الوقت - مع تحديث مجتمعات اليوم وتقدم التكنولوجيا ، یعتبر الحفاظ على التراث التاريخي والحضاري كأصول ثقافية للبلدان ومنع تآكل وانحلال الهوية المحلية وتقاليد الأجداد بتأثير الحداثة، من اهتمامات الحکومة الأساسية في مجال الثقافة، وخاصة بالنسبة للدول التي لها حضارات قديمة.
في غضون ذلك ، إلى جانب تعاون الحكومات مع المنظمات الدولية للحفاظ على الثقافات الأصلية والمحلية وحمايتها باعتبارها تراثًا إنسانيًا مشتركًا ، تتعاون الحكومات أيضًا مع بعضها البعض من خلال التعاون الثقافي، والذي هو أيضاً أداة دبلوماسية لتعزيز العلاقات العامة مع الدول الأخرى.
في هذا الصدد ، اجتمعت الدول ذات الحضارات القديمة في بغداد ، عاصمة العراق ، لإيجاد طرق لتعزيز التعاون الثقافي وبالتالي توسيع العلاقات بين الشعوب والتقارب بين دول المنطقة.
أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ، اليوم الأحد ، في افتتاح منتدى الحضارات العريقة الذي عقد بحضور وزراء الثقافة والتراث القديم للدول الأعضاء ، أن الأزمات واختلاف المصالح تسببت في أزمات كبرى في العالم. والحوار الثقافي يمكن أن يساعد في تعزيز التفاهم.
وقال إن الإرهاب لعب دوراً بارزاً في تدمير العديد من الأعمال الحضارية ، لكنه لم يستطع تغيير التاريخ ، وأضاف إن العراق تبنى منظور الشراكة في العلاقات الدولية ، ويدعو إلى التعاون المشترك بين جميع الأطراف في مختلف القضايا ، بما في ذلك التغيرات البيئية.
كما قال فؤاد حسين إن العراق شهد عمليات سرقة ونهب مخططة لآثاره في فترات مختلفة ، لكنه بدأ جهودا دبلوماسية مكثفة لاستعادتها ومنع تدمير الآثار ، ما أدى إلى استعادة 18 ألف قطعة أثرية مهربة حتى الآن.
اهداف لقاء بغداد
ويشارك العراق واليونان والصين ومصر وإيران والمكسيك وإيطاليا وبوليفيا وبيرو وأرمينيا في اجتماع بغداد ، وهو الاجتماع السادس لمنتدى الحضارات العريقة وحسب المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف ، فإن الهدف من مؤتمر بغداد هو تعزيز التواصل وتبادل الخبرات بين مختلف الشعوب والثقافات ، والحفاظ على التراث العالمي ، والتشجيع على السياحة التاريخية والثقافية، نظرا لأهميتها في التنمية الاقتصادية المستدامة ، والتي ستساعد في تنمية الدخل القومي للدول الأعضاء في هذا المنتدى.
في لقاء مع ممثلي الدول الحاضرة في اجتماع بغداد ، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ، إن المبادئ والأهداف التي عقد من أجلها هذا الاجتماع يمكن أن تستخدم كرسالة ضد الفكر المتطرف والعنصرية وخطاب الكراهية والعنف، وأن يكون لهذا الطرح مكاناً رائداً في نشر خطاب الوحدة بين الأمم ، فالإنسان هو الهدف الأسمى في جميع البلدان.
وأكد السوداني أن هذا اللقاء يمثل فرصة لهذه الدول لتعزيز علاقاتها السياسية والثقافية والاقتصادية والتعاون على تبني مواقف للحفاظ على التراث الثقافي والحضاري للدول ودعم الثقافات والحضارات واستعادة الأعمال المنهوبة وتبادل الخبرات و الحفاظ على الفن القديم. كما دعا السوداني إلى مساعدة العراق في توثيق التراث الثقافي من خلال إعادة إعمار الآثار القديمة وتطوير الكوادر العراقية في هذا المجال.
تأسس منتدى الحضارات العريقة لأول مرة في اليونان في عام 2017 بمشاركة وزراء خارجية عشر دول لاستغلال التراث البشري القديم لمحاربة التطرف والإرهاب.
واستناداً إلى البيانات التي صدرت في القمم السابقة ، يحاول هذا التجمع استغلال دور الثقافة القديمة والغنية لهذه الدول في نشر السلام بين الشعوب.
تضم الدول الأعضاء في هذا المنتدى 40٪ من سكان العالم وهي مهمة لكونها تضم الحضارات العشر الأولى في العالم التي خلّدت أسماؤها في التاريخ، وبفضل هذا التراث القديم والثقافي سيمكنها الدفاع عن مواردها الثمينة بكل قوتها. حيث كلما تعاونت الحضارات القديمة مع بعضها البعض ، سيتم تعزيز التفاعلات الثقافية بينها ، ويمكن أن تمتد هذه العلاقات إلى مجالات أخرى أيضًا.
مقترحات إيران
قال عزت الله ضرغامي ، وزير التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية ، والذي يحضر كممثل لإيران في الاجتماع السادس لوزراء مجلس الحضارات القديمة الذي يستضيفه العراق ، إن الخطة الشاملة تتطلب التعاون والتضامن والجهود الثقافية والدبلوماسية من قبل الحكومة العراقية والدول الأعضاء. وقدم ضرغامي اقتراحات حول التعامل مع تهريب الممتلكات الثقافية وإعادة الأعمال التاريخية المنهوبة.
وفي معرض إعلانه عن دعم إيران لمشروع بغداد ، اعتبر ضرغامي أن إحدى المهام المهمة لجمعية الحضارات القديمة هي مواجهة التفرد والتفوق والعنصرية الحديثة والإجراءات الأحادية الجانب لبعض الحكومات. وأضاف وزير التراث الثقافي الإيراني ، إن من واجب الحكومات الأعضاء في هذا المنتدى التعامل مع الدول التي تعرض الدول الأخرى للخطر باستخدام أدوات الإرهاب الاقتصادي والعقوبات ، والوقوف بشكل موحد ضد هذه الأعمال.
كما أعلن ضرغامي استعداد الجمهورية الإسلامية لرئاسة مجمع الحضارات القديمة عام 2023 وعقد اجتماع لوزراء هذا المجلس في طهران. وفي هذا الاجتماع ، شكر وزير الخارجية العراقي وزير التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية الإيراني على دعمه لبيان بغداد ، ووصف المبادرات التي اقترحها وزير التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية لبلدنا بأنها مهمة للغاية.
ومن خلال ترحيبه بتنفيذها ، أعرب عن أمله في اتخاذ خطوات أكثر فاعلية في تعاون الدول الأعضاء بما يتماشى مع أهداف جمعية الحضارات القديمة.
يعتبر العراق من الحضارات القديمة في العالم (الحضارة البابلية) ووفقاً للوثائق التاريخية تشكلت الحضارات الأولى في بلاد ما بين النهرين ، وهي العراق الحالي ، وبالتالي كان هناك العديد من الأعمال الإنسانية في هذا البلد ، ولكن مع مرور الوقت ، وخاصة في السنوات الأخيرة ، فقدت جزءًا من أعمالها القديمة.
إرهابيو داعش الذين انتشروا في هذا البلد لبعض الوقت وبسبب فهمهم الخاطئ للأعمال الثقافية ، قاموا بتدمير العديد من الأعمال الثقافية.
قبل بضع سنوات ، نُشرت مقاطع فيديو تظهر التكفيريين في أيديهم المطارق وهم يدمرون الأعمال الأثرية لمتحف الموصل ، والتي يعود تاريخها إلى آلاف السنين. كما أن بعض الأماكن القديمة التي كانت رموزًا لحضارات ماضية دمرتها المتفجرات من قبل التكفيريين ، وكانت هذه كنوزًا تم الحفاظ عليها وحمايتها حتى ذلك الوقت ، ولعبت دورًا مهمًا في توفير المعلومات والتعريف بثقافة الماضي.
يبدو أن التطورات في العراق في السنوات الأخيرة ، التي احتلها إرهابيو داعش ، لعبت دورًا مهمًا في تجمع الحضارات القديمة. لأن هذه الأحداث المؤسفة قد تتكرر مع حضارات إنسانية أخرى ، ولهذا السبب هناك حاجة لمزيد من التعاون بين هذه الدول حتى تتمكن من التعامل مع مثل هذه الأعمال.
وحسب تصريحات السلطات العراقية عن وجود آلاف القطع الأثرية لهذا البلد في الولايات المتحدة بينما تستمر الجهود لإعادتها إلى البر الرئيسي ، وهذا يدل على أن الأمريكيين كانوا لا يقلون عن داعش في مهاجمة التاريخ و حضارة العراق ، وأثناء احتلالهم ، كانوا مشغولين بنهب الآثار تحت مسمى ضمان الامن المزعوم لشعب العراق.
كانت العديد من الدول المتحضرة في القرون الماضية مستعمرات أو تحت حماية الدول الغربية ، وخلال ذلك العصر الطويل من الاستعمار ، نهب الغربيون العديد من الأعمال التاريخية لهذه البلدان ونقلوها إلى متاحفهم في لندن وباريس ونيويورك. وهي دول لم تتمتع بأي حضارة ولم تمر حتى بضعة قرون على إنشائها ، لكنها الآن تستضيف كنوزًا ثمينة من تراث الحضارات القديمة وتكسب مليارات الدولارات سنويًا من خلال السياح الأجانب الذين يذهبون إلى المتاحف الغربية لزيارة هذا التراث.
إيران نفسها أصبحت واحدة من أكبر ضحايا هذا النهب الغربي ، حيث سرق البريطانيون والفرنسيون في القرون الماضية جزءًا كبيرًا من التراث الثقافي للبلاد. ولبيان أهمية هذه الأعمال التاريخية القديمة، يكفي القول إن الغربيين الذين لم يستفيدوا من وجود مثل هذه الأعمال في تاريخهم الماضي ، قاموا بتزيين متاحفهم برموز من حضارات دول أخرى لإظهار أنهم حماة الحضارات البشرية.
على الرغم من مرور آلاف السنين على الحضارات الماضية ، لا تزال أجزاء من هذا التراث القديم مدفونة وغير مكتشفة حتى الآن تحت الأرض. وفي كل عام ، يكتشف علماء الآثار في مناطق مختلفة العديد من بقايا هذه الأعمال القديمة بقدم تاريخ البشرية.
