الوقت- بعد شهر واحد بالتمام والكمال تُفرج السلطة الفلسطينية عن المتهمين بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق الدكتور ناصر الشاعر، والمتهمين الثلاث وصلوا إلى منازلهم في قرية كفر قليل جنوبي نابلس تحت حماية قوة أمنية، وبذريعة أن التحقيقات أثبتت براءتهم، ومن بين المعتقلين الضابط في المباحث العامة عدي صايل، والضابط في الوقائي مجدي العامر، والضابط في المخابرات تامر العامر، والضابط في الوقائي مهدي منصور، ثلاثة منهم تم الإفراج عنهم، وكان اللافت أن جميع المتهمين هم ضباط في الأجهزة الأمنية وبرتب عالية جداً، وبالتالي محاولة اغتياله لم تكن عشوائية كما أراد لها أن تكون، وأن ما حصل ما هو إلا جريمة تمت بتخطيط وتنسيق على قدر عال من الدقة.
اللافت كان تصريح الدكتور الشاعر الذي أكد فيه أن الجُناة الحقيقيين لا يزالون يسرحون ويمرحون دون رقيب أو حسيب أو مجرد استدعاء، رغم تعليمات رئيس السلطة محمود عباس باعتقال الجُناة ومحاكمتهم، وتساءل من المسؤول عن ذلك التلكؤ، وشدد الشاعر على أنّ قضيته لن تحل سوى بقبض أجهزة السلطة على الجناةِ الذين نفّذوا جريمة الاعتداء عليه، والذين ما زالوا طلقاء، وأكد أنّ تقاعس السلطة إزاء الجريمة، ما هو إلا مكافأة للمجرمين على جريمتهم وتحويل المجتمع لعصابات، لافتاً إلى أنه غير راضٍ عن الإجراءات التي أعقبت محاولة اغتياله قبل نحو شهر في وضح النهار.
تصريحات الدكتور الشاعر صحيحة مئة في المئة، لأن من أطلق النار عليه هم مجموعة من أمن جامعة النجاح، وذلك لحقدهم على الدكتور ناصر الشاعر لأن له تأثيرا إيجابيا لمصلحة الطلاب. فماذا حدث في الجامعة؟ في منتصف الشهر السادس من هذا العام قام أمن الجامعة بقمع وقفة طلابية داخل الحرم الجامعي نظّمها الحراك الطلابي المستقل للمطالبة بتوفير حياة جامعية آمنة تمكّن الطلبة من الدراسة.
وأصيب خلال هذا الاعتداء عدد من الطلاب بجروح ورضوض، وجذور هذه الاعتداء تعود للثامن من الشهر نفسه عندما قمعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية، اعتصاماً نظمته الكتلة الإسلامية في الجامعة، تنديداً واستنكاراً لما اسمته بتغوّل أمن الجامعة المستمر ضد طلبتها والاعتداء على ممثلها. وبعد هذه الأحداث وقف الدكتور ناصر الشاعر الذي يعمل محاضراً في الجامعة والمؤثر على قراراتها وقف ضد الأجهزة الأمنية التابعة لها وكان منصفاً للطلبة، وبالتالي أصابع الاتهام وجهت لهذه الأجهزة الأمنية بأنها هي خلف محاولة الاغتيال، والسلطة حزينة على ما حدث للشاعر، لكنّها في الوقت نفسه لن تعاقب من قام بمحاولة الاغتيال لسبب واحد وهو أنها سيكون له رد فعل سلبي لدى أبناء حركة فتح، لأن معاقبتهم ستكون إنصافاً للكتلة الإسلامية في جامعة النجاح وخصوصاً أن الشاعر محسوب على التيار الإسلامي.
ما لا شك فيه أن محاولة اغتيال نائب رئيس الوزراء الأسبق ناصر الشاعر فتحت الباب على مصراعيه لأزمة يعيشها الشارع الفلسطيني عنوانها الفوضى والسلاح غير المنضبط وهو ما يلقي بالتهم على أجهزة الأمن الفلسطينية التي تتهم دائماً بالتقصير أمام الفوضى وبأن مهمتها باتت بدلاً من حماية المواطن الفلسطيني تنفيذ الاستحقاقات الأمنية في الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، إضافة إلى قمع الفلسطينيين في كل مرة يخرجون للانتفاضة بوجهها.
على الرغم من أن محاولة الاغتيال أدانها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس ومن هم دونه، ورغم إعطاء عباس الأوامر بإلقاء القبض على المتهمين ومحاسبتهم إلا أن ذلك لم يقلل من الاتهامات التي وجهت للسلطة بالتقصير في مواجهة من يريدون صناعة الفتن وحرف بوصلة البندقية الفلسطينية.
الدكتور ناصر الدين الشاعر يعتبر من أبرز الشخصيات الفلسطيينية في السنوات العشر الأخيرة ولا سيما أنه يلعب دوراً كبيراً في استعادة الوحدة الفلسطينية وحل أثار الانقسام الفلسطيني فهو عضو في لجنة الحريات التي انبثقت عن اتفاق المصالحة ويلعب دورا كبيرا في إيقاف الانحرافات لدى البعض وهذا الأمر على ما يبدو لم يرق للبعض الذين أرادوا تغييبه عن هذا الدور من خلال الرصاصات التي أصابت قدميه، لكن ما يمكن أن يحسب للدكتور الشاعر إجماع الفصائل الفلسطينية على شخصيته ومطالبتها جميعاً بما فيها حركة فتح بمحاسبة الفاعلين بوصفهم طابورا خامسا يحاول أن يضرب اُسس الوحدة الفلسطينية وتدمير أي إمكانية لتجاوز حقيقة الماضي ولو اجتماعياً، ومحاولة الاغتيال هذه ستبقى نقطة سوداء في صفحات السلطة الفلسطينية المليئة بهذه النقاط والندبات.