الوقت - لم يتبق سوى ستة أشهر لإجراء الانتخابات الرئاسية في تركيا، وقد كثف رئيس هذا البلد، رجب طيب أردوغان، جهوده للاحتفاظ بالسلطة.
من تطبيع العلاقات مع سوريا والکيان الصهيوني والتوسط في أزمة أوكرانيا إلى محاولة تغيير الدستور، كلها أدوات استخدمها أردوغان للبقاء في السلطة. في غضون ذلك، كشف أردوغان عن حزمته الجديدة في الأيام الأخيرة، والتي من المفترض أن تحدث تغييرات في دستور البلاد.
وفي إشارة إلى إعداد الحزمة الدستورية الجديدة في الحكومة لتقديمها إلى البرلمان، قال الرئيس التركي إن هذه الخطة ستعزز استقرار البلاد وتزيد من رفاهية الشعب.
وحسب أردوغان، فإن صياغة دستور يتوافق تمامًا مع الإرادة الوطنية، هو أحد أهداف رؤية "قرن تركيا"، و"نحن عازمون على صياغة هذا الدستور الجديد بالشكل الذي يليق بالعهد الجديد لتركيا، ومن ثم تنفيذه بموافقة البرلمان وموافقة شعبنا".
وحسب الحزمة الدستورية الجديدة، تخطط الحكومة التركية لتعديل المادة 24 التي تؤكد على حرية الدين، وبناءً على ذلك، ستتم إضافة "لا ينبغي التمييز ضد أي شخص في التعليم والعمل بسبب ثيابه".
كما تنص المادة 41 من الدستور على أن الأسرة هي أساس المجتمع التركي، وأنها تقوم على المساواة بين الزوجين. في هذه المادة، تريد الحكومة تغيير مصطلح الزوجين لغموضه، وتغييره إلى الرجل والمرأة. والاقتراح الآخر لتغيير هذه المادة، هو إضافة شرح للذكر والأنثى أمام كلمة الأسرة.
وكان أردوغان قد قال سابقًا عن هذا التغيير المهم، إنه مع هذه التغييرات سيتم الحفاظ على جميع حقوق المرأة، و"سنقوم أيضًا بحماية مؤسسة الأسرة في بلدنا من تهديد الاتجاهات المنحرفة". وقال أردوغان إنه إذا لم يتم حل هذه القضية في البرلمان، فسوف يترك الأمر للناس للبتّ فيها.
يقول المعارضون إنه على الرغم من أن الحكومة تريد ترسيخ حقوق المحجبات وغير المحجبات في الدستور، إلا أنها في الوقت نفسه تريد انتهاك حقوق الجماعات "الكويرية" من خلال تغيير المادة 41.
وفقًا للتقارير، احتدم الجدل حول ارتداء الحجاب في تركيا عشية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لعام 2023. وعلى الرغم من أن غالبية سكان تركيا مسلمون، فإن فصل الدين عن السياسة مدرج في دستور البلاد.
لم يُسمح للنساء في تركيا بارتداء الحجاب في المكاتب الحكومية لفترة طويلة، لكن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان رفع الحظر في عام 2013، والآن يخطط للقضاء على أي تمييز في هذا الشأن حتى يتم إقرار المساواة القانونية بين المحجبات وغير المحجبات.
من أجل تغيير الدستور، يجب أن يصوت ما لا يقل عن 50٪ من الشعب لصالحه. أيضًا، يجب أن يوافق 330 عضوًا من أصل 600 عضو في البرلمان على تغيير الدستور، وإذا أبدى المشرعون الأتراك رأيًا إيجابيًا، فسيتم تمهيد الطريق لإجراء استفتاء.
وإذا تم إجراء الاستفتاء على الدستور، فسيكون هذا هو التغيير الدستوري الرابع والعشرون في تاريخ جمهورية تركيا منذ 100 عام، ما يعني أن هذا البلد قد شهد تغييرًا قانونيًا كل أربع سنوات في المتوسط.
من خلال إجراء استفتاء على قضية الحجاب، يريد أردوغان أن يظهر لأهل بلاده، خلافًا لحجج المعارضين الذين يتهمونه بالديكتاتورية، أن حكومته هي أكثر الحكومات ديمقراطيةً والتي تستند في عملها على آراء الشعب في جميع شؤون الدولة.
بمعنى آخر، يحاول أردوغان التظاهر بأن جميع القوانين مبنية على رأي وتصويت الشعب، وأن الحكومة هي المنفذ فقط، وأن كل ما يدور في المجتمع مبني على الإرادة الوطنية.
تاريخ تغيير الدستور من قبل أردوغان
تغيير نصوص الدستور خلال رئاسة أردوغان أمر مسبوق، وقد أجرى في السابق تغييرات واسعة بهدف ترسيخ قواعد سلطته. فأردوغان، الذي أراد دائمًا البقاء في السلطة، لم يرضه منصب رئاسة الوزراء لـ 11 عامًا، لذلك اتخذ طريقًا آخر لزيادة سلطته.
في عام 2013، استغل أردوغان حضور غالبية نواب حزب العدالة والتنمية في البرلمان، وتمكن من تغيير نصوص الدستور وتغيير النظام السياسي لهذا البلد من برلماني إلى رئاسي.
في ذلك الوقت، وافق النواب على هذه الخطة بأغلبية 339 صوتًا، وسجل أردوغان اسمه كأول رئيس لتركيا بفوزه في انتخابات 2014 الرئاسية.
بعد ثلاث سنوات من الموافقة عليها في البرلمان، طُرحت خطة تغيير الدستور للاستفتاء في أبريل/نيسان 2017، وأجاب أكثر من 50٪ من الشعب بنعم.
وعلى الرغم من أن هذه الخطة كانت تهدف في الأصل إلى تغيير النظام السياسي لهذا البلد، إلا أن الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 ضد حكومة أردوغان دفعه إلى تغيير العديد من بنود الدستور. وهي بنود کان هدفها زيادة صلاحيات الرئيس وإعطائه سلطة التدخل في كثير من شؤون الحكومة.
من خلال تغيير الدستور، أصبح أردوغان زعيم الساحة السياسية في تركيا واستولى عمليًا على كل السلطة في يديه، وهي خطوة وصفها المعارضون بأنها محاولة لتثبيت ديكتاتورية أردوغان.
ووفقًا لدستور عام 2017، تم تمهيد الطريق لولاية أردوغان الرئاسية الثالثة أيضًا، وإذا فاز في انتخابات مايو 2023، فسوف يتولى الرئاسة للمرة الثالثة.
ومع ذلك، فإن تغيير بنود الدستور حول الحجاب ليس له غرض سوى كسب الرأي العام عشية الانتخابات، ومن خلال زيادة حرية النساء المحجبات وإزالة التمييز في بيئة العمل والتعليم بالنسبة لهن، يحاول أردوغان اجتذاب أصوات جزء من المجتمع النسائي لصالحه.
إن تغيير القانون للقضاء على التمييز ضد المرأة المحجبة عشية الانتخابات، هو استمرار لنفس السيناريو الذي تم تنفيذه عام 2013 قبل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، حيث تمكن أردوغان من الفوز بأغلبية الأصوات.
في الأشهر الأخيرة، أظهر أردوغان أنه سيفعل أي شيء للبقاء في السلطة، ومستعد للتعبير عن أسفه لسياساته السابقة والجلوس مع أعدائه على طاولة المفاوضات. لذلك، في الأشهر التي تسبق الانتخابات، قد نرى تحركات أخرى مماثلة للفوز بأصوات الشعب الترکي.
لأن شعبية أردوغان آخذة في التراجع منذ العام الماضي بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخم، ولهذا السبب فهو يحاول استقطاب كل شرائح المجتمع تجاهه بمبادرات جديدة في الأشهر المتبقية، وإسكات صوت المعارضة الذي يتصاعد كل يوم.
كان من المفترض إجراء الانتخابات الرئاسية في تركيا في عام 2024، ولكن لأنه وفقًا للتعديلات الدستورية لعام 2017، يجب إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في وقت واحد كل 5 سنوات، ستُجرى الانتخابات الرئاسية قبل عام واحد من الموعد المقرر.
إن لجوء أردوغان إلى كل الوسائل الممكنة للحصول على المزيد من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، رغم أنه يُعتبر نقطةً إيجابيةً بالنسبة له، لكن المعارضين الذين يتربصون به سيستغلون عجزه عن كبح التضخم والفشل في مجال السياسة الخارجية کأداة ضده، لثني الرأي العام عن التصويت للرئيس الترکي مرةً أخرى، وربما لن يُكتب التاريخ هذه المرة بالطريقة التي يريدها أردوغان، وستكون الانتخابات المقبلة هي نهاية حياته السياسية التي استمرت عقدين من الزمن.