الوقت- في الوقت الذي واجهت فيه الانتفاضة الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية حالة من عدم الاستقرار، ومع بدأ عمليات عسكرية مكثفة في الأسابيع الأخيرة، ساد جو من الرعب على الأراضي المحتلة والمستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، ولهذا سار الجيش الصهيوني في عمل غامض، باتجاه الحدود الشمالية للأراضي المحتلة وأجرى تدريبات عسكرية هناك. وفي هذا الصدد، قال أفيخاي أدري، إن مناورات "الشتاء الساخن 2" في الجبهة الشمالية بمشاركة 13 ألف جندي بدأت يوم السبت الماضي وستستمر حتى الثلاثاء. وقال المتحدث باسم الجيش الصهيوني إنه يتم في هذا التمرين التعامل مع السيناريوهات العملياتية في المناطق الشمالية من فلسطين المحتلة والتحضير اللوجستي والتعاون بين القوات البرية للجيش. وفي هذا التمرين، تم تجنيد 5000 جندي احتياطي، أجبروا على المشاركة في هذا التمرين خلال دعوة الجيش الأخيرة. ووصفت وسائل إعلام صهيونية هذا التمرين بأنه غير متوقع ومفاجئ، ما يشير إلى أن تل أبيب تستعد لعمل على طول الحدود الشمالية. وفي نفس الوقت في الجبهة الشمالية؛ بدأت مناورة على طول الحدود مع غزة، وحسب شبكة كان الصهيونية، فإن هذه مناورة عسكرية كبيرة ومهمة للغاية. ويقال إن جميع الوحدات الأمنية العاملة في قطاع غزة ستشارك فيها.
وكانت وسائل الإعلام الصهيونية قد أعلنت الأسبوع الماضي عن إجراء مناورة جوية مشتركة بين هذا النظام وفرنسا. وأجرى الكيان الصهيوني، مؤخرًا، مناورة جوية مشتركة مع القوات الجوية الأمريكية. وفي سبتمبر الماضي، أجرى الجيش الصهيوني مناورة عسكرية لمحاكاة هجوم على أهداف جوية وبرية بالدبابات والمروحيات والطائرات المسيرة. وقبل أسابيع قليلة، جرت مناورة في الجولان المحتل بهدف تحسين قدرات القوات. ومن المهم الإشارة إلى أن مثل هذه التدريبات كانت تُجرى عادةً في سياق تصاعد التوترات الكلامية مع المقاومة اللبنانية، أو في حالات نادرة مع الحكومة السورية. لذلك، وبسبب إجراء هذه التدريبات المتزامنة مع الوضع المتوتر في الضفة الغربية، يبدو أن الصهاينة يحاولون بث السلام والأمن في المجتمع الصهيوني المنكوب بالخوف. كما ازدادت الخلافات السياسية بين قادة تل أبيب في الأسابيع الأخيرة، وهم يتجادلون فيما بينهم على أنه إذا استولى الخصم على السلطة، فسيتم تدمير هذا النظام، وهذا الأمر يثير قلق الرأي العام في إسرائيل.
ومن ناحية أخرى، فإن هذا التمرين يهدف إلى تخويف الفلسطينيين من رد فعل جميع القوات العسكرية. لكن هذه الأعمال الهجومية، والتي هي فقط نقل القوات من جبهة إلى أخرى، لن توقف المقاومة عن المسار الذي سلكته، لأن مقاومة الضفة الغربية وخاصة "عرين الأسود" حذرت من أن النار التي أشعلها الصهاينة في هذه المنطقة لن تنطفئ ولن تسمح المقاومة للعدو برؤية السلام. كما يتم تنفيذ عمليات مسلحة يومية ضد المستوطنين على نفس الأسس. وحقيقة أن النظام الصهيوني كان يجري تدريبات على جبهات مختلفة فقط في الأشهر الأخيرة، يشير إلى أنه يشعر بالتهديد من جميع الأطراف وينوي الاستعداد للصراع في جميع مناطق الأراضي المحتلة.
تقارير مقلقة عن عدم استعداد الجيش الصهيوني
من خلال إجراء العديد من التدريبات العسكرية، يظهر الجيش الصهيوني نفسه على ما يبدو لدرجة أنه مستعد تمامًا لخوض حرب مع الأعداء ويمكنه شن حرب على عدة جبهات في نفس الوقت. لكن وراء استعراض القوة هذا، هناك بالفعل قلق متزايد من التقارير السرية والمتسربة التي تعتقد أن جيش هذا النظام فقد استعداده للدخول في حرب واسعة النطاق، وأنه في حالة نشوب حرب، فإن الصهاينة لن يكونون قادرين على الدفاع عن الأراضي المحتلة. ونقلت إذاعة النظام الصهيوني، الأحد الماضي، عن جنرالات سابقين في جيش هذا النظام، أعلنوا أنه لم يعد هناك أي دافع حقيقي في القوة البشرية للجيش الإسرائيلي، وهذا يعتبر أكبر نقاط ضعفه، ووصفوا إجراء مثل هذه التدريبات بأنها غير فعالة لتوفر الأمن للإسرائيليين. وفي الأيام الأخيرة، كشفت التدريبات في الضفة الغربية عن هذه الحقيقة بشكل كامل، حيث لا يملك الجيش الصهيوني حتى القدرة على مواجهة مجموعة عرين الأسود، ناهيك عن حزب الله وقوات غزة. ولم يحقق الكيان الصهيوني أي نجاح في الحروب الماضية التي خاضها على جبهة واحدة فقط، وإذا هاجمت جميع أطراف المقاومة الأراضي المحتلة من عدة محاور فلن تنجح عملياً القوات الصهيونية بالتصدي لها.
الاستعداد ضد حزب الله
رغم أن كل الاهتمام في الأشهر الأخيرة كان على الضفة الغربية، التي قد تنفجر مثل قنبلة موقوتة، لا ينبغي إغفال أن الجبهة اللبنانية معرضة دائمًا للأزمة والصراع. والصهاينة دائما ما يعتبرون حزب الله اللبناني عدوهم في المنطقة ويراقبون دائما الحدود الشمالية أكثر من المناطق الأخرى. بطريقة ما، يمكن أن تكون التدريبات الحالية بمثابة تحذير لـ "حزب الله"، الذي كان يرسم خطوطًا وعلامات لتل أبيب حول ترسيم الحدود البحرية لهذا النظام مع لبنان في الأشهر الماضية.
كما زعمت صحيفة "معاريف" أن هذه التدريبات تجري في الوقت الذي نشرت فيه تقارير عن محاولة إيران تهريب أسلحة إلى حزب الله اللبناني بطائرات مدنية. ولطالما رفضت السلطات الإيرانية هذه المزاعم، لكن الصهاينة يحاولون تحريض المجتمع الدولي ضد إيران وعرقلة الطريق أمام أي هجوم من لبنان. هذا بينما لبنان بحاجة إلى مساعدات إنسانية ووقود أكثر مما يحتاج إلى أسلحة في الوضع الراهن. وحسب حقيقة أن الصهاينة استهدفوا الشهر الماضي ناقلات وقود من إيران إلى لبنان على حدود العراق بطائرة مسيرة، فإن قادة تل أبيب يخشون أن يقوم حزب الله بتحركات في الحدود الشمالية للانتقام من هذا الهجوم، وبالتالي فهم يحاولون تحسين مستوى جاهزية قواتهم.
ومع وضوح نتيجة انتخابات الكنيست وانتصار الفصيل الديني الراديكالي بقيادة نتنياهو، انتقد "جيه" مرارا الاتفاقية البحرية مع لبنان، ومرة أخرى ازداد التوتر الكلامي بين الكيان الصهيوني وحزب الله حول حقل غاز كاريش، وعلى الرغم من الاتفاقات لم يتم التوقيع على وثيقة في هذا المجال، فهناك قلق بين قادة تل أبيب من احتمال رد فعل حزب الله على عدم تنفيذ الاتفاقات وهم يحاولون الاستعداد لأي سيناريو. وقد اعترف مسؤولون أمنيون إسرائيليون مرارًا وتكرارًا بذلك في حالة اندلاع حرب شاملة مع لبنان؛ فإن حزب الله سيطلق 2000 صاروخ على الاراضي المحتلة كل يوم وهذه مسألة ردع قوية لعدم مواجهة هذه الحركة.
تسليم وزارة الحرب إلى اليمين المتطرف
هناك موضوع آخر يمكن ذكره حول التمرين الشمالي، وقد يكون على مستوى التخمين، وهو أن هناك احتمال أن القادة الحاليين للنظام الصهيوني، الذين من المفترض أن يسلموا السلطة قريبًا إلى بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء هذا النظام، وأحزاب اليمين المتطرف، من أجل وضع الحكومة المتطرفة في مأزق، وسيضطرون إلى شن حرب على نفس الجبهة مع قوى المقاومة، حتى يتسنى منذ البداية لنتنياهو وأصدقائه أن يركزوا على جبهة الحرب بدلاً من الشؤون السياسية. لأنه مع عدم القدرة على القتال، يمكن للخصوم المعتدلين أن يجدوا لهم عذرا ويدفعوا الحكومة إلى الانهيار. وحسب ما أوردته وسائل إعلام صهيونية، فإن الجيش مستعد لعمل عسكري محتمل على الحدود الشمالية، وهذا السيناريو ليس بعيد المنال.
بشكل عام يمكن القول إن التدريبات الاخيرة هي مثل لعبة طفل، والتي لن تخلق أي خوف بين قوى المحور، ولكنها ستجعل المقاومة أكثر تصميماً على ضرب العدو. والهزائم المتتالية للنظام الصهيوني على يد فصائل المقاومة في غزة، والتي لا يمكن مقارنتها بالعدو من حيث السلاح، وثيقة حية تظهر أن الصهاينة لن ينتصروا في أي حرب. وفي الوقت الذي تم فيه فتح سبع جبهات منفصلة للصراع أمام تل أبيب، فإنه في حالة نشوب حرب، يمكن لكل واحدة منها أن تكون بمثابة بوابة للجحيم للعدو الصهيوني.