الوقت_ أعلنت نقابة الصحفيين التونسيين، مؤخراً، إطلاق سراح الصحفي غسان بن خليفة بعد 5 أيام من الإيقاف على ذمة قضاء "مكافحة الإرهاب"، وذلك بعد أن تظاهر عشرات النشطاء والصحفيين التونسيين قبل أيام للمطالبة بإطلاق سراح الإعلاميّ المتهم بشبهات”الإرهاب"، حيث إنّ ابن خليفة يعمل كمنسّق تحرير في موقع “انحياز” المناهض للتطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيونيّ ويُعد من المدافعين الشرسين عن القضية الفلسطينية، وعمد عناصر الشرطة التونسيّة إلى تفتيش منزله وضبطوا حاسوبين وفق وسائل إعلام محليّة، للاشتباه بأنه يدير صفحة على فيسبوك “تحرّض على الإرهاب"، فيما ندد التونسيون على وسائل التواصل الاجتماعيّ بملاحقات السلطات ضد أصحاب الكلمة الحرة ما يشكل تهديدا خطيرا لحرية الصحافة في البلاد.
محاربة الصحافة
لبى التونسيون دعوة النقابة الوطنية للصحفيين ونشطاء في المجتمع المدني، للتظاهر في جادة الحبيب بورقيبة حيث انتشرت الشرطة بشكل مكثف، وهتف المتظاهرون بشعارات “أطلقوا سراح غسان” و”الصحافة حرة” و”لا لتكميم الافواه”، وأطلقوا هتافات مناهضة للشرطة ولوزارة الداخلية التونسيّة، كما رفعوا لافتات كتب عليها “لا لتقييد الصحفيين"، و"لا لمحاربة الصحافة” و”حرية الصحافة مهددة"، و"لحرية للصحافة التونسية" و"ثابتون في الدفاع عن حرية الصحافة" و"سلطة رابعة ليست سلطة خاضعة"، في وقت تحذّر فيه منظمات غير حكومية ونشطاء في المجتمع المدني من تراجع الحريات في البلاد منذ ما يصفونه احتكار الرئيس قيس سعيّد للسلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة منذ 25 تموز/يوليو 2021.
وقد تحدثت مروة الشريف زوجة الصحفي المستقل بن خليفة لوسائل الإعلام أنّ "رجال أمن بلباس مدني ودون إذن قضائي فتشوا منزلنا واقتادوا زوجي إلى مقر فرقة مكافحة الإجرام، بالقرجاني (وسط العاصمة)، وأخذوا هاتفه وحاسوبه الشخصي، وحاسوب شقيقه من منزل والديه"، مضيفة: "النيابة العمومية قررت إحالة غسان على القطب القضائي للإرهاب، دون الكشف عن مكانه ولم يسمح لمحاميه برؤيته لأكثر من يومين"، وأردفت: "تم إقرار الاحتفاظ بزوجي لمدة 5 أيام على ذمة التحقيقات في قضية إرهابية لها صلة بصفحة فيسبوك تنشر مضامين ضد الرئيس قيس سعيّد، وأن زوجها متهم بالإشراف عليها، وهو أمر غير صحيح"، فيما لم تُصدر السلطات التونسيّة أي تصريح حول تلك القضية.
أزمة تونسيّة
تعاني تونس من أزمة سياسية حادة منذ 25 يوليو/ تموز 2021، حين بدأ الرئيس قيس سعيّد فرض إجراءات استثنائية منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسيّة، إضافة إلى إقرار دستور جديد للبلاد عبر استفتاء في 25 يوليو الفائت وتبكير الانتخابات البرلمانيّة، فيما تعتبر قوى تونسية أن هذه الإجراءات تمثل "انقلابا على دستور 2014 وترسيخا لحكم فردي مطلق"، بينما ترى قوى أخرى أنها "تصحيح لمسار ثورة 2011" التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011).
وازداد حجم الشرخ في الشارع التونسيّ عقب إجراءات استثنائيّة من الرئيس التونسيّ لمواجهة حالة الشلل والانقسام السياسيّ التي تعيشها البلاد ومؤسسات الدولة، والتي يصفها بأنّها متوافقة مع الدستور، إضافة إلى حل المجلس الأعلى للقضاء التونسيّ الذي يُعتبر هيئة دستوريّة تضمن حسب صلاحياتها حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائيّة وفقاً لأحكام الدستور التونسيّ، حيث دخل الرئيس سعيد في صراع طويل مع هذا المجلس منتقدا آداءه وتعاطيه مع قضايا الفساد، واصفاً إياه بأنه "يخدم أطرافا معينة بعيداً عن الصالح العام".
أيضاً، قام الرئيس التونسيّ بتعليق أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة وتولي السلطات في البلاد، وخاض معركته ضد جماعة الإخوان وحارب أذرعهم في كل المؤسسات الحساسة، فيما تزعم جماعة الإخوان المسلمين ومن لف لفها في البلاد، أنّها تقوم بما تسميه "انتفاضة كرامة" ضد "انقلاب" يتكلم باسم الشعب ويدوس مجددا على كرامته، مدعية أنّ "روح الثورة ما زالت تنساب في قلوبهم وفي عقولهم، وأنّه لا خيار آخر إلا الديمقراطيّة".
ويشار إلى أنّ تونس لم تشهد استقراراً طويلاً منذ "الثورة التونسيّة" التي اندلعت بعد قيام بائع الفاكهة محمد البوعزيزيّ، البالغ 26 عاما، بإضرام النار في نفسه في 17 ديسمبر / كانون الأول عام 2010، احتجاجاً على معاملة الشرطة له في بلدة "سيدي بوزيد" وسط تونس، حيث أطلقت وفاة البوعزيزي العنان لسخط كبير ومظاهرات حاشدة ضد الفقر والبطالة والقمع، وارتد تأثير تلك الاضطرابات الشعبيّة خارج الحدود التونسيّة، ما أدى إلى ما يُطلق عليها "ثورات الربيع العربيّ" التي أفرزت للأسف دماراً واضطراباً أكبيراً للغاية في العالم العربيّ، وحروباً لم تنتهِ إلى الآن في بعض الدول.
من ناحية أُخرى، وعقب مرور عامين على اتفاقات الخيانة أو ما تعرف بـ "ابراهام" والتطبيع بين كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي سلب عدّة أراض عربيّة وكل من الامارات والبحرين والسودان والمغرب، بدأت نسبة مؤيدي التطبيع بالتراجع بشكل كبيرعن معدلاتها المنخفضة أساساً لما كانت عليه عام 2020، ما يفسد احتفاء الكيان الصهيونيّ المستمر بتوقيع اتفاقات التطبيع التي ضمت أربع عواصم أو أكثر سريّاً إلى الحلف الخانع، ما يعكس حالة الإرباك الشديد في حكومة الاحتلال من "ثمار" اتفاقيات التطبيع وخاصة على المستوى الشعبيّ العربيّ، ويظهر هذا الأمر جليّاً في التضامن الشعبيّ التونسيّ مع الصحفيّ المعروف بمواقفه تجاه فلسطين.
ختاماً، من الضروريّ عدم تكرار أخطاء نظام بن علي الذي أسقطه التونسيون، وإذا كان قيس سعيد يريد الضرب بيد من حديد على الفاسدين فيجب أن يدعم أصحاب الكلمة الحرة لا أن يحاربهم، حيث يرى مراقبون أنّه من غير المتوقع أن يتخلص هذا البلد بسرعة من معضلة الانقسام والإدارة الفاشلة في بعض النواحي بالتزامن مع الحرب السياسيّة المعلنة والوضع الاقتصادي الذي أرهق كاهل الشعب التونسيّ.