الوقت - على الرغم من أن الأنشطة النووية والأسلحة غير المشروعة للکيان الصهيوني لا تخفى عن أحد، وحتى جوليان بورغر، الخبير النووي في صحيفة الغارديان البريطانية، سلط الضوء على حقيقة الترسانة النووية الإسرائيلية السرية في 15 يناير 2014؛ وذكر أن حلقة التجسس التابعة لإدارة التعاون العلمي في هذا الکيان(لاکام) كانت مسؤولةً عن شراء المواد النووية والتقنيات من الدرجة الأولى، ووصلت إلی أكثر المنشآت الصناعية حساسيةً في العالم، لکن تل أبيب رفضت بعناد دائماً الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ولم توقع على اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية ولم يوافق الكنيست الصهيوني على "اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية".
لكن صحيفة جيروزاليم بوست الصهيونية كتبت يوم الاثنين في تقرير من نيويورك: "أكدت اللجنة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة، أنه يتعين على إسرائيل تسليم مواقعها النووية إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا يعني أن جهود البلدان المحبة للسلام في العالم قد آتت ثمارها أخيرًا، وهذه المرة طالبت الأمم المتحدة، التي شددت على أن تل أبيب يجب أن تنضم إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية(NPT)، بوضع الأنشطة النووية للکيان تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية."
لقد حاول الکيان الصهيوني دائمًا الهروب من هذا الملف بدعم خارجي، والاختباء وراء توجيه التهم إلی إيران. هذا بينما تصر الدول المحبة للسلام في العالم، بما في ذلك إيران، منذ سنوات على أن توقف الأمم المتحدة سلوكها الحمائي والتمييزي النووي تجاه هذا الکيان.
لكن هذه المنظمة الدولية، بدعم من بعض القوى الغربية، تجنبت بطريقة ما الاستجابة لهذا الطلب القانوني، إلی أن تمكنت اللجنة الأولى للجمعية العامة لهذه المنظمة يوم الجمعة الماضي، من الإعلان في تصويت مبدئي بأغلبية 152 صوتًا مقابل 5 أصوات، أن "إسرائيل يجب أن تتخلى عن أسلحتها النووية".
لطالما وجهت تل أبيب اتهاماتها لطهران في حين أن سجل إيران في التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الغربية، يظهر بوضوح أن طهران حاولت باستمرار تهدئة كل المخاوف المتعلقة ببرنامجها النووي السلمي. ومع ذلك، فإن جميع جهود إيران للتوضيح وخلق الثقة قد رفضت مرارًا وتكرارًا من قبل الولايات المتحدة وتحت الضغط الإسرائيلي.
على أي حال، قدمت صحيفة "إسرائيل هيوم" الصهيونية أثناء حديثها عن هذا الخبر، كندا وإسرائيل وميكرونيسيا وبالاو وأمريكا من بين الدول التي عارضت قرار الجمعة بشأن "خطر انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط".
وحسب التقارير، فإن هذا القرار، الذي يصدر سنويًا لمنع انتشار الأسلحة النووية، سبق أن عرضته مصر على الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وبدعم من السلطة الفلسطينية و19 دولة، بما في ذلك البحرين والأردن والمغرب والإمارات العربية المتحدة.
ويشير هذا القرار إلى أن الکيان الصهيوني هو الآلية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأحد الأعضاء القلائل في الأمم المتحدة من بين 193 دولة لم توقع على معاهدة انتشار الأسلحة النووية.
وفي وقت سابق، طالبت بعض الدول، ومن بينها الكويت، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه انضمام الکيان الصهيوني إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، من أجل إخلاء منطقة الشرق الأوسط من هذا النوع من الأسلحة.
وطالب "طلال الفصام" سفير الكويت لدى النمسا ومندوب هذا البلد الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، في كلمته في الاجتماع السنوي السادس والستين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية والقاتلة، وتشجيع تل أبيب على الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
واعتبر المندوب الدائم للكويت في المنظمات الدولية، أنه من الضروري مراجعة القدرات النووية لهذا الکيان في مؤسسات صنع القرار بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، خلال مناقشة بند "القدرات النووية لإسرائيل".
تم إعداد معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لتوقيع الدول في 1 يوليو 1968، وفي هذا التاريخ وقعت عليها الولايات المتحدة وبريطانيا و 59 دولة أخرى. حاليًا، هناك 186 دولة في العالم، بما في ذلك إيران، أعضاء في هذه المعاهدة. والکيان الصهيوني وكوبا والهند وباكستان ليست أعضاءً في هذه المعاهدة. كما انسحبت كوريا الشمالية أيضًا من هذه المعاهدة قبل بضع سنوات.
تقع مسؤولية مراقبة تنفيذ معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وبروتوكولها الإضافي على عاتق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تعتبر إحدى الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، والتي بدأت عملها عام 1957 بهدف تسهيل الاستخدامات السلمية للطاقة النووية ومنع استخدام مساعدات هذه الوكالة للأغراض العسكرية، ومقرها في فيينا.
كما ذكرنا، على عكس الکيان الصهيوني، فإن إيران من الدول الموقعة على هذه المعاهدة، في حين أن هذا الکيان قد كرر تهديداته بالحرب ضد إيران لعقود، رغم أنه يعلم أن مثل هذه المغامرة العسكرية يمكن أن تشعل فتيل حرب إقليمية كارثية.
وقد أدى تكرار هذه المزاعم بدعم من الولايات المتحدة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية وقتل العلماء الإيرانيين، إلى زيادة قلق الإسرائيليين وحتى شعوب المنطقة، وحتى في الأراضي المحتلة يرفع العقلاء صوتهم علنياً احتجاجاً على مثل هذه التصريحات التي تنطوي على عمل عدواني.
لسنوات، ظل القادة الأمريكيون والإسرائيليون يكررون معًا أن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة بالنسبة لإيران"، لإخفاء القضية الحقيقية المتمثلة في الأنشطة النووية غير القانونية للکيان الإسرائيلي، ومن خلال حرف الرأي العام للمنطقة والعالم، يتجاهلون خيار إيجاد حل دبلوماسي وواقعي في إطار مشروع "منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط" بتعاون ومساعدة الأمم المتحدة، لأن هذا الحل يشمل حظر إنتاج ونشر الأسلحة النووية في المنطقة، وكذلك فتح أبواب جميع المنشآت النووية القائمة، بما في ذلك في الکيان الإسرائيلي، أمام المفتشين الدوليين.
كما تعمل الحكومة الأمريكية على تكثيف العقوبات القاسية ضد الشعب الإيراني، لتجاهل المخاطر النووية الإسرائيلية، ونسيان القضية السياسية الرئيسية في المنطقة، وهي احتلال فلسطين وحقوق شعبها والتسوية السلمية لها.
في الواقع، أثبتت دول مثل مصر والأردن والبحرين والإمارات والكويت، التي وافقت على هذا القرار مسبقًا وفي يوم الجمعة الماضي، أنها أكثر قلقاً بشأن تعزيز القوة النووية للکيان الإسرائيلي، لأنها تعلم جيدًا أن الاحتكار الأحادي الجانب للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط، ليس خيارًا ممكنًا.
تريد هذه الدول القول في المقام الأول إن مثل هذه الأسلحة يجب ألا تکون في المنطقة، أو لا تکون في حيازة طرف واحد فقط، ووجود مخزون ضخم من الأسلحة النووية في الکيان الإسرائيلي ليس فقط لا يمنع الآخرين من إنتاج وتطوير مثل هذه الأسلحة، بل يصبح في الواقع حافزًا لهم لمحاولة الحصول على هذه الأسلحة وغيرها من الأسلحة غير التقليدية.
لذلك، فإن المعارضة العالمية لحرب إسرائيلية مجنونة(بمساعدة أمريكية أو بدونها) في المنطقة، يجب أن تكون مصحوبةً بزيادة الضغط على الکيان الإسرائيلي لجعله يوقع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وفتح أبواب منشآته النووية أمام المفتشين الدوليين، والانضمام إلى مشروع "الشرق الأوسط الخالي من الأسلحة النووية".
وهذا يعني أن رفض الکيان الإسرائيلي السير نحو السلام، وتهديداته المستمرة بالحرب والعدوان الإقليمي، وتجاهل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وعدم قبولها، وتجاهله وعدم احترامه للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، والتوسيع المستمر والمتواصل للمستوطنات اليهودية وتكثيف وتيرة الاحتلال وتوسعه، كل هذا لم يكن ليتحقق لولا اعتماد هذا الکيان على احتكاره النووي من جهة ودعم أمريكا السياسي له من جهة أخرى. لذلك، فإن عدم اكتراث الکيان الإسرائيلي بحل القضية النووية، يعزز موقفه في تجاهل حل القضية السياسية.
في الواقع، من أجل تحقيق سلام دائم في المنطقة، من الضروري عكس معادلة التسلح في المنطقة من خلال تسليح الکيان الإسرائيلي. فليس الأمر حيث أن إحلال السلام الشامل في المنطقة شرط أساسي لنزع السلاح النووي، بل على العكس، يجب أن يكون نزع السلاح النووي والوقف الكامل لجميع خطط إنتاج وتطوير الأسلحة النووية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك من قبل الکيان الإسرائيلي، شرطاً مسبقاً لتحقيق سلام دائم في المنطقة.
يعلم الجميع أن إعطاء الکيان الإسرائيلي صكا على البياض لارتكاب أي جريمة، وحصانته من المساءلة والعقاب سوف يقود المنطقة بسرعة إلى الحرب. لذا، فإن الوقاية من هذه المخاطر تتطلب اتخاذ إجراءات.
والسبيل الوحيد لمنع حرب كارثية وتحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط، هو نزع سلاح الکيان الإسرائيلي النووي ووضع منشآته النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويتماشى هذا الحل مع الهدف طويل المدى لبلدان المنطقة، بدعم رمزي على الأقل من مجلس الأمن، لإنشاء شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية.
بعد قرار الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، يبدو أن الأوان قد حان لإثبات أن استراتيجية تعزيز القوة النووية الإسرائيلية ليست هي الحل للمشكلة النووية في الشرق الأوسط، بل هي جوهر هذه المشكلة النووية، ولا تدل علی الطريق للخروج من سباق التسلح النووي، بل هي نفسها ستكون سبباً لسباق التسلح النووي في المنطقة.