدمة لحل الأزمات الإقليمية
تنعقد قمة بغداد 2 في الوقت الذي يواجه فيه العالم أزمة طاقة بعد حرب أوكرانيا، واكتسب غرب آسيا أهمية خاصة بسبب موارده الضخمة من النفط والغاز. و"قمة بغداد 2"، رغم أنها تعقد بهدف حل مشاكل العراق، إلا أن اللقاءات الثنائية بين ممثلي الدول المشاركة يمكن أن تكون فعالة في تقليص الخلافات الإقليمية. ومنذ بداية الربيع العربي الذي شارك فيه العديد من الدول، اشتدت الأزمات في المنطقة، وهناك حاجة لتعاون ومساعدة جميع الدول للتغلب على هذه الأزمات، ويمكن لقمة "بغداد 2" أن تكون عونا كبيرا في ذلك.
وبالنظر إلى أن العلاقات الإيرانية وبعض الدول العربية في المنطقة شهدت توتراً في العلاقات في السنوات الأخيرة، فإن محاولة تحسين العلاقات بين الجانبين هي إحدى أولويات الدول الحاضرة في هذا الاجتماع، وإذا تم حل الخلافات بين طهران والعرب، فإن هذا الامر سيعزز السلام والاستقرار في المنطقة. ولا توجد علاقات دبلوماسية بين إيران والسعودية ومصر، لكن تم بذل جهود في هذا المجال مؤخرًا حتى يكون هناك انفتاح في العلاقات بين هذه البلدان. وتعد الاجتماعات بين المسؤولين الإيرانيين والمسؤولين في القاهرة في الأشهر الأخيرة واستعداد الجانبين لاستئناف العلاقات إشارات إيجابية على أن عقد مثل هذه اللقاءات وبوساطة بعض الحكومات في المنطقة يمكن أن يكون مفتاح حل الخلافات السياسية.
ومن ناحية أخرى، تظل الأزمة السورية أكبر قضية صراع بين دول المنطقة، وقد قطعت العديد من الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، وذلك من أجل إرساء الاستقرار في المنطقة. ومن الضروري أن يقوم العرب أيضًا بتطبيع علاقاتهم مع سوريا. وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية قامت بتطبيع علاقاتها مع سوريا، والأردن من هذه الدول التي اتخذت مؤخرًا خطوات لتحسين العلاقات مع دمشق. وطالما استمرت التوترات بين دول غرب آسيا، فإن الطريق إلى السلام والاستقرار لن يكون أكثر من حلم، وبالتالي يتعين على قادة المنطقة إيجاد حلول للتغلب على هذه الأزمات. ويرى مراقبون أن مؤتمر بغداد يسعى لأن يكون بوابة لمزيد من التفاهمات الإقليمية من منظور العراق من خلال إبرام تفاهمات بين الدول العربية والإقليمية.
امكانية لقاء المسؤولين من طهران والرياض
وعلى الرغم من أن قمة الأردن ستناقش قضايا العراق، إلا أن هناك قضايا إقليمية أخرى على جدول أعمال هذه الاجتماعات. وقالت بعض المصادر إنه من المحتمل أن يكون هناك لقاء بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين على هامش هذه القمة، لكن حتى الآن لم يتم إعداد أي خطة من قبل البلدين لهذه الاجتماعات، والمؤكد أن أمير عبد اللهيان، في اجتماع الاثنين، أبداء استعداد طهران للتحدث مع السعودية، حيث أعلنت السعودية تطبيع العلاقات.
وأجرت إيران والسعودية عدة جولات من المفاوضات في بغداد بهدف تقليص الخلافات وإعادة العلاقات الثنائية، لكنها حتى الآن لم تؤد إلى إعادة فتح سفارتي البلدين. وعلى الرغم من أن إيران ليست جيدة في المفاوضات ولقد اعلنت عن استعدادها للمساعدة في حل مشاكل السعودية في حرب اليمن، إلا أنه في الأشهر الأخيرة، بسبب تدخل وسائل الإعلام السعودية في الاضطرابات في إيران، فإن الأجواء الإيجابية خفت حدة المفاوضات، وانتقدت السلطات الإيرانية السعوديين مرارا وتكرارا، وحذرت من انعدام الأمن.
وكانت إيران قد أعلنت في وقت سابق أنها مستعدة للتوصل إلى اتفاق مع السعودية في مختلف القضايا، بما في ذلك إعادة فتح السفارات. لكن السعوديين لم يظهروا أي رغبة في هذا الصدد وقالوا إن السفارات ستبقى مغلقة حتى يتم حل جميع الخلافات. ويظهر حضور وزير الخارجية في الاجتماع الأردني أن إيران مستعدة لدفع الدبلوماسية والحوار مع الحكومات العربية في المنطقة وما زالت ملتزمة بإيجاد حل للخلافات طويلة الأمد مع السعودية والدول العربية الأخرى، والآن الكرة في ملعب السعوديين، الذين يجب عليهم إظهار نواياهم الحسنة وإذا ما كانت لديهم الرغبة في إقامة علاقات وحل الخلافات أو أنهم يريدون الاستمرار في خلق التوتر مع طهران.
وتعتبر إيران والمملكة العربية السعودية لاعبين مهمين في الخليج الفارسي، فكلما قلت التوترات بين هذين الخصمين، كلما كانت المنطقة أكثر سلامًا، ومع استمرار الخلافات، ستزداد الأزمة أيضًا، كما كان الحال في الماضي. وحاليا الخلاف الأكبر بين إيران والسعودية في المنطقة مرتبط بأزمة اليمن، والسعوديون يتهمون إيران بالتدخل في شؤون اليمن ودعم أنصار الله، وكما يقر محللون فإن حل الخلافات بين طهران والرياض سيكون له تأثير على التطورات في اليمن وسوف يترك أثرا إيجابيا ومن ناحية أخرى، على هامش هذا الاجتماع، سيلتقي أمير عبد اللهيان أيضًا بجوزيب بوريل، كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، لمناقشة القضايا الرئيسية المتبقية المتعلقة بإحياء الاتفاق النووي. وفي خطابه الأخير، حذر أمير عبد اللهيان مسؤولي البيت الأبيض من أن اجتماع الأردن يمثل فرصة جيدة لتغيير نهج أمريكا وأن واشنطن يجب أن تختار بين النفاق أو العودة إلى الاتفاق النووي.
وعلى الرغم من أن عقد الاجتماعات الإقليمية في حد ذاته يعد خطوة إيجابية لزيادة التعاون بين الأعضاء، إلا أن التجربة أظهرت أنه لا ينبغي توقع المعجزات من هذه الاجتماعات، واجتماع بغداد، مثل الاجتماعات السابقة الأخرى، قد ينتهي فقط بإصدار بيان وأخذ صورة فوتوغرافية. لأن هناك منافسة كبيرة بين الفاعلين الإقليميين داخل وخارج العراق، والتي لا تسمح بالاستقرار في هذا البلد، وببساطة عقد الاجتماعات لا يمكن أن يحل مشاكل بغداد، وهذه القضية ستؤثر بشكل تلقائي على التطورات في الدول الأخرى.