الوقت - تسعى حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى تبديد ما تسميه أوساط إعلامية في فرنسا، بـ”سوء الفهم” بين الرباط وباريس، على خلفية موقف هذه الأخيرة من قضية الصحراء الغربية وكذا أزمة التأشيرات التي اندلعت مؤخرا بين البلدين.
وفي هذا الإطار، أوفدت حكومة باريس، وزيرها المكلف بالتجارة الخارجية، أوليفييه بيخت، إلى المغرب، من أجل إجراء لقاءات مع مسؤولين مغاربة وفعاليات اقتصادية، في إطار مساعي لتذويب الخلاف القائم منذ عدة أشهر.
وعبر الوزير الفرنسي، بشكل صريح خلال لقاء تواصلي مع ممثلين عن الجالية الفرنسية بالمغرب، عن رغبة بلاده “تجاوز التوترات” مع المغرب، معتبرا أنه “يجب أن نكتب صفحة جديدة”
وتهدف الحكومة الفرنسية، من خلال إيفاد وزيرها المكلف بالتجارة الخارجية للمغرب، إلى تعزيز “الشراكة الثنائية طويلة الأمد بين المغرب وفرنسا في مجالي النقل والطيران”، وهو ما يحيل مباشرة إلى رغبة باريس في الحفاظ على مكتسباتها الحالية في المملكة والفوز بصفقات المشاريع المستقبلية، على رأسها مشروع الخطوط السككية.
يأتي هذا، في وقت باتت فيه نوايا المغرب، في تنويع شركائه الاقتصاديين والتخلص من الهيمنة الفرنسية، جلية على كل المستويات، وهو ما يشكل مصدر قلق داخل الأوساط السياسية ودوائر القرار في باريس.
من جانبها، تسعى الرباط، إلى انتزاع موقف إيجابي من باريس، بشأن قضية الصحراء الغربية، ودفعها إلى دعم مخطط الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية للمملكة، على غرار ما قامت به كل من ألمانيا وإسبانيا، وقبلهما الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي سياق متصل، عين العاهل المغربي الملك محمد السادس في المجلس الوزاري، مساء الثلاثاء، سفير الرباط في باريس، محمد بنشعبون، مديرا عاما لـ”صندوق محمد السادس للاستثمار”. وبهذا يكون قد سحب السفير المغربي من فرنسا، ما يؤكد أن الأزمة بين البلدين التي اندلعت منذ أكثر من سنة قد دخلت منعطفا شائكا للغاية.
وكان بنشعبون يشغل منصب وزير المالية، قبل أن يتم تعيينه في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي سفيرا للمغرب في فرنسا على أمل تنشيط العلاقات الثنائية وخاصة الاستثمارات، غير أن الأزمة التي اندلعت بين البلدين حالت دون قيامه بالدور المناط به.
وكانت فرنسا قد سحبت، الشهر الماضي، سفيرتها في الرباط، وقامت بتعيينها في منصب دبلوماسي في الدائرة الخارجية للاتحاد الأوروبي، ويستمر منصب السفير الفرنسي في المغرب شاغرا.
وبالعادة، تقوم فرنسا بمجرد إنهاء مهام سفيرها بتعيين سفير جديد مباشرة بحكم أن الرباط تعد ضمن العواصم الخمس أو الست المهمة بالنسبة لها. وذهبت كل التحاليل إلى اعتبار طريقة تعيين السفيرة في منصب أوروبي شكلا من أشكال “سحب السفير” من المغرب ولكن بطريقة غير علنية، أي بمثابة استدعاء السفيرة للتشاور، وهو شكل من أشكال الاحتجاج الدبلوماسي.
ويأتي الرد المغربي هذا الثلاثاء بالطريقة نفسها، إذ تم تعيين السفير المغربي في منصب جديد، بمعنى أن الرباط قد سحبت السفير. وبهذا يكون محمد بنشعبون السفير المغربي الذي قضى أقل مدة زمنية في سفارة الرباط في باريس منذ عقود، في سابقة دبلوماسية.
وعموما، يعد قرار الملك محمد السادس تعيين بنشعبون في منصب مدير الاستثمار بمثابة الاعتراف المؤسساتي بوجود أزمة شائكة بين المغرب وفرنسا.
وفي هذا الصدد، ربط عدة متابعين، بين تعيين الملك محمد السادس للسفير المغربي بفرنسا محمد بنشعبون الذي بالكاد لم يكمل عامه الأول بباريس، مديراً لصندوق محمد السادس للاستثمار ، والأزمة الصامتة التي يعيشها البلدان.
مصطفى طوسة، المحلل السياسي المقيم بباريس، قال إن الازمة الصامتة بين المغرب و فرنسا ، بدأت تثير حفيظة بعض الاوساط المغربية والفرنسية لذلك مؤخرا ارتفعت اصوات من المجتمع المدني و المشهد الحزبي السياسي الفرنسي لطرح الإشكالية على الرئيس ايمانويل ماكرون ، و دفعه ليجد حلولا لهذه الازمة.
وأشار إلى أن الازمة تجسدت بقوة في إشكالية منح التأشيرات للمغاربة ، مضيفا إن هناك جهودا حاليا يتم بذلها لمحاولة إقناع الدولة الفرنسية بأنها ستخسر الكثير إذا تركت الازمة في هذا المستنقع ووجود تحديات كبيرة تواجه التواجد الفرنسي على المستوى الثقافي الاقتصادي في المغرب و ايضا شمال افريقيا.
طوسة ، أوضح أن الكل يتوقع ان يتم حل هذه القضايا خلال الزيارة التي سيقوم بها الرئيس ماكرون إلى المغرب والتي يعد لها حاليا.
وأكد المتحدث ذاته، أنه لا أحد يعرف متى ستكون الزيارة ، رغم أن ماكرون صرح سابقا أنه سيزور المغرب أواخر اكتوبر ، إلا أن الزيارة يمكن أن تؤجل إلى تاريخ آخر يقول طوسة.
في الواقع، إن مسار العلاقات المغربية الفرنسية لم يكن دائما يسير في اتجاه إيجابي مطرد، بل الثابت في مسار هذه العلاقات هو التحور والتذبذب والانتقال من وضع جيد إلى وضع متوتر أو على الأقل غامض أو بارد، ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه التحولات في مسار العلاقات، لم يسجل في تدبير لحظات التوتر أن استعمل البلدان أوراق الضغط المحسوبة على السقف المرتفع في إدارة الصراع.