الوقت- أعلنت مصادر إخبارية، الأربعاء الماضي، اكتشاف شبكة من 44 شخصًا يشتبه في قيامهم بالتجسس لمصلحة الكيان الصهيوني من قبل أجهزة الأمن التركية، وقد قدمت معلومات عن فلسطينيين يعيشون في هذا البلد إلى وكالة تجسس الكيان الصهيوني (الموساد) في تركيا.
وحسب ما أعلنت صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية، فإن المعتقلين متهمون بمراقبة السكان الفلسطينيين والمنظمات غير الحكومية التابعة لهم وتقديم المعلومات إلى وكالة التجسس الإسرائيلية.
وقد أُعلن أن سبعة من المشتبه بهم في هذه القضية قد عرضوا على المحكمة وأرسلوا إلى السجن بعد اعتقالهم من قبل أمن اسطنبول، وبينما لا يزال 13 من المتهمين الهاربين فارين، فإن التحقيق مع المشتبه بهم الآخرين مستمر في فرع مكافحة الإرهاب في تركيا.
بالطبع لا بد من القول إن نشر هذا الخبر أولاً من قبل وسائل الإعلام الصهيونية ثم نشره من قبل وسائل الإعلام الأخرى يستحق التأمل ويظهر أنه من المحتمل أن تكون هناك لعبة وراء هذا الموضوع، لأن إعادة بناء العلاقات السياسية بين الكيان الصهيوني وتركيا واجهت انتقادات كثيرة من قبل الفلسطينيين وأنصار القضية الفلسطينية ضد تصرفات أنقرة. ويحتمل أن تكون هذه الأخبار لعبة سياسية ومُعدة لإرضاء الفلسطينيين وإظهار وجه إيجابي للقادة الأتراك أمام المسلمين.
تجدر الإشارة إلى أنه في العقدين الماضيين، شهدت العلاقات السياسية بين تل أبيب وأنقرة العديد من التقلبات، لكن هذه العلاقات لم تتراجع أبدًا في مجالي "الأمن والاقتصاد" وكانت دائمًا في نمو، وهو موضوع يثير العديد من الأسئلة في العالم الإسلامي وخلق شكوكاً حول أهدافه.
في الوقت الحالي، وبالنظر إلى اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية العام المقبل، يحرص المسؤولون في أنقرة على تعزيز العلاقات مع الكيان الصهيوني. حتى أن أحد المصادر رفيعة المستوى في وزارة خارجية الكيان الصهيوني أُبلغ عن مشاورات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والشيخ تميم أمير قطر، بهدف تشجيع الدوحة على بدء عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. ومع ذلك، لا بد من القول إن الدوحة أظهرت استخفافًا كبيرًا بالكيان الصهيوني خلال مونديال قطر 2022.
تقلبات العلاقات بين أنقرة وتل أبيب
كانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني المغتصب بعد عام من احتلال فلسطين أي عام 1949، واستمرت العلاقات بين أنقرة وتل أبيب على مستوى عالٍ حتى وصل الإسلاميون إلى السلطة في تركيا، ورغم التقلبات أثناء فترة حكمهم، شهد عهد رجب طيب أردوغان توسعًا غير مسبوق.
خلال رئاسة أردوغان للوزراء، التي بدأت عام 2003، استمرت العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، إلا أنه منذ هجوم القوات الصهيونية على سفينة مرمرة ومقتل 9 مواطنين أتراك عام 2010، تدهورت هذه العلاقات لفترة، لكنها عادت إلى روتينها الطبيعي.
في ذكرى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في مايو 2018، والتي واجهت احتجاجات الفلسطينيين في قطاع غزة، طلبت أنقرة من سفير الكيان الصهيوني في تركيا مغادرة هذا البلد وسحبت سفيرها من تل أبيب في مايو، مايو 2018.
توترت العلاقات بين الجانبين بعد أن انتقد أردوغان سياسات الكيان الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، لكن هذه العلاقات لم تنقطع أبدًا. بعد فوز بنيامين نتنياهو في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأراضي المحتلة، لم يكتف أردوغان، في خطوة حاسمة، بإرسال رسالة يهنئه فيها على نجاحه، بل قدم العزاء أيضًا لمجرم القرن بوفاة اثنين من الصهاينة.
في العام الماضي، تم عقد سلسلة لقاءات دبلوماسية بين كبار المسؤولين في تركيا والكيان الصهيوني، بما في ذلك زيارة رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة العام الماضي، تلتها زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى القدس مطلع شهر حزيران من هذا العام (وهي أول زيارة لوزير خارجية تركيا إلى الأراضي المحتلة خلال الخمسة عشر عامًا الماضية) ولقائه بنظيره الإسرائيلي وعلى عكس زيارة "يائي لابيد". استمر وزير خارجية الكيان الصهيوني آنذاك إلى تركيا في يونيو من هذا العام، وهذا دليل على أن أنقرة وتل أبيب يتخذان خطوات سريعة نحو تطبيع العلاقات بينهما.
في العاشر من ديسمبر الجاري، سلم السفير التركي شاكر أوزكان تورونلار نسخة من أوراق اعتماده إلى مسؤول وزارة خارجية الكيان الصهيوني، وهي خطوة أخرى اتخذتها أنقرة لتعزيز العلاقات مع تل أبيب بما يضر بها. للشعب الفلسطيني. وتورونلار هو أول سفير لتركيا يتم إرساله إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد غياب سفير بلاده في تل أبيب لمدة أربع سنوات.
في 28 سبتمبر من هذا العام، تم تقديم "إيريت ليليان"، وهي امرأة تبلغ من العمر 50 عامًا وعنصر عسكري صهيوني، والتي كانت القائمة بالأعمال الإسرائيلية في تركيا قبل ذلك، كسفيرة جديدة للكيان الصهيوني في تركيا. حاليًا، تعمل سفارة وقنصليات الكيان الصهيوني رسميًا في مدينتي أنقرة واسطنبول.
بعد اندلاع الأزمة السورية في آذار (مارس) 2009 وسوء تصرف حماس خلالها وإغلاق مكاتبها في هذا البلد، نقلت هذه الحركة مكاتبها إلى قطر وتركيا. وبسبب طلبات تل أبيب بإنهاء نشاط مكتب حماس في تركيا ومغادرة هذا البلد، فرضت أنقرة بعض القيود على هذه الحركة من أجل إرضاء تل أبيب في تركيا منذ نحو 3 سنوات.
كذلك، بقبولها الملاحظات الأمنية التي تهم الكيان الصهيوني، وافقت أنقرة على إرجاع تحليق الخطوط الجوية الإسرائيلية إلى تركيا بعد 15 عامًا مع تواجد قوات الأمن الإسرائيلية في المطارات التركية.
في مشهد التطورات الداخلية يأمل أردوغان في استقبال المزيد من السياح الصهاينة في ظل تحسين العلاقات مع الكيان الصهيوني. وبهذه الطريقة، مع كبح جماح التضخم بنسبة 70٪ في العامين الماضيين، قد يقلل هذا مقدار الضغط الاقتصادي على الشعب التركي، وخاصة في الأشهر التي تسبق الانتخابات في هذا البلد. حيث تستضيف تركيا ما لا يقل عن 5 ملايين سائح يهودي كل عام.
في عام 2021، سيتجاوز حجم التبادل التجاري بين تركيا والكيان الصهيوني 8 مليارات دولار، بينما أكدت أنقرة وتل أبيب على توسيع التعاون الاقتصادي بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة عام 1997، ما يدل على استمرار التعاون الاقتصادي حتى بعد سنوات من قطع العلاقات السياسية بين الجانبين.
آراء الصهاينة والفلسطينيين حول أسباب تحسن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب
ورغم أن رأي الفلسطينيين لا يتوافق مع الرأي الصهيوني في أي مجال بل يتناقض، إلا أن هناك وجهات نظر متقاربة نسبيًا بين الجانبين فيما يتعلق بأهداف أنقرة في إقامة علاقة مع تل أبيب.
وقالت جاليا ليندن شتراوس، خبيرة الأمن القومي في جامعة تل أبيب، في مقابلة مع صحيفة هاآرتس الصهيونية، إن "أردوغان الذي وصل إلى السلطة بدعم من الشعب، هو الآن في أسوأ وضع ممكن" منذ العقدين الماضيين، وأنقرة تبحث عن مخرج من هذا الوضع.
وأشارت في هذا الصدد إلى أن تحرك تركيا نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل مؤشر على ضعف تركيا، وذكر أن "أنقرة تبحث عن مخرج في مجال السياسة الخارجية من خلال لفت انتباه الرأي العام الداخلي". قضايا السياسة الخارجية المنحرفة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل هي إحدى نتائج هذه السياسة. كما دخلت تركيا خلال الفترة الأخيرة في تطبيع العلاقات مع دولتي السعودية والإمارات، لأن السياسة الخارجية المعتدلة تؤدي إلى جذب المزيد من الاستثمار.
ولفت شتراوس إلى أن تركيا قد تُركت بمفردها في المنطقة مؤخرًا "حيث أنشأت دول مثل اليونان وقبرص ومصر والإمارات وإسرائيل وحتى الهند تحالفًا غير رسمي ضد تركيا، وكل هذه الدول مهتمة بإضعاف تركيا، وكان على انقرة اتخاذ اجراء بشأن هذه القضية".
خلال العام الماضي، غيرت تركيا سياستها العدوانية ضد الدول واتجهت نحو تطبيع العلاقات وتحسينها، والتي شملت الإمارات والسعودية ومصر واليونان وإسرائيل، وحققت نتائج في بعضها مثل السعودية والإمارات، لكن بالنسبة لبعض الدول مثل اليونان ومصر (باستثناء لقاء أردوغان والسيسي في الدوحة) ، لم يتحقق الكثير".
كما ذكر كاتب ومحلل فلسطيني يدعى "صالح أبو عزة" بعض النقاط حول أسباب تقارب أنقرة من تل أبيب في نفس الاتجاه.
ويرى أن "أنقرة تعاني من أزمات اقتصادية مختلفة، وعشية الانتخابات، يعتبر أردوغان أن حل هذه المشاكل هو تحسين العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، ودعوة رئيس الكيان الصهيوني، إسحاق هرتسوغ لتركيا وإرسال وزير الخارجية التركي إلى تل أبيب فإن كل ذلك تم تماشيا مع هذا الهدف.
وحسب هذا المحلل الفلسطيني، فإن "ما تبحث عنه أنقرة في الأراضي المحتلة هو الاقتصاد، لأن العلاقات الأمنية والاستخباراتية بين أنقرة وتل أبيب، كما صرح أردوغان، لم تنقطع في السنوات الأخيرة".
ويرى أن "عيون تركيا على الغاز المسروق من فلسطين (من قبل الصهاينة)، حيث تحاول نقل هذا الغاز عبر الأراضي التركية إلى أوروبا حتى تتمكن أنقرة من تحقيق ميزة جيوسياسية كممر للطاقة من الشرق إلى الغرب". حيث إضافة إلى حصوله على غاز رخيص من الكيان الصهيوني، فهو يتلقى مليارات الدولارات سنويًا مقابل حق تمرير الغاز. ويرى هذا الباحث الفلسطيني أيضًا أن تركيا تحاول فتح بوابة لتعزيز العلاقات مع الصهاينة من خلال تعزيز السياحة والتجارة معها.
وأوضح أبو عزة أن تنظيم الحكم الذاتي وتركيا يسيران في نفس الاتجاه من أجل جعل تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني يبدو قانونيًا وطبيعيًا، موضحًا أن: منظمة الحكم الذاتي تدين تطبيع العلاقات بين الدول العربية مع المحتلين من ناحية ومن ناحية أخرى ترحب بعلاقات تركيا مع الكيان الصهيوني.
وأكد أن الشعب الفلسطيني يدين أي نوع من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني من قبل أي طرف وفي أي وقت. وقال: إن زيارة وزير الخارجية التركي للأراضي المحتلة جاءت في أسوأ الأوقات، وخاصة أن الاشتباكات مستمرة بين المقاومة والكيان الصهيوني في الميدان، وخاصة في القدس وجنين.
وأكد أبو عزة أن الأتراك لا يفكرون إلا في مصالحهم الخاصة، وأن مصالح الفلسطينيين، الذين طالما أدانوا تطبيع العلاقات والتعاون مع المحتلين، ليست مهمة للسلطات التركية.
وأشار إلى أن "الأمة الفلسطينية وحدها" ستعاني من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني وتقديم المساعدة القانونية للمحتلين، وقال إن "هذا السلوك التركي ومنظمة الحكم الذاتي مع الصهاينة يعني انتصار فكر التطبيع والاستسلام على فكر المقاومة".
وقال ابو عزة ان "الكيان الاسرائيلي ايضا يحتاج الى تركيا من اجل تبرير تطبيع العلاقات مع الصهاينة. لأن تركيا دولة إسلامية كبيرة وهناك الكثير من وسائل الإعلام والنشطاء الذين يبررون هذا العمل التركي لتطبيع العلاقات مع المحتلين.
وكذلك فيما يتعلق بالقيود المفروضة على أنشطة حركة حماس في تركيا بناءً على طلب الصهاينة، فهو يرى أن أنقرة قد قيدت أنشطة حركة حماس في أراضيها بناءً على علاقاتها مع المحتلين وأن الكيان الصهيوني هو نفسه طالب بضغوط تركيا على حماس لتقليص نشاط المقاومة، والتي ستفيده في قضية الصهاينة المسجونين لدى حماس ومسألة وقف إطلاق النار.
في الختام، لا بد من القول إن نبأ اكتشاف شبكة من 44 شخصًا يشتبه في قيامهم بالتجسس لمصلحة الكيان الصهيوني من قبل جهاز الأمن التركي، والتي كانت تقدم معلومات عن فلسطينيين مقيمين في هذا البلد إلى وكالة تجسس الكيان الصهيوني (الموساد)، صحيح، فهو يدل على نشاط الموساد المكثف في تركيا، وهذا يعتبر نقطة ضعف لأنقرة ضد الفلسطينيين، وليست نقطة إيجابية. إذ إن فتح يد الموساد في تركيا في السنوات الماضية مكّن جهاز التجسس هذا أن يفعل ما يشاء وبكل أمان ضد الفلسطينيين، وقد قامت تركيا بأعمال كانت سببًا في بيع الفلسطينيين للصهاينة للحصول على فوائد مادية، وهذا خطأ، لأن الثقة بالذئب ذي الأسنان الحادة، ستكون نتيجتها معروفة في المستقبل غير البعيد.