الوقت - بينما يزعم الغربيون أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) هو الحلف العسكري الأكثر توحيدًا وكفاءة في العالم، ما يزيل التهديد عن أعضائه، إلا أن أكثر ما يشكل تهديدًا لحلف الناتو هذه الأيام هو الانقسامات الداخلية في هذا التنظيم، والتي تصاعدت حتى إلى خطر الحرب بين الحلفاء.
زادت تركيا واليونان، اللتان تواجهان بعضهما البعض بشأن بعض الجزر في بحر إيجه في السنوات الأخيرة بينما يتبادل قادتهما الاتهامات ويهددان بعضهما البعض بحرب مباشرة، من حدة الخلاف داخل الناتو.
تشهد تركيا واليونان توترًا بشأن بعض الجزر المتنازع عليها في بحر إيجه، المليئة بموارد النفط والغاز الغنية، وقد دفعت هذه القضية الجانبين إلى حافة حرب شاملة.
في الأشهر الأخيرة، حلقت الطائرات المقاتلة التركية مرارًا وتكرارًا بالقرب من اليونان لإثبات قوتها، بينما اعترضتها اليونان. ولا يزال سوق الحرب الكلامية بين مسؤولي البلدين ساخناً ويستخدم الطرفان كل منصة لاتهام بعضهما البعض، كما في الاجتماع الأخير لقادة الناتو في براغ عاصمة جمهورية التشيك اتهم مسؤولو أثينا وأنقرة بعضهم البعض بالتعدي على الطرف الآخر.
هدد رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، اليونانيين مؤخرًا بالتدخل العسكري، وأن "القوات التركية قد تصل ذات ليلة" إليهم. على الرغم من دعوة الأوروبيين لكلا أعضاء الناتو لممارسة ضبط النفس من أجل السيطرة على التوترات بين البلدين، إلا أن هذا الاختلاف يتزايد يومًا بعد يوم، وقد أثارت هذه القضية قلق مسؤولي الناتو.
تمتلك تركيا أكبر جيش للناتو بعد الولايات المتحدة، وهي أيضًا موقع لصواريخ الحلف النووية، ومن وجهة النظر هذه، فهي ذات أهمية خاصة بالنسبة للغرب، لكن الخلافات المتزايدة حول قضية جيوسياسية في السنوات الأخيرة خلقت توترات بين تركيا وبعض الدول الأوروبية، وتزايدت هذه القضية بشكل حاد بعد الأزمة الأوكرانية.
نهج أمريكا المزدوج تجاه اثنين من حلفاء الناتو
على الرغم من أن أمريكا تحاول إظهار نفسها كلاعب محايد في الصراع بين تركيا واليونان، إلا أنها اعتمدت معايير مزدوجة تجاه حليفيها. فبينما تزود الولايات المتحدة بسهولة طائرات مقاتلة من طراز F-16 لليونان وقامت مؤخرًا بتحديث مقاتلات البلاد لتعزيز قاعدتها الدفاعية ضد التهديدات الأجنبية، فقد تم حظر بيع هذه الأنواع من المقاتلات لأنقرة لعدة سنوات.
حتى أن اليونان طلبت مؤخرًا شراء طائرات مقاتلة من طراز "F-35" من الولايات المتحدة، لكن واشنطن علقت بيع هذه المقاتلات المتقدمة للغاية إلى تركيا. تم تعليق مبيعات الأسلحة إلى تركيا بعد أن اشترت البلاد أنظمة صواريخ إس -400 من روسيا، الأمر الذي أغضب واشنطن. بيع المقاتلات لليونان وعدم بيعها لتركيا يظهر بوضوح أن أمريكا ليست محايدة في الصراع بين البلدين، ومن الواضح أنها تؤجج التوترات من خلال دعم جانب واحد، ويبدو أن تركيا تفعل ذلك حاليًا في موقع متفوق مقارنة بمنافسها اليوناني من حيث القوة العسكرية، وقد يؤدي ذلك إلى هجوم استباقي من قبل أنقرة.
البيت الأبيض، الذي لا ينتقد أفعال أردوغان في المنطقة ويعتبر أفعاله موازية لتطلعاته الخاصة، يحاول استفزاز أنقرة من خلال مساعدة اليونانيين. لذلك، في مسألة تصعيد التوتر بين اليونان وتركيا، تظهر آثار الأمريكيين بوضوح، وهذا مخالف لسياسات الناتو. تؤكد الفقرة الخامسة من حلف الناتو أنه في حالة وقوع هجوم على أحد أعضاء الناتو، يجب على الأعضاء الآخرين الوقوف لدعمه، ولكن إذا ذهب عضوان من هذا التحالف إلى الحرب مع بعضهما البعض، فليس من الواضح ما هو موقف الدول الأعضاء الآخرين في هذا التحالف. وبما أن الحرب بين اليونان وتركيا تعتبر أيضًا نوعًا من الحرب داخل الناتو، لكن أمريكا تعمل بالفعل على تأجيج تصعيد التوترات من خلال دعم أثينا بدلاً من إطفاء نيران الحرب.
احتواء تركيا في إطار حلف شمال الأطلسي
أصبحت تركيا في السنوات الأخيرة عضوًا مزعجًا داخل حلف الناتو بسبب ميلها إلى روسيا والصين، وهذه القضية تتعارض مع ميثاق هذا التحالف العسكري الذي وضع التهديدات القادمة من روسيا على رأس أولوياته. لهذا السبب، فإن رؤساء البيت الأبيض يريدون كبح جماح هذا العضو المسبب للتوتر. على الرغم من أن أمريكا في بداية حرب أوكرانيا كانت بحاجة إلى مساعدة جميع أعضاء الناتو لعزل روسيا، كانت متسامحة مع تركيا حتى تتفق مع العقوبات المناهضة لروسيا، وكذلك في عضوية فنلندا والسويد في الناتو، لكن بعد ثمانية أشهر من الأزمة الأوكرانية، لم تعد أنقرة تتمتع بالأهمية نفسها بالنسبة لواشنطن، لذا فإن مسؤولي البيت الأبيض لا يعتمدون على تركيا لدفع خططهم إلى الأمام. لذلك، تحاول واشنطن الإبقاء على حليف الناتو هذا في جوارها قدر الإمكان، لكنها تدير تحركاتها. لأن الضغط المفرط على تركيا قد يؤدي إلى انسحاب هذا البلد من الناتو، ما ينتج عنه انقسام في الجناح الشرقي لحلف الناتو والانضمام إلى معسكر الصين وروسيا. الأمر الذي شوهد جيدًا في الأشهر الأخيرة، حيث أعلن أردوغان عن استعداده للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون لتحذير قادة الغرب من أنه في حالة الدعم المكثف لليونان، فإن أنقرة لديها أيضًا بطاقات تعمل بها ما قد يقلل من نفقات الناتو.
بعد مرور خمسة وسبعين عامًا على إنشاء الناتو، باتت المواجهة بين أعضائه ظاهرة للعيان، ويمكن لهذه القضية، عندما يصطف الغرب ضد روسيا، أن تلحق الضرر بها وتدمر النظام الأمني لهذا التحالف العسكري.