الوقت - بينما كان الکيان الصهيوني قد خلق مسافةً بين قطاع غزة والضفة الغربية من خلال احتلاله للعديد من الأراضي الفلسطينية، ودفع قادة هاتين المنطقتين نحو التباعد، إلا أن الوضع قد تغير الآن، وأخيراً عقد الفلسطينيون السلام مع بعضهم البعض بعد سنوات من الصراع.
حيث وقع قادة حماس والجهاد الإسلامي وفتح اتفاق السلام في الأيام الأخيرة بحضور اجتماع الجزائر.
وعليه، فقد تضمنت بنود بيان الفصائل الفلسطينية في الجزائر تعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك مدينة القدس، حتى عام واحد بعد توقيع هذا البيان، تفعيل آلية الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، السعي لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية والشراكة السياسية الوطنية.
وبناءً على هذا الاتفاق، سيشرف فريق عمل جزائري وعربي على تنفيذ ومتابعة بنود هذه الاتفاقية، بالتعاون مع الجانب الفلسطيني. كما شددت الفصائل الفلسطينية على ضرورة التمسك بالمقاومة الشعبية، وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة بشتى الطرق.
من أجل استعراض التطورات في فلسطين والاتفاقات التي تم التوصل إليها بين الفصائل الفلسطينية، ناقش "الوقت" هذا الموضوع بشكل أكبر في حوار مع السيد سعد الله زراعي، الخبير في شؤون غرب آسيا.
الوقت: منذ عام 2007، عندما ظهرت الخلافات بين الفصائل الفلسطينية، بُذلت جهود كثيرة لدفع السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة نحو المصالحة، لكن هذه التحركات الدبلوماسية لم تكن ناجحةً حتى وقت قريب. ما هي العوامل التي دفعت الفلسطينيين إلى المصالحة مع بعضهم البعض في الوضع الراهن؟ في رأيكم، ما هي أسس هذه الاتفاقية؟
السيد سعد الله زارعي: في الواقع، أحد أسباب هذا الاتفاق هو القضايا الداخلية لفلسطين، بما في ذلك طلب حل القضايا الاقتصادية والإدارية للشعب، والتي تسببت في مشاكل في هذا المجال في السنوات الماضية. وبما أنه لم تجر انتخابات في فلسطين منذ عام 2004، فقد تراكمت المشاكل ولم تسمح باتفاق بين الطرفين، وكان لابد من التفكير في آلية لحل هذه المشاكل. ولحسن الحظ، توصلت الجماعات الفلسطينية المختلفة إلى استنتاج مفاده بأنه ينبغي حل هذه الخلافات فيما بينها، وعُقد قمة الجزائر على هذا الأساس.
بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى في العالم العربي، للجزائر علاقات أوثق مع الفلسطينيين، وقد عقدت هذه القمة في وقت مناسب. والجانب الآخر الذي دفع الفلسطينيين إلى التعاون والاتفاق فيما بينهم هو أداء الکيان الصهيوني، الذي استخدم الانقسام بين الفلسطينيين لمصلحته في السنوات الماضية، ولهذا السبب شهدنا في العامين الماضيين هجمات صهيونية واسعة النطاق على الفلسطينيين. لكن الکيان الصهيوني أدرك الآن أنه يواجه مجموعةً منظمةً ومتماسكةً، وليس شعبًا منقسماً لكل منهم إرادة منفصلة وأفكار لا تتجمع.
الوقت: حسب بنود اتفاق المصالحة بين الفلسطينيين، هل هناك أي أمل في أن تتمكن هذه المجموعات في المستقبل من إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في جميع أنحاء فلسطين؟
السيد سعد الله زارعي: عندما تتفق هذه المجموعات مع بعضها البعض بعد سنوات عديدة، فهذا يعني أنهم قبلوا أن مشاكلهم كانت خطيرةً ويجب حلها، وعندما يوقعون على الاتفاقية، فهذا يدل على التزامهم بأحكامها. لكن علينا أن ننتظر ونرى ما إذا كان بإمكانهم التعاون في هذه الصفحة المشتركة أم لا.
يجب على الفصائل الفلسطينية أن تهتم بهذه القضية، ويجب أن تعطى المطالب المعتدلة التي اتفقت عليها أهمية من قبل جميع الأطراف وألا تنتهك. وأعتقد أن هناك الكثير من الأمل في أن ينفذ الفلسطينيون بنود اتفاقية المصالحة هذه.
الوقت: هل جرى نقاش حول هذه القضايا في هذه القمة، أم تم الاتفاق على الإطار العام فقط؟
السيد سعد الله زارعي: كانت هناك نقاشات في هذا المجال من قبل، ومنذ العام الماضي وبعد "معركة سيف القدس"، دعمت فتح هذه العملية، واتخذت السلطة الفلسطينية قراراً بالسماح للفصائل الفلسطينية بالتعاون مع بعضها البعض. اصطفاف فتح وحماس والجهاد الإسلامي والسلطة الفلسطينية إلی جانب بعضهم البعض في الوضع الراهن له أرضيات، وبعد عملية السيف المقدس، ازداد الاتجاه لهذا التعاون.
الوقت: من الحجج التي تثيرها فصائل المقاومة دائماً، أن حركة فتح ومحمود عباس رئيس منظمة السلطة الفلسطينية يستخدمان هذه المفاوضات كأداة ضغط ضد مؤيديهم الإقليميين الذين يضغطون عليه في بعض الأحيان، ومحمود عباس ليس جاداً في الاتفاقيات. برأيكم ما مدى جدية حركة فتح في تنفيذ التزاماتها هذه المرة، وهل ستلتزم بأحكام المصالحة؟
السيد سعد الله زارعي: لا شك أن محمود عباس، بسبب موقفه المتراجع بين الفلسطينيين والحكومات العربية، يميل إلى الالتقاء مع الفلسطينيين من أجل كسب ثقل أكبر لنفسه. طبعاً، ليس سيئاً لمحمود عباس أن يستخدم هذه الاتفاقية لتشجيع العرب على التعاون أكثر مع الفلسطينيين، وجعل القضية الفلسطينية مركزيةً بين العرب، وهذا موضوع لا يعترض عليه الجهاد الإسلامي وحماس.
المهم أن محمود عباس لا يجب أن ينظر إلى هذه الاتفاقات على أنها موسمية وعابرة، بل ينظر إلى هذه الاتفاقات على أنها استراتيجية. وبطبيعة الحال، توجُّه الدول العربية نحو القضية الفلسطينية هو نتاج الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية، وطالما كان هناك اتفاق بينها يمكن لعباس أن يحقق مكانةً مرموقةً بين العرب، واذا اهتزت الاتفاقات سيضعف موقع عباس بين العرب أيضاً.
الوقت: حالياً، الوضع في فلسطين من الخطورة حيث أصبحت نضالات الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية مؤخراً أكثر جديةً، ودخلت المرحلة المسلحة. ما هو برأيكم تأثير هذا الاتفاق على الوضع الأمني للکيان الصهيوني والانتفاضة الفلسطينية؟
السيد سعد الله زارعي: من المؤكد أن هذا الاتفاق سيؤثر على اندلاع انتفاضة جديدة وتصعيد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. لذلك، فإن الوحدة والانسجام بين الفلسطينيين سيزيد من الثقة بالنفس لدى سكان الضفة الغربية، ويشجعهم على مواجهة الكيان الصهيوني.
الوقت: إذا نظرنا إلى هذه الاتفاقية في إطار إقليمي أكثر عموميةً، فهل تعتقدون أن الرابح الحقيقي من هذه الاتفاقية هو محور المقاومة أم أطراف التسوية؟
السيد سعد الله زارعي: هنا اتفق الفلسطينيون على التعاون والتكامل والمقاومة، وخلال العام ونصف العام الماضيين، ومنذ معركة سيف القدس، كانت مجموعات فتح ومنظمة السلطة الفلسطينية هي التي اتجهت نحو الجهاد الإسلامي وحماس. ولهذا، فإن هذه الوحدة والتضامن يقويان موقف تيار المقاومة. بالطبع، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن تيار المقاومة ليس لديه نزعة شمولية ليعتبر أن حل مشاكل سكان الضفة الغربية وقطاع غزة غير مهم.
وبما أن هذا الاتفاق هو نوع من حشد القوة لحل مشاكل الشعب الفلسطيني، فإن المقاومة ستساعد أيضًا منظمة السلطة الفلسطينية على الوفاء بمسؤولياتها وواجباتها تجاه سكان الضفة الغربية بسهولة أكبر.