الوقت - مع انتصار الشعب السوري بعد عقد من محاربة الإرهاب ودحر التدخل الأجنبي الواسع لقلب النظام القانوني وتقسيم هذا البلد، دخلت الحكومة والشعب السوري الآن ميدان إعادة الإعمار في جميع المجالات، ومن الأمثلة الناجحة على ذلك الخروج من العزلة السياسية المفروضة بعد الاهتمام الدولي المتزايد بإقامة العلاقات مع دمشق.
ومع ذلك، فإن أحد المكونات المهمة لذلك هو إعادة بناء واستعادة القوة الوطنية في مجال القوة الدفاعية ومواجهة العدوان الأجنبي على وحدة أراضي سوريا، والذي أصبح محط اهتمام رجال الدولة في دمشق.
ولهذا الغرض، أجرت القوات البرية والجوية المختلفة للجيش السوري مؤخرًا تدريبات عسكرية واسعة النطاق استمرت عدة أيام في ذكرى حرب 1973.
في هذا التمرين، تمت محاكاة طبيعة المعركة الحقيقية، كما تم تنفيذ الهجوم على مواقع العدو وتحصيناته. وشاهد التمرين ألكسندر تشيكوف قائد القوات الروسية المتمركزة في سوريا، وعدد من ضباط الجيش السوري.
اندلعت حرب أكتوبر 1973 أو حرب رمضان أو حرب كيبور في الفترة من 6 إلى 25 أكتوبر 1973 بين دولتي مصر وسوريا والکيان الصهيوني.
كانت حرب أكتوبر معركةً استثنائيةً، حيث قررت الدول العربية بعد هزائم عدة على يد "إسرائيل" تعويض الهزائم السابقة. وفي عملية مفاجئة في أكتوبر 1973 هاجموا تحصينات خط بارلو الواقعة جنوب قناة السويس ومرتفعات الجولان، ونجحوا في استعادة أجزاء كبيرة من أراضي 1967.
وحسب الاتفاقات المبرمة بعد هذه الحرب، تم تحرير مدينة القنيطرة في سوريا وجزء من أراضي الجولان وأجزاء من صحراء سيناء من الصهاينة. هذه الحرب التي كانت المعركة الأخيرة في سلسلة الحروب الأربع بين العرب والکيان الصهيوني، كانت المرة الأولى التي تنجح فيها الدول العربية.
ولهذا السبب، لم يكن الکيان الصهيوني بعد ذلك مستعدًا للدخول في صراع مع العرب مرةً أخرى، وكان راضياً بالمناطق التي احتلها في الحروب السابقة، لأنه لم ير استمرار الحرب لصالحه و كان يخشى أن يخسر الأراضي المحتلة.
خسائر الصهاينة في حرب أكتوبر كانت جسيمةً، وبعد خمسة عقود اعترفوا بهذه القضية. ومن خلال إصدار بيان في ذكرى حرب أكتوبر، أقرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بخسائر الکيان الفادحة في الحرب المذكورة، وقالت إن حرب 1973 كانت مفاجأةً ودفعت "إسرائيل" ثمناً باهظاً لها. لم يكن لدى تل أبيب الوقت الكافي لإعداد قواتها الاحتياطية، وبالتالي فقدت 2688 جنديًا و 150 دبابة.
كما كشفت صحيفة "هآرتس" الصهيونية عن وثائق مكتب هيئة الأركان المشتركة للکيان خلال حرب 1973، وهي وثائق تظهر يأس القوات الإسرائيلية خلال الحرب. لذلك، فإن إجراء مناورة واسعة للجيش السوري في ذكرى هذه المعركة التاريخية، تحمل رسائل كثيرة لأعداء سوريا.
المناورات تستهدف الكيان الصهيوني
على الرغم من أن الجيش السوري أجرى عدة تدريبات في السنوات الأخيرة بالتعاون مع روسيا وقوات المقاومة، إلا أن التمرين الأخير، الذي تشارك فيه قوات سورية فقط ويتم تنفيذه على نطاق واسع، يحتوي على نقاط مهمة للغاية.
فبالنظر إلى أن هذه المناورات تقام في ذكرى المعركة بين العرب والکيان الصهيوني، وأن هذا الکيان نفذ مئات الهجمات على مناطق مختلفة من سوريا في السنوات الأخيرة، فإن هذا التمرين يعدّ تحذيرًا خطيرًا للصهاينة بأن سوريا ليست دولةً منكوبةً بالأزمات كما كانت قبل عشر سنوات، حيث لم تستطع الرد على جرائم الصهيونية بسبب تورطها في حرب أهلية.
ورغم أن الجيش السوري تمكن من اعتراض وتدمير العديد من الصواريخ الإسرائيلية بدفاعاته الجوية في السنوات الأخيرة، إلا أنه لم يدخل في صراع مباشر مع الکيان لاعتبارات خاصة.
لكن الآن وبعد أن تحررت دمشق من الأزمة التي تسبب بها الغرب وحلفاؤه إلى حد كبير، عززت قوتها العسكرية وخرجت من المرحلة الدفاعية ووصلت إلى مرحلة الهجوم على الأعداء.
ولذلك، من خلال إجراء هذا التمرين في الوضع الحالي حيث الأجواء الدولية متوترة للغاية بسبب المواجهة بين روسيا والغرب في أوكرانيا، يحاول بشار الأسد رئيس سوريا وجيش هذا البلد إرسال رسالة للصهاينة مفادها بأنهم إذا أخطؤوا فسوف يعلمونهم درسًا قاسياً لا يُنسى.
وبالنظر إلى أن روسيا كانت في حالة توتر مع الکيان الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة بسبب موقف السلطات الإسرائيلية في حرب أوكرانيا، فإن سوريا تحظى بدعم قوي من الروس وحتى من إيران، ويمكن أن تلحق بالصهاينة خسائر فادحة في حال وقوع نزاع مباشر.
كما أن منطقة الجولان التي احتلها الکيان الإسرائيلي منذ عام 1967، تحاول القوات السورية تحرير هذا الجزء من أرضها من أيدي الغزاة، ومع تزايد قوة الحكومة السورية، فهذا ليس أمراً بعيدًا، وعودة الجولان المحتل إلى سوريا مسألة وقت فحسب.
خلال الأزمة السورية، حاولت سلطات تل أبيب عدة مرات إجراء استفتاء في الجولان المحتل وضمه إلى الأراضي المحتلة إلى الأبد، لکنها لم تنجح في هذه الخطة حتى الآن بسبب المعارضة الدولية. لذلك، تخطط الحكومة السورية لتغيير تموضعها من الوضع الدفاعي إلى الوضع الهجومي، عبر زيادة قدراتها العسكرية.
والهزائم المتكررة للکيان الصهيوني أمام الفصائل الفلسطينية، والتي لا تقاس بالمحتلين من حيث العتاد العسکري، أعطت الجيش السوري الأمل في الانتصار على هذا الکيان. في المقابل، وبسبب التطورات الدولية، في حال نشوب صراع بين دمشق وتل أبيب، فإن الغربيين ليسوا في وضع يسمح لهم بمساعدة الصهاينة، وكل شيء يسير لمصلحة سوريا.
رسالة حاسمة لإجراءات تركيا الاحتلالية
يمكن دراسة مناورات الجيش السوري من منظور آخر أيضًا. فبالنظر إلى أن القوات التركية تتمركز في الشمال السوري منذ سنوات عديدة باستغلال الحرب الأهلية، لذلك تنوي الحكومة السورية تحذير هذا الجار الشمالي، من أن سوريا قد خرجت الآن من الوضع المتأزم ويمكنها طرد الغزاة من أرضها دون أي قلق.
ورغم أنه في الأشهر الأخيرة، سارت السلطات التركية على ما يبدو علی طريق التطبيع مع الحكومة السورية، واتخذت خطوات صغيرة لإظهار حسن نيتها تجاه دمشق، لكن وجود القوات العسكرية التركية في أجزاء من سوريا يعتبر احتلالاً من قبل قادة هذا البلد، وقد حذروا من ذلك مرات عديدة، لكن أنقرة تجاهلت ذلك وواصلت مغامراتها.
لذلك، إضافة إلى الکيان الصهيوني، فإن التمرين الحالي يعتبر تحذيرًا خطيرًا لأنقرة لمغادرة سوريا في أسرع وقت ممكن. لأن القوات السورية غير مقيدة ويمكنها طرد الغزاة من أراضيهم.
وبما أن التطورات العالمية في الأشهر الأخيرة قد خلقت وضعاً يكون فيه أي تحرك عسكري من قبل فاعلين إقليميين وقوى عالمية ممکناً، فقد تتخذ القوات السورية موقفاً قاسياً ضد الاحتلال الأمريكي.
كانت القوات الأمريكية متمركزةً في سوريا لأنها كانت واثقةً من أن دمشق لن تهتم بالاحتلال الأمريكي بسبب الحرب الأهلية، وبسهولة كسبت مئات الملايين من الدولارات من نهب الثروات النفطية السورية. لكن إذا كانت هناك حكومة وجيش قويان في دمشق، فسيكون الوضع مختلفًا وقد يعيد الأمريكيون النظر في سياساتهم ويهربون من سوريا كما فروا من أفغانستان.
وبما أن روسيا صرحت بوضوح في عقيدتها الجديدة أنها تعارض السياسات الأمريكية في المنطقة، فقد يغادر مسؤولو واشنطن سوريا لمنع تصعيد التوترات مع موسكو.
على الرغم من جهود الجبهة العبرية - العربية - الغربية للإطاحة بالحكومة السورية، لکن بشار الأسد وجيش سوريا في موقع القوة الآن، ومن خلال التدريبات المكثفة أظهروا للأعداء أنه بعد ذلك فإن أي مغامرة في سوريا سيكون لها عواقب لا يمكن إصلاحها، وعليهم أن يأخذوا في الاعتبار جميع الجوانب قبل أي إجراء.